عادي
في الذكرى 40 لقيام الاتحاد

الوحدة والاتحاد في فكر الشيخ زايد

01:10 صباحا
قراءة 8 دقائق

في غمرة الأحداث التي يشهدها الوطن العربي ربيعاً وصيفاً وخريفاً، تطل علينا بكل الاعتزاز الذكرى الأربعون لقيام دولتنا الناهضة الإمارات العربية المتحدة، فتشيع تلك الذكرى البهجة والأمل: البهجة بما تحقق على أرض الإمارات من تقدم على كل المستويات وفي كل المجالات ما دفع بالإمارات كياناً ووجوداً دولة وشعباً لتكون في مقدمة الركب العالمي بناءً وحضارة .

الأمل الذي صنعته في نفوس العرب بإمكانية تحقيق تضامن بين أقطارهم، وبأي شكل من أشكال التضامن اتحاداً أو وحدة المهم هو الطموح في خروج الأمة العربية من دوامة الفرقة والتشرذم والضعف والاستباحة .

لقد أدرك الشيخ زايد رحمه الله بوعي عميق واقع الحال العربي وتلمس مسيرة الأحداث، وانطلاقاً من أصالة عروبته تأصلت فيه روابط الانصهار بالبلد والوطن فعشق تراث الآباء والأجداد وتنسم عبق الماضي التليد وعاشت في نفسه أحلام الوحدة العربية وأمنية التضامن بين أقطار الأمة .

فالعرب أصلاً يحملون هموم الأمة فيسعون لمعالجتها ويتطلعون إلى بناء مستقبلها بعزة وكرامة، هكذا كان الشيخ زايد طيب الله ثراه، عرف تاريخ الأمة وأمجادها حين رفعت راية الوحدة وترفعت عن أحلام التفرد والانقسام فبنت دولة اتسعت حدودها من الصين في الشرق إلى المحيط الأطلسي في الغرب وجمعت بلاد الإسبان في أوروبا وشعوباً إفريقية في الجنوب، وأقامت حضارة علمية متطورة وشكلت مجتمعات إنسانية عريقة، من وحي ذلك التاريخ المشرف كانت تطلعات سموه لاستعادة تلك الإنجازات ولاسترجاع تلك الأمجاد التي لا سبيل لنا بالوصول إليها إلا بالتضامن وتوحيد البلاد المجزأة . ولعل ما نص عليه بيان إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة الذي صدر عن المجلس الأعلى برئاسة المرحوم الشيخ زايد خير معبر عن ذلك الشعور ومن كلمات الإعلان أذكر:

بعونه تعالى، واستجابة لرغبة شعبنا العربي، فقد قررنا نحن حكام الإمارات إقامة دولة اتحادية باسم الإمارات العربية المتحدة، وإذ نزف هذه البشرى السارة إلى الشعب العربي الكريم نرجو من الله أن يكون هذا الاتحاد نواة لاتحاد شامل .

وتحدث الشيخ زايد في هذه المناسبة مؤكداً أهمية التضامن العربي لمواجهة الحاضر وضرورة الوحدة العربية لضمان مستقبل الأمة، وأن الدول والأمم الأخرى لها كياناتها المستقلة القوية التي تحافظ بها على مصالحها، وأن على أمتنا أن تتوحد لتصبح قوية ولتمسك بزمام أمورها وتقرر مصيرها بنفسها .

وباهتمام وتفاؤل كبير قال إنه من هذا المنطلق كانت دعوته وأخيه الشيخ راشد بن سعيد لإخوانهما حكام إمارات الخليج للاجتماع وإقامة اتحاد بينهم يجمع إمارات الخليج العربي التسع في دولة واحدة، تلك الدعوة التي قوبلت بالترحيب والاستجابة منهم جميعاً . وأضاف سموه إننا نحن العرب أمة واحدة والروابط بيننا روابط الأسرة الواحدة والأمم تتجه إلى توحيد صفوفها والتعاون في ما بينها حتى إن المجتمعات المتجاورة تعمل على التعاون والسعي لتوحيد شؤونها من أجل مصالحها واستقرار شعوبها ورقيهم، رغم ما في ذاكرتها من صراعات ومشكلات، فالأحرى بنا نحن العرب في الخليج وفي كل المناطق العربية أن نتضامن ونتوحد بأي شكل من أشكال الاتحاد أو الوحدة .

وبرؤية معرفته بتاريخ وجغرافيا المنطقة خلص الشيخ زايد خلال تشرفي بلقائه يوم 12/7/1968 بمكتبه بقصر الحصن إلى أننا جميعاً من العراق وحتى سلطنة مسقط وعمان قوم واحد، عشائر وقبائل نعرف بعضنا بعضاً، وحتى اخواننا في الجزيرة العربية السعودية واليمن وفي الأردن وسوريا ولبنان كلنا عرب ونفس الشيء إخواننا في مصر والسودان وشمال إفريقيا .

ومضى رحمه الله يقول: إننا نحرص جميعاً أنا وإخواني الحكام على أن تكون إقامتنا لهذا الاتحاد وفق الطرق السليمة والصحيحة التي تضمن للإمارات جميعاً الخير والقوة والازدهار، وأن تكون الدولة فخراً للأمة العربية في مجدها ومكانتها بين الأمم، وإن هذا الأمر يهمني شخصياً ويهم كل إخواني في الإمارات، وأملنا وحرصنا على التعاون مع أشقائنا في الدول العربية .

وأكد، رحمه الله، أن دولة الإمارات ستكون بكل إخلاص في عون شقيقاتها العربيات القريب منها والبعيد، وأن دولة الاتحاد ستسهم في تحمل مسؤولياتها بكل ما يحقق الخير للأمة العربية، وقال إن خيرنا من خيرهم وإننا سنعمل بأكثر مما هو مأمول منا وإن على اخواننا الدعم والتأييد وهذا واجب الأخ تجاه أخيه .

لقد أدرك الشيخ زايد- رحمه الله- بوعي عميق واقع الحال العربي وتلمس مسيرة الأحداث، وانطلاقاً من أصالة عروبته تأصلت فيه روابط الانصهار بالبلد والوطن فعشق تراث الآباء والأجداد وتنسم عبق الماضي التليد وعاشت في نفسه أحلام الوحدة العربية وأمنية التضامن بين الأقطار العربية .

ومما هو معروف لدى حكيم العرب الشيخ زايد ما أقدمت عليه بعض الدول العربية بأن وقعت اتفاقيات في ما بينها منذ خمسينات القرن الماضي إدراكاً من قادة تلك الدول للمسؤوليات والتحديات التي تواجههم ما دفعهم إلى السعي للتضامن في ما بينهم والتعاون في الدفاع المشترك، وكانت البداية نحو الوحدة قبل ذلك الحين أعلن الشريف حسين في يونيو عام 1916 الثورة العربية على الدولة العثمانية لتوحيد المشرق العربي إثر وعد بريطانيا بدعم تحقيق تلك الوحدة مقابل تحالف العرب معها خلال الحرب العالمية الأولى، لكن بريطانيا ومعها فرنسا نكثتا وعودهما وتآمرتا على العرب وقسمت بلادهم إلى عدة أقطار وزعتها في ما بينهما .

ورغم هذا التقسيم بقي حلم الوحدة العربية يتفاعل شعبياً وخاصة عقب حرب العدوان الثلاثي على مصر عام 1965 فتمت الوحدة الاندماجية بين سوريا ومصر في 22/2/1958 بناء على طلب الشعب السوري، إلا أن تلك الوحدة لم تعمر أكثر من ثلاث سنوات وانفرط عقدها نتيجة عدة أخطاء سلوكية تجاهلت خصوصيات كل قُطر، وبفعل عدم معالجة تلك السلوكيات إلى جانب العوامل الخارجية المعادية ومصالح التكتلات الداخلية كان الانفصال إثر انقلاب عسكري سوري انفصالي مؤسف .

وفي السبعينات شهدت الأقطار العربية محاولات وحدوية عديدة بين كل من مصر وسوريا وليبيا والسودان وبين الأردن وفلسطين وبين شطري اليمن وأعلنت بيانات ووحدت الأعلام وصدحت الأناشيد تلبية للمطالبات الشعبية غير أن هذه الاتحادات اضمحلت ربما لعدم قناعة زعمائها بالتنازل عن مواقعهم وعن مكاسبهم الشخصية فلم يلتزموا ببنود الاتفاقيات المعقودة بينهم، وهكذا تلاشت المحاولات الوحدوية دون الإعلان عن نهايتها .

لقد وعدت لجان الإمارات عوامل فشل المحاولات الوحدوية العربية، فكرست عملها في إعداد الدستور المؤقت على أسس أخوية توافقية حفظت لكل إمارة خصوصياتها المحلية ونظم الحكم فيها، وعلى ذلك تم تشكيل أجهزة وإدارات وقوانين الدولة الاتحادية التي ضمنت المحافظة على الاستقرار فيها وتحقيق المستقبل الأفضل لشعبها، ومن هنا كانت اجتماعات حكام إمارات الخليج العربي التسع للتباحث والاتفاق على إقامة اتحاد يجمع إماراتهم .

وبالعودة إلى مدونات الذاكرة في عام 1968 نسترجع الأحداث والجهود الجادة التي بذلها أصحاب السمو حكام الإمارات التسع لإنشاء كيان اتحادي يجمع إماراتهم بتشجيع وحماس قيادي صادق مثله الشيخ زايد، طيب الله ثراه، الذي كان حاكماً لإمارة أبوظبي، فكانت البداية في لقاء سموه في منطقة السمحة في 18 فبراير 1968 مع أخيه سمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم إمارة دبي لتوحيد الإمارتين ولمتابعة الإجراءات التي ينبغي اتخاذها بشأن مستقبل المنطقة في أعقاب انسحاب بريطانيا من الخليج وإلغاء اتفاقيات الحماية المبرمة معها .

وبالتقاء الاخوة على هدف واحد وبرغبة صادقة لتحقيق الاتحاد امتثالاً لرغبة الإمارات التسع حكاماً وشعوباً تم في يوم 27/2/1968 التوقيع على بيان مشترك تضمن الاتفاق على إنشاء دولة اتحاد الإمارات العربية، وحمل البيان توقيع كل من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي وعيسى بن سلمان آل خليفة حاكم البحرين وأحمد بن علي آل ثاني حاكم قطر وراشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي وصقر بن محمد القاسمي حاكم رأس الخيمة وخالد بن محمد القاسمي حاكم الشارقة وأحمد بن راشد المعلا حاكم أم القيوين وراشد بن حميد النعيمي حاكم عجمان ومحمد بن حمد الشرقي حاكم الفجيرة .

وبجهود متواصلة ومساعٍ مخلصة جماعية تواصلت منذ مطلع عام 1968 حتى نهاية عام 1971 جاء الإعلان يوم 2/12/1971 عن ولادة الدولة الاتحادية (الإمارات العربية المتحدة) التي جمعت إمارات الساحل المتصالح السبع بعد أن انسحبت إمارتا قطر والبحرين وأعلنتا استقلالهما .

واليوم ونحن نحتفل بالذكرى الأربعين لقيام الدولة لا نجد مجالاً للمقارنة بين ما كان عليه الحال في عام 1971 والعام الحالي ،2011 فالبون شاسع بين الصحراء القاحلة التي تحولت إلى مشروعات تنموية ومدن حديثة عامرة وبين الواحات المقفرة المحدودة الإمكانيات والبلدات المتطلعة للتطور والتحديث، وهكذا هو شأن الإنجازات التي عمت كل قطاعات الحياة، من صحة وخدمات بيئية وزراعية واجتماعية، ناهيك عن الإنسان الفرد الذي أحاطت به عناية الدولة رعاية وتوجيهاً وتطويراً ليتبوأ مكانته الاجتماعية المنشودة وليتحمل مسؤولية انتمائه إلى الوطن فيسهم في مسيرة التطور والبناء . ومع هذا النمو المتسارع تطورت أجهزة الدولة اتحادياً ومحلياً وتنظيمياً وقدرة مستفيدة من التقدم العلمي والتكنولوجي الحديث ما جعلها متفوقة على الكثير من الدول .

وكما هو الحال بالنسبة إلى الدول الفتية فإن المؤسسات التي أنشأتها الدولة من العدم لم تستمد نجاحها من أنشطتها وإنجازاتها فقط وإنما من الإقبال الشديد للخبرات للعمل فيها وإسهام أبناء الإمارات وسكان الدولة عموماً في التجارب معها .

لقد كان لمسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الإمارات خلال الفترة الماضية أثره الكبير في تشكيل الأوضاع الاقتصادية المزدهرة بالدولة وتحقيق إنجازات عديدة يمكن أن تعتبر متميزة حسب المقارنات الدولية، وخاصة في تطوير القطاعات الإنتاجية بمشاركة القطاع الخاص وقطاع الأعمال في المشروعات الصناعية المختلفة، وهذا ما حقق الاندماج الحالي الملحوظ بالاقتصاد العالمي الذي استطاع بمساهمة المؤسسات المالية والتجارية المحلية استقطاب الادخارات الأجنبية وتحريك الطاقات لتحقيق التنمية المستدامة .

وبنجاح التضامن الوحدوي وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، تطلع أبناء اليمن شمالاً وجنوباً للوحدة، فتم الإعلان في مايو عام 1990 عن وحدة دولة الجنوب مع نظام اليمن الشمالي، استمرت حتى صيف عام 1994 سادها الصراع للاستئثار بالسلطة بتفاعلات شمالية ساخنة أدت إلى اندفاع حرب دموية شرسة بين شريكي الوحدة (نشهد تكراراً لها في ربيع اليمن هذا العام)، انتهت تلك الحرب بسقوط عشرات آلاف القتلى وانتصار الجناح الشمالي وتحول قادة اليمن الجنوبي السابقين إلى لاجئين في دول مختلفة، فتحولت تلك الوحدة منذ ذلك الحين إلى قهر عسكري أفرغ الوحدة الحقيقية من محتواها، والاخوة اليمنيون يتطلعون إلى تضامن وحدوي يحقق الاستقرار والنجاح والتطور مماثل لما حققته دولة الإمارات بوحي من فكر حكيم الأمة الشيخ زايد- رحمه الله- الذي يدعو إلى الأخوة ويأبى العنف .

واليوم . . والعالم العربي الذي يعاني حالة التشرذم والضعف يعيش الأمل والطموح لتجاوز تلك الحالة إلى ترابط تضامني وحدوي اتحادي توافقي ناجح إيماناً بأن فشل تجارب الوحدة العربية لا يعني فشل مبدأ الوحدة أو تراجعاً في طموح الأمة لوحدة أقطارها، والكل على يقين بأن الأمة العربية تمتلك كل مقومات التضامن بين أقطارها، وتملك عوامل التكامل، وهذا ما لا يتوافر لأي تجمع قومي إقليمي آخر في العالم ولا شك أن المؤمنين بأهمية وحدة الأمة سوف يصنعون ذلك الهدف الكبير ويحققون المستقبل المنشود .

وأخيراً تهنئة من القلب أتقدم بها إلى حضرة صاحب السمو رئيس الدولة وإلى إخوانهم أصحاب السمو الحكام وإلى كل المسؤولين وإخواني أبناء الإمارات وإلى العرب جميعاً بهذه الذكرى العزيزة، ذكرى قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة شامخة يعتد بها العرب جميعاً ويعتز بها أبناؤها فخراً وانتماءً وولاء .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"