عادي

«فزاع».. فارس يعيش الحياة شعراً

02:12 صباحا
قراءة 6 دقائق

دبي: «الخليج»

«قامة شعرية عالية» يليق هذا الوصف بسمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، صاحب الفخامة والجزالة الشعرية، فهو بلا منازع ذلك الشاعر الكبير والمتميز على نطاق واسع في مساحة المشهد الشعري العربي والخليجي وخاصة في مضمار الشعر النبطي، الذي يصول فيه ويجول ببراعة منقطعة النظير، فهو أيضا فارس الكلام والشعر، كتب في أغراض الشعر العربي جميعها، وتشهد له ميادين المسابقات الشعرية بالتفوق والبراعة والجمال، شكلا ومضمونا ولغة شعرية عالية، وبراعة في الوصف والسبك الشعري الذي يأخذ المتلقي إلى أجواء من البهاء والصفاء والخيال ويسافر معه في رحلة من الشجن العذب كدأب والده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله».

لهذا، وكشأن الشعراء الكبار يحق لسموه أن يفتخر بشاعريته ويباهي، وهو الشاعر الذي عود مستمعيه على معاني الحب والولاء والاعتزاز بالوطن، حيث تكثر في أشعاره مظاهر هذا الفخر، واستذكار القادة المؤسسين، ذاكرا لمناقبهم وما حققوه من إنجازات، وكعادته تحمل قصائده الكثير من الإشارات اللافتة التي يستذكر من خلالها كثير من القضايا الوطنية كذكره للقدس والمسجد الأقصى..

ومن قصائده في هذا الإطار قصيدة مطولة بعنوان «إيمان الشعوب» مكونة من 103 أبيات يقول فيها:

لو أني جيت أصرح.. ما ورا كثر المنابر فود

                                        لكني جيت من شعب بعزمه سابق أزمانه

إماراتي.. وأنا أفخر بأني بدار الفخر مولود

                                    أبا أخدم دولتي لين الجسد تفخر به أكفانه

أحب القدس وأتمنى السلام بكل دار يسود

                                   وأزور المسجد الأقصى واصلي واسمع أذانه

سلام الله عليكم يا النشامى.. ما عليكم زود

                                    نحن منكم وفيكم والوطن يفخر بفرسانه

«فزاع»

أصدر سموه عدة مجموعات شعرية، وجزء كبير من أشعاره تم تلحينها وغناؤها من قبل أبرز المطربين العرب، وهو من الشعراء الفرسان بحق، فهو يعرف باسم «فزاع» وهي كلمة تعني الشخص الذي يهب لنجدة الآخرين، ويحلو لسموه أن يتباهى بهذا اللقب، فالشعراء وحدهم يعرفون أكثر من غيرهم، معنى أن تكون شاعرا، وهو يعني أن تكون شخصية مغايرة، ومبادرة، ومقدامة، تتميز بالمواقف الرائدة التي لا تنسى.

«فزاع» هو ذلك الشاعر الحساس والرقيق والرومانسي، وهو أيضا الشاعر الفارس والشجاع، وحين سئل سموه عن اختياره لهذا الاسم، فكان جوابه: «لقد كانت الصدفة وحدها وراء اختياري لقب (فزاع).

فقد شاءت الأقدار أن التقي ذات يوم ب(شايب) في البر. وقد (غرز) موتره في الرمال، وكنت أنا واضعاً في سيارتي طير لي (خفاق) بمعنى كثير الخفق بجناحيه، أحاول تعويده التهدئة من خلال السير بين الطعوس والعراقيب، وعندما رأيت هذا الشايب، وقفت بدافع الواجب، وساعدته في إظهار سيارته من الرمال، وعندما ركبت سيارتي دون أن انتظر كلمة شكر، سمعت صوتاً قادماً وبقوة، موجهاً نحوي يقول (أنت فزاع) فأثر الموقف بي، وبطريقة قول الشايب لكلمة (فزاع) فتعلق الاسم بذهني وتعلقت به، وللعلم هذا (الشايب) إلى الآن لا يعرف من أنا وأنا لا أعرفه ولا أذكر سوى ملامحه فقط»

هذا هو سمو الشيخ حمدان بن محمد من يحمل المعنى والنقاء والكبرياء والتواضع، ومن يتصف بمزايا الشجعان، ومن يكتب لا ليقول فقط، بل ليفعل، وليمارس حياته على نحو شعري، فلا شعر من دون شاعرية، ولا شعر من دون مواقف وتجربة، وبراهين، من هنا، يمكن الاستدلال على مفاتيح شعرية سموه، هو يكتب من أعماق قلبه، ووجدانه، وربما يكون من نافل القول، تأكيد أن سموه، إنما يبدع أشعاره من تجربته الخاصة، هذه التجربة، التي استفادت من ثقافته الواسعة، يكتب قصيدة تجربة في المقام الأول، وهي في ذات الوقت قصيدة حياة، ذلك لأنها تعنى بالتفاصيل، فهي بالضرورة قصيدة مفعمة بالخصوبة، وهي أيضا قصيدة حالمة، وفي هذه الأبعاد جميعها، نحن بإزاء شعر إنساني، عميق، يستدل قارئه على براعة استثنائية تتجاوز الملفوظ من الكلام، لتترقق في دواخل النفس، وهذا هو شأن كبار الشعراء، الذين لا يقوم شعرهم على التكلف، والصنعة، وإنما هو ينطق بالأحاسيس ويمتلك ناصية اللغة والبيان ويضفي على ذلك كله ألوانا وأطيافا من العذوبة والوجد والجمال.. وهو إضافة إلى ذلك كله شاعر متجدد، لا تكاد تغادر قصيدته، حتى تفاجأ بقصيدة، لا تقل روعة وجمالا وفتنة.

توقف العديد من الشعراء والنقاد عند قصائد سمو الشيخ حمدان بن محمد، فما يمتلك من شاعرية يستحق هذا التوقف، فالشاعر والإعلامي ظاعن شاهين يصف تجربة سموه الشعرية بقوله: «حمدان شيّد مدرسة جديدة في الشعر النبطي».. فقد صدر لشاهين كتاب بعنوان «فضاء الإبداع في أشعار فزاع.. قراءة في فنيات الخطاب الشعري» وفيه يرى أن قصيدة «فزاع» التي أسست مدرستها الخاصة وابتكاراتها التعبيرية، خير شاهد على ثراء «النبطي» وتاريخه الطويل، وما يحمله من كنوز إنسانية ودلالات ترتبط ببشر هذه الأرض، وثقافة شعب إمارات الخير.

وما هو لافت في كتاب شاهين، وصفه لأشعار «فزاع» بأنها قصائد ملحمية ووجدانية، هذه الملحمية التي تتوزع بين أشكال مختلفة ما بين الوجد والشوق والحنين وغيرها من القصائد التي تلخص تجربة بل حكاية سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم مع «القوافي»، وتؤكد أن مسيرته مع الكلمة طويلة رغم شباب صاحبها، وتعد بمثابة منجز حقيقي، وبستان حافل بالرياحين وندى الورد.

كثيرة هي القصائد وكثيرة هي المناسبات التي اختبرت شعرية فائضة وطافحة بالجمال عند سموه.. ونقتطف هذه الأبيات من قصيدة بعنوان« يوم الوداع » التي يقول فيها:

لا شفتني ضايق وأهل الدمع وأبكي باقتناع

                                   لا تحزنك عيني ولا تشره على دمعاتها

أنا فقط حبيت أدربها على يوم الوداع

                                   أحبابنا قاسين والأيام هي عاداتها

إلى أن يقول:

حتى خفوقي لو يقول إنه على بعدك شجاع

                                   ساعة فراقك مستحيل إن يحتمل لحظاتها

كلما نظرت لرمش عينك جيت لأمرك بانصياع

                                  تقول كان الجاذبية في هدبك إثباتها

بشبع عيوني من عيونك شوف قدر المستطاع

                                 عل وعساها تكتفي بالشوف من لذاتها

من قبل أعرفك كان شعري من ضياع إلى ضياع

                                واللحين يمشي بس لعيونك على مرضاتها

لو ما ذكرتك في قصيدي صار شعري في صراع

                                دفاتري تبغيك تتواجد على صفحاتها

براعة

في موقع آخر من الشعر نذكر القصيدة الرائعة لسموه «الجار للجار»، وهي القصيدة التي لعبت ببراعة على اللفظ الشعري وإيقاعيته، بمثل ما حملت من المضامين، وكانت بحق قصيدة استثنائية بما تحمل من وعي وثراء لغوي لافت، وهي القصيدة الوطنية في عنوانها الكبير، التي تذكر بالمبادئ والقيم التي تربى عليها الوجدان الشعبي الإماراتي، فكانت من دون شك قصيدة الحب والسلام التي تنبذ الفرقة والاختلاف.

يقول سموه:

قالوا نبي شعر الوطن قلت من وين

                            أبدا وأنا كلي مشاعر ل هالدار

قالوا نبي وصف الهجن قلت غاليين

                             لكن يكفي ما سمعتوه في «اعمار»

قالوا نبي شعر الغزل قلت بعدين

                              بعد ما اسمعكم تفاصيل «الأخبار»

لو الشعر يكتب بليا مضامين

                             بحر وقافية فقط دون الأفكار

في أسبوع واحد أنشر أربع دواوين

                              لكن أنا شاعر وتنقده شعّار

قدرة استثنائية

هذه نماذج قليلة من تجربة سمو الشيخ محمد بن حمدان، التي يمكن اعتباره من الشعراء الكبار، الذين يفخرون بمعدنهم، وله الكثير من الشعر، الذي يصنف في باب الاعتداد بالنفس، ومنها قصيدته المعروفة «أنا في الشعر» ومناخها يذكرنا بسوق عكاظ التاريخية القديمة حين كان الشعراء يتنافسون فيها بقصائدهم، وسموه هنا، لا يقل مستوى عن هؤلاء الشعراء، فهو يتباهى بما لديه من قدرة على صنع الكلام، وما لديه من ابتكار ودربة، فيحق له أن يتباهى بما لديه، وهذه الثقة العالية بالنفس تجعل السامع يطرب لهذا الشعر، الذي يبلغ مرتبة عالية في الوصف، كما ينم عن قدرة في اختيار الألفاظ، التي لا تأتي جزافا، وإنما هي تعابير منسقة ومختارة بعناية وفيها الكثير من بلاغة القول والاستعارات والتشابيه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"