عادي

سوريا “فسيفساء” التنوع الديني والإثني

00:55 صباحا
قراءة 11 دقيقة
صقر أبو فخر
قبل زوال الدولة العثمانية من المشرق العربي غداة الحرب العالمية الأولى كان سكان بلاد الشام يعرفون أنفسهم كسوريين، أو عرب سوريين، أو عرب . أما انتسابهم فهو إما إلى المنطقة على غرار "حوراني" أو "ديري"، أو القول هذا حلبي وذاك شامي وذلك طرابلسي، أو للعشيرة، فهذا من شمر وذاك من طيء وذلك من الحويطات . . الخ .
بزوال الدولة العثمانية من بلاد الشام في سنة 1917 قُسمت هذه المنطقة، بحسب اتفاقية سايكس- بيكو (1916) ومعاهدة سان ريمون (1919) إلى مناطق للنفوذين الفرنسي والبريطاني، وظهرت، جراء ذلك، أربعة "أوطان" هي: لبنان وشرق الأردن وفلسطين وما بقي من سوريا التاريخية الذي اتخذ اسم "الجمهورية العربية السورية" . وبالتدريج راح كل "وطن" يبني هويته الذاتية على خليط من التاريخ والسياسة الخرافة . وهكذا ظهرت أربع هويات "وطنية" متنافرة بعدما كان الجميع ينضوي تحت هوية واحدة . أما سوريا فقد تعرضت للتمزيق مرة ثانية غداة اجتياح الجنرال غورو دمشق، وإنهاء المملكة السورية وحكم الملك فيصل الأول بعد معركة ميسلون في يوليو/تموز 1920 . وعلى الفور أنشأ الفرنسيون أربع دول على أُسس طائفية هي: دولة دمشق (للسُنة)، ودولة حلب (للسُنة)، ودولة العلويين ودولة الدروز، علاوة على سنجق الجزيرة . غير أن السوريين ردوا بضراوة على هذا التفتيت، فاندلعت الثورة السورية الكبرى في سنة ،1925 وعمت جميع أنحاء البلاد بما في ذلك أطراف لبنان (حاصبيا وراشيا والبقاع الشمالي)، وكان من بين نتائجها إفشال خطة التفتيت، وإعادة توحيد المناطق السورية في دولة واحدة .
بدأت الهوية الوطنية الفلسطينية بالتبلور في مواجهة محاولات الإلغاء والطمس التي نفذتها الحركة الصهيونية في فلسطين، فاكتست، منذ البداية، بالطابع الوطني المعادي للاستعمار والصهيونية . أما الهوية الأردنية فهي حديثة جداً، وقبل قيام إمارة شرق الأردن لم يكن هناك "أردن" بالمعنى الدستوري أو السياسي . فالأردن هو نهر، وثمة غرب النهر (الضفة الغربية) وشرق النهر (شرق الأردن) . وبهذا المعنى لا يوجد أساس تاريخي لظهور كيان أُردني منفصل عن بقية بلاد الشام لولا حاجة الاستعمار الإنجليزي إلى "دولة حاجز"، تحجز العراق عن فلسطين (أي عن البحر)، وتحجز الشام عن الحجاز . لكن الهوية اللبنانية و"الوطن" اللبناني ظهرا في سياق حل "المسألة الشرقية"، وبالتحديد مشكلة الأقليات الدينية . لذلك كان قيام دولة لبنان المؤلفة من متصرفية جبل لبنان ومن الأقضية الأربعة السورية (البقاع وحاصبيا وزحلة ومرجعيون) ومدينة بيروت ذا طابع طائفي واضح . أما الهوية السورية فقد شددت على فكرة العروبة كإطار ثقافي وحضاري وقومي جامع يعلو على الطائفة والعشيرة والعائلة والمنطقة . فسوريا التي تضم أقدم مدينة مأهولة في التاريخ هي دمشق، وأعظم مدائن الشرق، أي حلب، وكانت فُتحتها البحرية تمتد من مرسين وأضنة في شمال لواء الاسكندرون حتى العريش في سيناء، وجدت نفسها ممزقة بعد اقتطاع فلسطين والأردن والموصل للنفوذ البريطاني، وبعد اقتطاع لبنان للنفوذ الفرنسي، ثم الاسكندرون لاحقاً لتركيا، فكان من البدهي أن تتسربل هويتها الجديدة بالدعوة إلى العروبة والوحدة والمصير الواحد .

التعدد والتنوع

سوريا هي أكثر بلد عربي متنوع طائفياً ومتعدد قومياً وإثنياً . فهي، بهذا الوصف، أكثر تنوعاً من العراق، وكذلك من لبنان الذي يحتوي تسع عشرة طائفة . ففي أرجاء سوريا يعيش المسلمون السُنة والشيعة والعلويون والإسماعيليون والدروز والمرشديون والأحمديون (القاديانيون) والبهائيون، علاوة على المسيحيين بجميع طوائفهم، كالسريان والأرثوذكس والآشوريين والكلدان والموارنة والأرمن والنساطرة والبروتستانت والكاثوليك واللاتين، وفيها أيضاً آلاف من الإيزيديين . وفي سوريا خمس قوميات شبه متماسكة هي: الأكراد والتركمان والشركس والأرمن والسريان، علاوة على الأكثرية العربية، وفوق ذلك ثمة مجموعات بشرية كثيرة كالداغستان والفرس واليونان والأرناؤوط (الألبان)، وهي مجموعات تمتلك قدراً من الترابط الإثني . ومع أن نسبة المسلمين السُنة في سوريا تصل إلى نحو 70 % إذا احتسبنا الأكراد والتركمان والشركس، فإن دمشق، عاصمة الدولة الأموية، هي مقر كراسي جميع بطاركة الأرثوذكس والكاثوليك والسريان . فعندما احتلت تركيا أنطاكيا نقل البطاركة كراسيهم إلى دمشق لا إلى لبنان على سبيل المثال . ولهذا لم يكن غريباً على سوريا العربية أن تكون صورتها في سنة 1920 على النحو التالي: الملك حجازي (فيصل بن الحسين)، ورئيس مجلس النواب لبناني (رشيد رضا)، وقائد الجيش عراقي (ياسين الهاشمي)، ووزير الداخلية لبناني (رضا الصلح)، ووزير الخارجية فلسطيني (سعيد الحسيني) . أما أول حكومة في سوريا فكانت كالآتي: الحاكم العسكري سني من دمشق وله أصول عراقية (رضا الركابي)، ورئيس مجلس الشورى العسكري، أي وزير الدفاع، سني من بغداد (ياسين الهاشمي)، ومدير العدلية مسيحي من دير القمر في لبنان (إسكندر عمون)، ومدير المالية مسيحي من الشويفات في لبنان أيضاً (سعيد شقير)، ومدير الأمن العام مسيحي من طرابلس (جبرائيل حداد)، ووزير الخارجية مسيحي من دمشق (توفيق شامية) .
وفي العهود اللاحقة لمعت في سوريا عشرات الأسماء من لبنانيين وفلسطينيين تسلموا مسؤوليات عليا أمثال: سعيد حيدر، رئيس مجلس النواب السوري (شيعي من بدنايل في البقاع اللبناني)، مرشد خاطر، وزير الصحة (ماروني من بتاتر)، عادل ارسلان، وزير الخارجية (درزي من الشويفات)، عفيف الصلح، نائب (سني من بيروت)، شوكت شقير، رئيس الأركان في الجيش السوري (درزي من بلدة أرصون)، عبد الكريم زهر الدين، قائد الجيش (درزي من بلدة كفر فاقود)، فريد زين الدين، نائب وزير الخارجية (درزي من الشوف) .

قوميات وطوائف وإثنيات

تضطرم سوريا اليوم بنيران أقلياتها المضطربة في الأساس . لكن، من بين ثلاث وعشرين طائفة سورية وخمس قوميات، فإن الأكراد هم القومية الوحيدة التي لديها مشروع سياسي، أي تأسيس دولة كردية مستقلة في شطور من العراق وإيران وتركيا وسوريا . أما الأرمن فليس لديهم أي مشروع قومي في سوريا، ولم يتصدوا لمثل هذا المشروع منذ تدفقهم إلى سوريا في سنة 1915 فصاعداً عقب المذابح التي تعرضوا لها على أيدي الفرق الحميدية ذات الأغلبية الكردية . وتنطبق هذه الحال على الشركس والتركمان، وهؤلاء لديهم مشروعات ثقافية كإحياء لغتهم وفولكلورهم واحترام هويتهم التاريخية وغير ذلك من المطالب، وقد اندمجوا بالمجتمع السوري منذ زمن طويل، وتَعرب معظمهم . فالتركمان، على سبيل المثال، هم من قبائل الأوغوز (الغُز) التي وفدت إلى سوريا من آسيا الوسطى، واستوطنوا في شمالي سوريا وفي الجولان ودمشق، ويبلغ عددهم نحو مئة وخمسين ألفاً . واشتهر من أعلامهم الشهيد يوسف العظمة بطل معركة ميسلون في سنة ،1920 ووزير الدفاع السوري السابق حسن توركماني . أما الأكراد هم سكان الجبال الفاصلة بين العراق وإيران، أي جبال زاغروس المتصلة بجبال طوروس والقفقاس . ولأن الأكراد سكنوا تلك المناطق العاصية البعيدة عن مناطق التحضر كالسهول الخصبة أو ضفاف الأنهار أو المدن التجارية، فلم يتركوا، في التاريخ القديم، أي أثر حضاري على غرار البابليين والأكديين والآشوريين والسومريين، وحتى العرب .
والأكراد في سوريا مسلمون سُنة في أغلبيتهم، وبينهم كثيرون من العلويين والشيعة . والمشروع السياسي للأكراد، سواء أكانوا في العراق أم إيران أم تركيا، يتضمن في حده الأدنى الحكم الذاتي في إطار الدول التي يعيشون فيها، وفي حده المتوسط دولة مستقلة في شمالي العراق، وفي حده الأعلى دولة تمتد من البصرة حتى الفرات مروراً بالأهواز حتى طوروس والبحر الأسود وأردهان وأراس، وتشمل في إطارها شمالي العراق وجبال حمرين وسنجار، ومناطق في شمالي سوريا ونصيبين حتى الاسكندرون . وهذه خريطة خيالية منسوجة بالوهم أولاً وأخيراً لأنها تقتطع أجزاءها من العراق وإيران وروسيا وأذربيجان وتركيا وسوريا معاً .
الأكراد موزعون اليوم على دول متعددة، ولا يمتلكون دولة مستقلة (ربما يمتلكونها في العراق قريباً) باعتبار أن لديهم مشروعهم الخاص، وهم كانوا كذلك في العصور القديمة . وقد أدى فقدان الوحدة السياسية للأكراد إلى ظهور لهجات كردية (شبه لغات) لا يفهمها إلاّ الناطق بها، وتستعصي على الكردي الآخر، ولم يظهر حتى القرن العاشر ميلادي أي مدونات كردية على الإطلاق . لهذا أبدع الأكراد في فضاء اللغة العربية (والتركية والفارسية أيضاً)، ولمع من بين أعلامهم السياسيين في سوريا إبراهيم هنانو الذي قاد ثورة ضد الفرنسيين في الشمال السوري في سنة 1925 . ومن شخصياتهم الثقافية البارزة المؤرخ محمد كرد علي والشاعر سليم بركات . وبرز بعد الاستقلال في سنة 1946 خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي السوري اللبناني، وتولى محمود الأيوبي رئاسة الوزارة في سوريا في ثمانينات القرن العشرين . والمعروف أن آل جنبلاط في لبنان، ومنهم الزعيم كمال جنبلاط وابنه وليد جنبلاط، يتحدرون في أصولهم من أكراد سوريا، فهم من بلدة كلس السورية، وجدهم الأعلى يدعى علي باشا جانبولاد . ويبلغ عدد الأكراد في سوريا حتى سنة 2010 نحو مليوني شخص يتركزون في شمال شرقي سوريا (القامشلي ورأس العين) وفي حلب ودمشق بالدرجة الأولى . أما الشركس فقد وصلوا إلى سوريا في سنة 1864 بعدما سيطر الروس على بلاد القفقاس وهجّروا السكان إلى سوريا وفلسطين والأردن . وقد أقام هؤلاء في الجولان والقنيطرة ودمشق . وبعد الاحتلال "الإسرائيلي" للجولان في سنة 1967 نزحوا إلى دمشق . وهم ينتشرون اليوم في بلدة رأس العين عند الحدود مع تركيا، وفي تل عمري بين حمص والسلمية، وفي مرج السلطان بالقرب من دمشق، ويبلغ عددهم أكثر من 150 ألفاً، وهم أسهموا في النضال السوري ضد الاستعمار الفرنسي، .

المسيحيون

المسيحيون في سوريا ليسوا أقلية دينية . واسم سوريا نفسه سرياني، حتى أسماء الأماكن مازالت حتى اليوم سريانية على الأغلب . أما اللغة السريانية أي لغة السيد المسيح فما برحت حاضرة على ألسنة سكان معلولا وجبعدين وصيدنايا وبخعا .
وفي بداية القرن العشرين كانت نسبة المسيحيين في سوريا إلى مجموع السكان 20% . وفي سنة 1956 وصلت النسبة إلى 15% . وفي نهاية القرن العشرين تراجعت إلى 10%، وها هي تنخفض اليوم إلى ما دون ذلك بكثير جراء العسف والقتل والتهجير . ويشكل المسيحيون 65% من سكان وادي النصارى (وادي النضارة بحسب التسمية الجديدة)، وكانوا في إحدى الفترات يشكلون 25% من سكان حلب . وهم ينتشرون في حمص ودمشق وبالتحديد في أحياء القصاع وباب توما والدويلعة وجرمانا والتجارة وباب شرقي والقيمرية والزبلطاني، علاوة على وجود مهم في درعا، لاسيّما في بصر الحرير وبصير وخبب وإزرع، وكذلك في السويداء واللاذقية وطرطوس والقنيطرة وجبل الشيخ وأرياف دمشق .
وفي سنة 1946 كان عدد المسيحيين في الجزيرة السورية يناهز الخمسين ألفاً، وكان يجب أن يكون عددهم اليوم بحسب معدلات التزايد الطبيعي نحو 250 ألفاً بينما الموجود منهم اليوم نحو 60 ألفاً فقط . وكان المسيحيون يشكلون 50% من سكان عامودا والدرباسية، واليوم انقرضوا، وكانوا يمثلون 70% من سكان المالكية، واليوم صاروا أقل بكثير من 25% . وكانت الرقة تضم 600 عائلة مسيحية قبل سنة ،2012 واليوم باتت بلا مسيحيين . وبعدما كانت الحياة السياسية السورية تزهو بأسماء مثل فارس الخوري ورفيق بشور وحنين صحناوي وخليل كلاس وطعمة العودة الله (أحد قادة الثورة السورية الكبرى إلى جانب سلطان الأطرش وزعيم مسيحيي جبل العرب)، وبعدما كان الجيش السوري يؤدي التحية إلى عدد كبير من ضباطه المسيحيين أمثال اللواء وديع مقعبري واللواء فيليب صوايا واللواء فؤاد قربة واللواء ميخائيل ورد واللواء ألبير عرنوق واللواء آرام كرمانوكيان (قائد المدفعية في إحدى الفترات) واللواء يوسف شكور (رئيس الأركان في حرب 1973)، فها إن سوريا اليوم تشهد نزوح أبنائها المسيحيين إلى بلاد الغرب جماعات جماعات .
اشتهر من بين مسيحيي سوريا في القرن العشرين أعلام كبار في الفكر والسياسة والثقافة والنضال الوطني أمثال فارس الخوري الذي تسلم رئاسة مجلس النواب السوري ورئاسة الحكومة، والذي قال عنه محمد علي الطاهر: لولا النقطة في اسم عائلته لكانت الرئاسة تسعى إليه . وكذلك قسطنطين زريق مؤسس "الحركة العربية السرية" أو "جماعة الكتاب الأحمر" وهو كتاب القومية العربية . وهذه الجماعة قاتلت في فلسطين والعراق وكان لها شأن كبير في ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة ،1941 ويعد قسطنطين زريق رائد الفكرة القومية العلمانية إلى جانب ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي الذي انتشر في سوريا والعراق ولبنان والأردن وفلسطين واليمن وليبيا وتونس والسودان وبعض دول الخليج العربي . ومن أعلام المسيحيين السوريين المطران إيلاريون كبوجي مطران القدس الذي سجنته "إسرائيل" بتهمة نقل أسلحة إلى حركة "فتح" . وكذلك إدمون رباط أكبر فقيه دستوري في بلاد الشام والذي كان نائباً عن حلب ثم استقر في بيروت لاحقاً . لنتذكر أيضاً أن كبار مؤسسي المسيحية هم سوريون، فالمسيح نفسه آرامي من الجليل في فلسطين، والآرامية الغربية هي السريانية التي كانت لسان السيد المسيح . ومن المؤسسين بولس وهو من طرسوس، وتتيان السوري ويوستين النابلسي وبارديصان السوري ويوحنا فم الذهب الانطاكي ونسطوريوس الانطاكي أيضاً .

العلويون

تبلغ نسبة العلويين إلى مجموع السوريين نحو 10%، وهم ينتشرون في ريف حماة وأرياف اللاذقية وطرطوس وجبلة، علاوة على المدن السورية الداخلية مثل حمص ودمشق، وقد عانى العلويون باعتبارهم طائفة منشقة على الإسلام السُني اضطهاداً متمادياً من النظم السياسة الحاكمة ابتداءً بالمماليك حتى العثمانيين . ومع ذلك فإن العلويين كانوا دائماً متمسكين بالفكرة العربية كإطار جامع لهم مع بقية أبناء وطنهم، وبالمواطنة السورية في الوقت نفسه . وقد برز من بين أبناء هذه الطائفة العربية أعلام كبار في الوطنية والقومية أمثال الشيخ صالح العلي الذي قاد الثورة ضد الاستعمار الفرنسي في أرياف اللاذقية، وزكي الأرسوزي الذي حمل لواء القومية العربية في الاسكندرون . واشتهر الشاعر سليمان العيسى كشاعر قومي عربي مميز . وكان لأدونيس (علي أحمد سعيد) الأثر المدوّي في حركة الشعر العربي الحديث . وبرز في المسرح سعد الله ونوس، وفي الرواية حيدر حيدر وهاني الراهب وممدوح عدوان وصدقي إسماعيل مؤسس جريدة "الكلب" في الشعر وخالدة سعيد في النقد الأدبي . ويخلط كثيرون بين المرشدية والعلوية . والحقيقة أن العشيرة المرشدية المنتشرة في قرية الغجر المحتلة والواقعة عند الحدود اللبنانية السورية الفلسطينية وفي قرية جوبة برغال وهي مسقط سليمان المرشد مؤسس هذا المذهب، وفي قرى أخرى تعتبر نفسها ديناً خاصاً مختلفاً عن العلوية وإن اشتركت مع العلويين في كثير من العقائد والأسس والأصول .

الدروز

الدروز جماعة دينية لا يتجاوز عمرها الألف عام، وهم منشقون على المذهب الإسماعيلي الذي كان مذهب الدولة الفاطمية في مصر . وينتشر الدروز في سوريا في منطقة جبل العرب بصورة أساسية (محافظة السويداء)، ويشكلون أغلبية سكان السويداء مع وجود لا بأس به للمسيحيين والسُنة، فضلاً عن جبل الشيخ (حضر وعرفة وعين الشعرة) وريف دمشق (جرمانا وصحنايا) ودمشق العاصمة (باب المصلى) والجبل الأعلى في أدلب وبعض مناطق حلب . ونسبتهم إلى مجموع السوريين نحو 3% فقط . وقد اشتهر من بين أعلامهم سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى التي نشبت في سنة 1925 ضد الاستعمار الفرنسي، وكان شعارها: "الدين لله والوطن للجميع" .
وكان منصور سلطان الأطرش أحد المؤسسين الأوائل لحزب البعث إلى جانب شبلي العيسمي وهو من أبناء محافظة السويداء . وقد اشتهر الدروز في سوريا بمعاركهم الطويلة ضد الأتراك وضد حملة إبراهيم باشا على الشام، وشاركوا بقوة في الثورة على الفرنسيين، وفي النضال الفلسطيني . ومن أعلامهم في الفن فريد الأطرش وشقيقته أسمهان المهاجران إلى مصر .
إن أبناء الأقليات السورية، وبالتحديد ذوي الأصول العربية الخالصة كالدروز والعلويين والإسماعيليين، فضلاً عن المسيحيين السوريين العرب والسريان، اشتهروا بنضالهم في سبيل العروبة، لأن العروبة هي قوة الدمج الذي تتيح لهم أن يكونوا مواطنين متساوين مع جميع أبناء وطنهم، وبالكفاح في سبيل المواطنة المتساوية، لأن المواطنة المتساوية وحدها تجنب سوريا مشكلات التمييز على أُسس طائفية أو إثنية أو قومية . لذلك نجد أن معظم أعضاء الأحزاب القومية واليسارية في سوريا متحدرون من أبناء الأقليات مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب، وقبل ذلك الحزب العربي الاشتراكي الذي أسسه أكرم الحوراني . وهذه الأحزاب كلها، ما عدا الحزب الشيوعي، كانت تشدد على الفكرة القومية وعلى فكرة المساواة والعدالة الاجتماعية، فيما ركز الحزب الشيوعي نضاله على العدالة الاجتماعية التي تتضمن المساواة في الوقت نفسه .

الإسماعيليون

الإسماعيليون هم إحدى فرق الشيعة التي استقرت على الإمام السابع إسماعيل . والإسماعيليون هم مؤسسو الدولة العبيدية في المغرب التي زحف جيشها لفتح مصر وشمال إفريقيا . وفي مصر أسس الإسماعيليون الدولة الفاطمية التي امتدت نحو 180 عاماً، وظلت مدينة "السلمية" في سوريا مركزهم الروحي . ويتركز الإسماعيليون في السلمية وبعض نواحي مصياف والقدموس . ولمع من بينهم الشاعر الكبير محمد الماغوط أحد رواد قصيدة النثر في النطاق العربي، وأحد كبار كتّاب المسرح في النطاق السوري . ومن أعلام الإسماعيليين في الثقافة والترجمة إنعام الجندي وسامي الجندي وعاصم الجندي وعلي الجندي مع أن آل الجندي عادوا إلى الإسلام السني، وإن ظلوا يقيمون صلة روحية بالتراث الإسماعيلي الديني والثقافي .

* باحث في الشؤون العربية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"