عادي
في جعبته 157 جائزة وينتظر تتويجها بـ «الأوسكار»

«طفيلي».. مرآة حقيقية للحياة في كوريا الجنوبية

03:26 صباحا
قراءة 4 دقائق
مارلين سلوم

بعض الأفلام يمشي يجر ذيل خيبته ويفشل في إقناع الجمهور والنقاد بفكرته، وربما بكل تفاصيله؛ لكن فيلم «طفيلي» أو «براسايت» الكوري، الذي يعرض في دور السينما الإماراتية، فهو يمشي منذ العام الماضي يجر رتلاً من الجوائز، بلغت ال 157 جائزة؛ أبرزها «السعفة الذهبية» من مهرجان كان السينمائي الدولي، و«جولدن جلوب» لأفضل فيلم أجنبي، إلى جانب 6 ترشيحات للأوسكار، سيفوز منها بجائزة على الأقل.
ما السر الذي يجعل «طفيلي» فيلماً فارقاً في السينما الكورية والعالمية، ومستحقاً لهذا الكم من الإعجاب وعن جدارة؟
الفيلم كوري من ألفه إلى يائه، حتى إنه ناطق بلهجة أهله. جريء المخرج بونج جون هو، فقد تعامل مع «طفيلي» وكأنه مرآة حقيقية تعكس جانباً من حياة الناس في كوريا الجنوبية، وجريء بتطرقه إلى الفوارق الطبقية البارزة، ونظرتي الفوقية والدونية المتبادلة بين الأثرياء والفقراء. جمعهما مجتمع اختصره بأسرتين متباعدتين في كل شيء، وبذكاء شديد وتسلسل منطقي للأحداث، تحت سقف واحد، ومكّن الأسرة الفقيرة من السيطرة على الثرية والتحكم بقراراتها؛ بل أخذت مكانها بما يشبه الاحتلال.
مقنع في كتابة القصة، يبتعد بكاميرته عن العالم الافتراضي والخيال المبالغ فيه، فينزل بها إلى الأحياء والشوارع؛ حيث الفقر المدقع، ويدخل عالم الترف والثراء، فتصير شريكاً في الحوار، تقول ما لا ينطق به أبطال الفيلم، وتحمل إلينا رسائل شديدة الوضوح والشفافية.
بونج جون هو، وبمساعدة جين وان هان في الكتابة، قدم صورة عن كوريا الحديثة، التي لا نعرف الكثير عنها وعن أحيائها العشوائية؛ حيث تعيش عائلات كالطفيليات على هامش الحياة، وفي ظلال عائلات تنعم بالرخاء. منذ المشهد الأول، يجسد هو معنى الطفيلي الذي يتغذى وينمو في ظل الآخرين؛ حيث نرى أفراد أسرة كيم كي تيك مكونة من الوالدين وابن وابنة، يسرقون كلمة سر إنترنت الجارة؛ لاستخدام ال«واي فاي» في منزلهم الذي يطل على الشارع عبر نافذة، يقف أمامها الشبان ليلاً للتقيؤ أو التبوّل.
يختصر الطريق المخرج ولا يحتاج إلى مقدمات؛ بل يدخلنا مباشرة في صلب الموضوع فنشعر منذ اللقطة الأولى بمعاناة الأسرة، وحرمان ابنها كي يو من دخول الجامعة على الرغم من ذكائه وبراعته، وكذلك شقيقته المتميزة بالفوتوشوب، والتي تتمتع بمواهب منها اقتباس الأدوار، والبحث عن المعلومات على الإنترنت.
يحصل الابن على فرصة ذهبية من صديقه الذي يعرض عليه تعليم إحدى تلميذاته اللغة الإنجليزية في المنزل. وما إن يدخل الشاب فيلا رجل الأعمال الثري «السيد بارك»، حتى ينال ثقة زوجته، وإعجاب ابنته المراهقة. وبدون تخطيط مسبق، يقترح على السيدة بارك أن تعرض ابنها الصغير داسونج على «جيسيكا» التي تعمل بعلاج النفس عبر الفنون، وتحديداً الرسم. و«جيسيكا» ما هي إلا شقيقته التي تنتحل صفة عالمة النفس، وتدخل الفيلا لتعمل فيها أيضاً. وهكذا تمشي الأحداث بشكل يبدو عفوياً وتلقائياً؛ لكنه مدروس بشكل جيد من الابنة التي تتسبب في طرد السائق ليحل محله والدها منتحلاً شخصية سائق متمرس، وهو بدوره يتسبب بطرد مدبرة المنزل لتحل محلها زوجته.
هكذا تعمل الأسرة الفقيرة تحت سقف الأسرة الثرية؛ لكن دون أن يعلم أحد بحقيقة أفرادها وبأنهم عائلة واحدة.
أكثر ما يلفتك في هذا الفيلم، الذكاء الشديد في كتابة القصة وتسلسل أحداثها، وتعامل المخرج مع المشاهد باعتباره ذكياً أيضاً، تاركاً له الكثير من المفاجآت التي تتكشف تباعاً، ودون أن يتوقعها أحد.
ومن جماليات التصوير، استخدامه لقطات «سلو موشن» أي تبطيء الحركة في بعض اللقطات لتزيد من قيمة المشهد والمعنى، مثل مشهد سعال مدبرة المنزل الأولى، لحظة تسلق السيدة بارك سلم المنزل، وترتسم على وجهها علامات الخوف والاستغراب. ومن أقوى المشاهد، وأكثرها عمقاً في المضمون، لحظة اجتماع المدبرة الأولى مع المدبرة الجديدة وزوجها وابنيها في المخبأ السري تحت الأرض؛ حيث تكتشف أنها وقعت ضحية نصب واحتيال هذه الأسرة، فتقوم بتصويرهم بهاتفها، وتهددهم بإرسال الفيديو إلى السيدة بارك. الهاتف في يدها هو سلاح هذا العصر، تهدد به، وكبسة زر الإرسال تشبه كبسة إطلاق صاروخ. ويكمل المخرج في بث رسائله المباشرة، في هذا المشهد تحديداً، محولاً إياه إلى ما يشبه أرض المعركة، يسخر فيها من مراسلي كوريا الشمالية، ونزع السلاح النووي، والحرب مع كوريا الجنوبية. الأيادي كلها تحاول الحصول على الهاتف؛ لمنع إطلاق زر الإرسال، يقطع لحظات الرعب والصراع تلك صوت جرس هاتف المنزل.
ينتقل بونج جون هو، من مرحلة التخطيط لاستغلال الفقراء للأثرياء، إلى مرحلة «دفع الثمن» وانقلاب الأمور بشكل عنيف، ليصير دموياً تتفجر فيه مشاعر الانتقام من مختلف الجهات. إنها الكوميديا السوداء؛ حيث أراد من خلالها هو أن يظهر الفوارق بين الطبقتين، ليس من الناحية المادية والمعيشية فقط؛ بل من خلال نظرتي الطرفين كل منهما تجاه الآخر. وضع أسرتين بنفس عداد الأفراد، (أب وأم وابن وابنة)، في مواجهة تظهر الفوارق الكبيرة. واحدة تعيش فوق الأرض والثانية تحتها. السيد بارك (الثري) يشمئز من رائحة سائقه والتي يشمها في كل العاملين في المنزل، لترمز إلى العنصرية والتمييز ليس في الشكل فقط؛ بل في رائحة البشر. وأسرة كيم كي ترى أن الأثرياء سذج، والأم تصف السيدة بارك بأنها «ثرية لكن لطيفة».


نهاية قاسية


يعلم المخرج أن نهاية فيلمه قاسية وصادمة إلى حد ما، لكنه يبررها بقوله إنه أرادها واقعية يصدقها الجمهور، وفق تسلسل الأحداث، إذ ليس من المنطق أن تبقى الكذبة أو الخدعة محلقة بنجاح طوال الفيلم دون أن تنكشف الحقائق، وليس من المنطقي أيضاً أن يمضي فيلم بونج جون هو دون تحميله معاني عميقة ومؤثرة، تبقى عالقة في أذهان المشاهدين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"