عادي
رصاصة غدر اخترقت رأسه في مثل هذا اليوم

ناجي العلي فكرة لن تموت وحنظلة يتفقد موتى غزة

04:23 صباحا
قراءة 4 دقائق
الشارقة - محمد أبو عرب:
لم تعد ذكرى رحيل الكاريكاتيري المناضل ناجي العلي تمثل استذكاراً لمنجزه الفني والحالة الإبداعية التي شكّلها، إنما باتت تطرح في كل عام من مثل هذا اليوم أسئلة عريضة يرفض الواقع تقبلها، فتتساءل هل مات ناجي العلي فعلاً؟ وما الذي يعنيه الموت لشخصية سياسية فنية مناضلة مثل العلي؟ وما الذي يجعل من فكرة الموت تتنافى مع هذه القامة الإبداعية الرفيعة؟
ربما نجحت يد بشار سمارة في تصويب الرصاص على رأس العلي، ونجحت في جعل دمه يسيل في وضح نهار لندني، إلا أنها لم تنجح في تصويب الرصاصة على فكرة ناجي العالي، فالعلي منذ أن كرس نفسه للقضية الفلسطينية وأبدع في إنتاج شخصيته الكاريكاتيرية الشهيرة "حنظلة" تحوّل من كائن بشري من لحم ودم، إلى فكرة تنمو في أذهان متابعيه وعشاقه، هو كذلك ناجي العلي فكرة لا تتوقف عن الانتشار، والأفكار لا يمكن أن يرديها كل رصاص الكون، لهذا كله يتجدد السؤال في 22 يوليو من كل عام، هل مات العلي؟ ولهذا أيضاً يصر ناجي العلي على العيش معنا، وتصر رسومه على تلمس ما تمر به الحالة العربية كل يوم، تحوّل العلي من الشاب ذي القامة الرفيعة والملامح الهادئة إلى بضع خطوط ترسم الرجل المنهك الذي يدير ظهره للعالم ويمضي لنضاله، وربما تماهى معه وبات كل منهما يمثل الآخر، وكلاهما صار أيقونة للنضال والحرية والقضية .
ليس مبالغة القول إن شخصية "حنظلة" تشكل واحداً من الرموز التي تختزل الهوية والفلسطينية المناضلة، فهي خرجت من صفحات الجرائد التي عمل بها العلي وتحولت إلى ملصقات، وعلاقات مفاتيح، وأطواق، ورسوم، فتحضر في كل مكان؛ في الشوارع وعلى الجدران، وفي المركبات، والمكاتب، وتعلق في أعناق الشبان والشابات، وتوشم على جلودهم، لتمنح العلي بذلك مزيداً من الحيوات، وتخلده كفكرة لن تموت .
الحديث الذي فتحته رسوم ناجي العلي أثار نقاشاً طويلاً لم يتوقف النقاد والمنظرون حتى اليوم عن الحديث فيه، إذ يبحثون في قدرة أعمال العلي على استشراف المستقبل، وقدرتها على مس قضايا نعيشها اليوم رغم أنه بعضها رسم قبل أربعة عقود، فالمتابع لمشهد الأحداث السياسية الجاري في البلدان العربية يجد أعمال العلي تعيد تقديمها كتشخيص ومعالجة ونقد لاذع وحيّ للحالة السياسية العربية بأكملها .
اليوم والعدو الصهيوني يشن غاراته على غزة، ويسفك الدم الفلسطيني، يحضر العلي بكامل قامته في الحالة الوجدانية للفلسطينيين فتتناقل قنوات التواصل الاجتماعي كاريكاتيره، وترفع المظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني رسموه على يافطات عريضة في مختلف بلدان العالم، لتؤكد حياة العلي، وتؤكد أنه على قيد الحياة، يشاكس وينتقد، ويشعر بكل ما يجري للفلسطينيين والعرب، وكأن حنظة يتفقد موتى وجرحى غزة التي يراد لها الغرق في البحر، على امتداد الجدار العازل ترتسم شخصية حنظلة لتعلن رفضها، وعلى جدران البيوت ترتسم شخصيته لتناضل، في دفاتر الفتية العائدين من المدارس، وفي أعناق الفتيات المحملات بالأمل والحرية، وفي أذهان المناضلين في ساحة المعركة، وعلى أزندة البنادق، وقبعات المتظاهرين في الشوارع .
الكثير من القضايا يمكن فتحها حول أعمال العلي وشخصيته وتماهيه مع رسومه، إلا أن أبرزها تلك التي تفسر سبب النجاح والانتشار الذي حققه مشروعه الكاريكاتيري والنضالي، إذ تنكشف لدى المتمعن في تجربة العلي الكاريكاتيرية أن أعماله حققت شروط الانتشار بأكملها، وظف العلي في رسوماته اللهجة الفلسطينية المحكية ليدخل إلى قلب الشعب الفلسطيني ويشير إلى جرحه بأدواته ذاتها، وكأنه أعاد تقديم الواقع إبداعياً، ودخل في مساحة الكاريكاتير الكوني الذي يصلح ليكون شعارا للقضايا الإنسانية في مختلف بلدان العالم، إضافة إلى أنه فتح أمام متابعيه مساحة على خفايا المشهد السياسي في العديد من البلدان العربية .
استطاع العلي أن ينتج رمزاً في فضاء الكاريكاتيري العربي، إذ أبدع شخصية حنظلة في الكويت عام 1969 حين كان يعمل في جريدة السياسة الكويتية، وقدم فيها صبياً في العاشرة من عمره، أدار ظهره وعقد يديه خلف ظهره في سنوات ما بعد 1973م، فأصبح كما لو أنه توقيع ناجي العلي الذي يستعيض عنه بأحرف أسمه، قال عنه ناجي العلي: "ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة" .
وعن سبب تكتيف يديه قال: "كتفته بعد حرب أكتوبر 1973م لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة" .
إلى جانب هذا الرمز ظهرت العديد من الشخصيات في رسوم العلي، فمنها شخصية المرأة الفلسطينية التي أطلق عليها اسم فاطمة، وشخصية زوجها الذي ظل العلي يسرد من خلالهما يوميات العائلة الفلسطينية ويوصل همها للعالم .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"