عادي
في حوار عبر شاشات قنوات وأثير إذاعات «الشارقة للإعلام»

سلطان: الثقافة زورق إنقاذ العروبة.. ومجاديفه الشعر

04:14 صباحا
قراءة 13 دقيقة
أعده للنشر:أحمد البيرق

أجرى صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، حواراً تلفزيونياً بثّته شاشات قنوات وأثير إذاعات مؤسسة الشارقة للإعلام، ظهر أمس الخميس، وحاوره فيه الإعلامي محمد حسن خلف، المدير العام للمؤسسة، حيث تحدث سموّه، عن إصداراته ومؤلفاته الحديثة، مستعرضاً الدوافع التي قادته لإنتاجها وتأليفها، موضحاً قيمتها الأدبية والفكرية والتاريخية، مشيراً إلى القادم من إصداراته والمواضيع التي تدور حولها.
واستهل سموّه حديثه، عن كتاب: مساجلات شعرية بين الشيخ سلطان بن صقر القاسمي وصديقه الشيخ محمد بن عبد العزيز الصديقي، وقال سموّه: «في بداية حكم الشيخ سلطان بن صقر القاسمي لإمارة الشارقة سنة 1925، وكان قاضي الشارقة، حينها الشيخ سيف بن مجلاد المدفع، خرج من الشارقة، بعد تغير الحكم وذهب إلى أم القيوين، فطلب الشيخ سلطان، من الأمير عبد العزيز بن سعود، في ذلك الوقت، أن يبعث له بقاض للشارقة، موضحاً أن كل قضاة الشارقة من المملكة العربية السعودية، فلما حضر القاضي الشيخ محمد بن فيصل المبارك، أحضر معه مساعدين، من ضمنهم محمد بن عبد العزيز الصديقي، وبقوا في الشارقة. نمى العلم للإنجليز، أن هذا القاضي السعودي ومعه النجديون، يحرضون الشيخ سلطان بن صقر، على أن يأتي بأمير من السعودية لحكم الشارقة، فطلبوا من الشيخ سلطان إبعادهم. فلما أبعد المبارك، أبعد معاونيه معه، ورجعوا إلى نجد».
بيّن سموّه، أن الشيخ سلطان بن صقر، كان له مجلس يتناول مختلف المجالات الأدبية والثقافية والدينية، وعامر بالأدباء والعلماء والشعراء، وكان من مرتادي هذا المجلس، الشيخ محمد بن عبد العزيز الصديقي، وكانوا خلال جلساتهم يرتجلون بعض القصائد، ومنها ما يسمى بالمخمّسة، وهي أن يقول الأول بيتاً ويجاريه الآخر ببيت ثانٍ، وكانوا يجتمعون في الدور العلوي بمجلس الحصن، وكانت بينهم مساجلات. وكان الشيخ سلطان بن صقر، يبعث برسائل فيها قصيدة، فيرد الصديقي عليه، وتتنوع أغراض القصائد.
وأشار سموّه إلى أنه اختار هذه القصائد لجمال التعابير فيها، خاصة أنها بالفصحى، وعمق الألفاظ المختارة يعجز النحويون عنها، وهذا يعكس غزارة ثقافة الشيخ سلطان بن صقر الأدبية، الذي يأتي بكلمات مدلولها أعمق بكثير مما هو ظاهر للقارئ؛ كونها تحتاج إلى قواميس لوعيها وفهمها.
وأكد سموّه أن الشيخ سلطان، ورث عن والده هذه الموهبة الشعرية، حيث كانت للشيخ صقر بن خالد، قصائد جميلة في النصح والتوجيه، والذين كانوا مع سلطان، وأترابه كلهم متعلمون، ومنهم الشيخ أحمد محمد المحمود وآخرون، وكذلك ارتحل إلى الهند أكثر من مرة، ليبقى هناك مدة يجالس العلماء، فهذه كلها شكلت شخصيته الأدبية، ولديه مكتبتان واحدة في الحصن والأخرى في بيته، ولها مواصفات خاصة، حيث كانت مربوطة بغرفة النوم، وسهل أن يدخلها ليلاً، دون المرور بفناء المنزل، فكان المكان هذا مبنياً عليه ومقفلاً.
وقال سموّه إنه خلال عمليات ترميم بيت الشيخ سلطان بن صقر، «قلت إنه يوجد في هذا المكان باب، وأنا أتذكر ذلك، ولما بحثوا وجدوا مكان الباب». ولفت سموّه إلى أن مكتبة المنزل لها ملحق وصعبة التهوية، ولكن الجزء الثاني يحوي لاقطاً هوائياً، ولا يدخلها الضيوف، ولكن تصل إلى مدخل البيت، حيث يلج الضيوف، أما التي في الحصن فمكتبة بخزائنها، وفيها مكتب يجلس عليه، وموجودة حتى اليوم.
وعاد سموّه بذاكرته إلى فترة حكم الشيخ سلطان بن صقر، حيث قال: «كنا صغاراً وكانت الشارقة تزخر بالكثير من الشعراء، وكانت بينهم مساجلات كثيرة، وهي فترة غنية في بداية حياتي، ونحن نشاهد ونسمع قال فلان، وقال فلان، ورد عليه فلان، فكان الجو العام الذي نعيشه جواً ثقافياً أدبياً، وكنت طفلاً أشاهد عمي يقرأ. ولما نشأت كنت لصيقاً بالمدرسين، وأذكر منهم الأستاذ فاضل وهو يقطن بالقرب من منزلنا، والخط الذي ترونني أخطه اليوم تعلمته منه، وعلمني مسك القلم. والشيخ سلطان بن صقر عندما كان يجلس في مكتبته نزوره فيها. والإنسان وهو طفل صغير يرى مَن حوله يمسكون الكتاب يتأثر بهم كثيراً، ويدفعه الفضول لمعرفة ما فيه. وعند وفاة الشيخ سلطان، وخلال الفترة التي استغرقوها في إرسال الجثمان من بريطانيا إلى الشارقة، حيث أخذت نحو 3 أيام، كنا نجلس في ملحق المكتبة، وكان أولاد عمي وإخواني الذين يكبرونني، ينتظرون وصول الجثمان، بينما كنت أنا داخل المكتبة، ومنها بدأت بتسجيل أسماء الكتب وعناوينها ومصادرها التي جُلبت منها، بقصد اقتنائها».
وقال سموّه إن أسباب تدوينه لأسماء الكتب، أنه ذات يوم أخذ كتاباً، ورآه الشيخ سلطان، وقال لي: «هذا الكتاب لا يُقرأ، أعده، وهو كتاب «الحيوان» للجاحظ، ومن ثم عرفت لماذا منَعني من قراءته، لأبدأ بعدها أطلب الكتب حتى صاحب مكتبة المؤيد في البحرين استغرب عندما زرته، وقال لي: أنا أكتب لك أخي في مراسلاتي وأنت صغير، فماذا تريد من هذه الكتب، كنت أقرأ وأنا في سن العاشرة جواهر الأدب والشوقيات، وهي تُثري العقل البشري وتوسع مداركه».
وبيّن سموّه الأسباب التي جعلته أكثر تعلقاً بالأدب والشعر على وجه التحديد. وقال: «إذا كانت العروبة تغرق، فزورق إنقاذها الثقافة، ومجدافه الشعر، ولذلك على قدر اهتمامنا بالثقافة، علينا أن نركز على المجداف الأساسي الذي هو الشعر، موضحاً أن الشعر دخلت عليه أمور كثيرة، وهناك من يعجزون عن كتابة الشعر العمودي فيشوّهونه، ونحن نقول لهم قولوا ما تريدون، لكن لا تصفوه بالشعر، سموّه قطعة أدبية أو نثراً جيداً، لذلك هناك من يرفضه وهناك من يتقبّله، ودخلنا في صراعات لم يكن لها داعٍ، ولذلك الآن نحن نعيد للشعر قيمته ومكانته، نجمعهم مع بعضهم بعضاً، ليقولوا ما يشاؤون، لكن ليس في متاهات الحداثة.
نحن نجحنا في أن نمنح الفرص للكثيرين الذين أخذوا يتوارون أولاً من الإهمال، أو أنهم شباب لم يعتن بهم أحد، نحن في هذا على شقّين؛ نعتني بالشعراء الكبار المعروفين، ونرفع من قيمتهم
ونعطيهم فرصة في المحافل، والشعر لابدّ أن يكون له في المحافل صوت، وبالنسبة للشباب نحن نعيد كتاباتهم مرة أخرى، مع العناية بتصحيح بعض ما كتبوا، ونأخذ كتبهم وننشرها لهم، في الملتقى السنوي الذي درنا به أكثر من عاصمة ومدينة عربية، هذا نمّى الشعر من جديد وأعطى الفرصة لبروز الشعراء الشباب، هذا من ناحية ثقافية تأخذ الأدب، القصة، الرواية، كل هذا نعتني به ونرتقي بهذه الأمة، ليس لنعيدها إلى ما كانت عليه، بل لنرتقي بها إلى أبعد مما كانت عليه، حتى في المسرح، وحفظ التراث، وفوق هذا كله العناية باللغة العربية، وأنتم شاهدتم مجامع للغة العربية المنتشرة في الوطن العربي، والآن وصلت إلى مراحل لها أن تكون هي المؤثرة في القرار اليومي لدى الحكومات، وهذا ما يهمنا».

«رحلة بالغة الأهمية»..المخطوطة الكاملة لكتاب دوارتي باربوزا 1565

بعدها انتقل صاحب السموّ حاكم الشارقة، إلى الحديث عن كتاب: «رحلة بالغة الأهمية» المخطوطة الكاملة لكتاب دوارتي باربوزا 1565، وعاد سموّه بذاكرته إلى أيام دراسته الجامعية في جامعة دورهام البريطانية. وقال: «عندما كنت أدرس في قسم الجغرافيا بجامعة دورهام، وكنت أجمع الكثير من الخرائط وجمعتها في كتاب بهذه الصورة، فيها مجموعة من الخرائط الأصلية، وكيف تطورت، ومن ضمنها خارطة لخطاط جغرافي اسمه قسدالدي، وإذا به يضع مدينة كلباء جنوبي جلفار، وإلى جانب الشارقة، فدرست قسدالي، ومن أين أتى بالمصدر، فوجدت أنه إذا أراد أن يخط خرائطه رجع إلى الرحالة العرب، أو ما كتبوه في كتب رحلاتهم التي تصف الأماكن.
فمثلاً لدينا في كاظمة في الكويت، وكتب ابن الحوقل كتاباً قال فيه، إذا خرجت من كاظمة واتجهت إلى الشمال، ستصل إلى الأبولا، وهي مدينة على شط العرب في الضفة الفارسية وهي معروفة، وهو لم يذكر أنك ستعبر من على مياه شط العرب، فالخطاط الذي هو دالبير، غيّر خرائطه؛ لأنه قرأ كتاب شخص فرنسي يدعى جوج، يعرف العربية وترجم ما قال ابن الحوقل، وقد أتى بأبولا ناحية الشق العراقي من شط العرب، لأن جوج لم يذكر أن هناك عبوراً للشط، لهذه الدرجة يأخذون بالكلام في رسم خرائطهم، وأنا خلال بحثي لقسدالدي، أرى من أين أخذ كلامه ورسم خريطته.
الكتاب الذي بين أيدينا مخطوطة باربوزا الكتاب الكبير، وترجم لأكثر من لغة، حيث إن لغته الأصلية هي البرتغالية القديمة، ثم وضع باللغة البرتغالية الحديثة، وترجم إلى الإنجليزية، وبعدها إلى العربية.
وهذا الكتاب يحوي اللغات الأربع؛ مع المخطوطة القديمة، ولما قرأت ذهبت لأبحث عن مخطوطة باربوزا، فإذا هي مفقودة، وإذا كانت في إيطاليا وهذا قسدالدي في إيطاليا، وصلته مخطوطة نصفها مكتوب بالإيطالي، مضاف إليه. وأنا اهتممت بأن أرى بنفسي النص، وأنا أبحث في كثير من الأماكن، ووقعت في يدي هذه المخطوطة، وهي الأصلية المنقولة من الأصلية، الأصلية 25، وهذه تقريباً 65، لكن الأصلية غير موجودة، لكن نحن نتكلم عن هذه الكاملة، ومكتوبة بخط يحتاج إلى مجهود كبير لقراءاتها، وجدت فيها مكتوباً أو نقل قسدالدي عن هذا، وإذا هو يقول، يعني يمكن أن نقرأ وهو يتكلم عن جلفار، ويقول إلى الخلف منها خورفكان، وهذا صحيح، وكلباء تكون إلى جنوبها الآن؛ لأنك إذ كنت في بر فارس وتنظر إلى جلفار يسوقك إلى كلباء؛ أي إلى جنوبها، لكن هذا الذي قرأ وهو قسدالدي، وضعها رأساً برسمته على الساحل (حيث تقع الشارقة).
والآن فيه استفادة كبيرة بالنسبة لي، ليس لوصف ساحل عمان الذي هو بحر عمان، وكذلك وصف ساحل فارس كله، وأول ما وصل دخل البحر الأحمر، وذهب مباشرة إلى الهند، وغطى ساحل الهند كله وانتقل إلى بلدان أخرى، والعجيب هنا عندما تصل إلى ما بعد الهند والبنجال، ترى ساحل أراكان، حيث يستوطن الروهينجا ولهم ملك ودولة، وهذا إثبات من هذه المخطوطة للقادمين من بورما، أن هذا ليس بلدكم، وبما يقول هذا الرحالة سنة 1525، يعني لهذه الدرجة توصلنا المخطوطة بإثبات عن وصف الساحل. ولكن هذا الشخص ما الذي أتى به، وقد تبحرت في تلك الفترة بعد بوكيرك، بعد أن قتل هنا، بعد قيامه بعدد من المشكلات عام 1507، رحل ثلاثة من الضباط بسفنهم، ورفضوا التعامل معه واشتكوا منه، وصارت ضجة في البرتغال، فقامت أصوات تطالب الملك بأن يحاسب ضباطه، وذلك في عام 1507».
وتابع سموّه: «في عام 1525؛ أي في غضون 18 سنة، سيبرهن على أن هؤلاء الناس الموجودين على الساحل، ليسوا أشراراً، وإنما هم ناس طيبون يتعاملون معنا، لهم لباس ونظام حكم، ووصفه بأوصاف طيبة، حتى يعود ويدافع عنهم، فهذه أيضاً تغدو وسيلة، لكن أتى شخص آخر يسمى كاستن هيدا، جلس في الهند مدة 5-6 سنوات، سجل فيها كل هذا، ولديه كتاب من 10 مجلدات، 8 منها وثقت ما حصل، وما الفِرق التي أتت واحتلت، إلى أن وصل إلى المجلد الثامن، فقده بينما التاسع والعاشر أحرقت.
ويرجع السبب إلى أنه أشار بالاتهام إلى ناس بعينهم، فقام أولادهم بحرق المطبعة بما فيها من الاتهامات. ولديّ في كتاب: الحقد الدفين، اتهام واضح وشديد كتبته وبحثت عن كاستن هيدا، ماذا قال. فالمجلد الثامن لا يوجد فيه شيء، ولكن التاسع والعاشر فيهما كثير، والآن أبحث عن أوراقه التي نسخ منها الكتاب؛ لأن ذلك احترق وسأجده إن شاء الله في بعض المكتبات القديمة، فهذه حكاية أنّ تحقيق مخطوطة أو تتبعها، يعطيك جزءاً من التاريخ والحقيقة».

جلفار ورأس الخيمة

وعن مسمى جلفار ورأس الخيمة، قال سموّه: «جلفار هي رأس الساحل، وهي مستحضرة أرمنية وأهلها يتاجرون (التجارة في الخليج وزعت الموانئ إلى ميناء رئيسي وموانئ توزيع أو فرعية)، فحين نأتي نقول في البحرين، تكون مسؤولية التوزيع في الجزيرة، ونقول ميناء مسقط أو صحار، توزع للداخل، بينما ميناء جلفار يورد إلى هذه المنطقة التي نحن فيها. وحين نأتي للناحية الأخرى من ساحل الخليج، نجد هناك بندر عباس أو بوشهر، ينتقل إلى الميناء الرئيسي، ولذلك هذا المكان كان الذين فيه يسمّون أرمن، ولهم تجارة وأغنياء، والعرب ما كان لهم سلطة في هذا المكان، أما رأس الخيمة، فليست على الساحل، حيث الأرمن، ولذلك في سنة من السنوات وعلى الساحل، اكتشفوا آثاراً ومباني واكتشفوا بيوتاً غطتها التراب والبحر، وفيها أوان وزخارف وذهب ونقود وكنز، وهي التي في الساحل بمنطقة تسمى الندود، وهي أصل جلفار. أما رأس الخيمة فهي في الداخل، حيث منطقة النخيل التي تحيط بها.

خريطة توضح منطقة أذن

الساحل كما ذكرنا كان بيد البرتغاليين المسيطرين على جلفار، والمناطق الأخرى، وخرج القواسم من العراق سنة 1605-1607، فما قصدوا المجيء إلى هنا، بل كانوا يقصدون الساحل الثاني؛ لأنه أغنى، وقد كتبت اتفاقية بين البرتغاليين والسلطة العثمانية؛ لأن البرتغاليين كانوا يساعدون القواسم في الجنوب، والعثمانيون كانوا يحاربونهم، فطلبوا منهم أن يرفعوا أيديهم عن القواسم، وعلى ذلك تم الاتفاق.
فكتبت الاتفاقية أن نخرج من عند العثمانيين، ونذهب إلى البرتغاليين، ولا تلجأ الناس عندهم، لتخوفهم أن ينتهكوا التجارة المؤدية إلى البصرة عبر مياه الخليج، لذلك أول ما أتوا بهم رفضوا، وقالوا نحن نلغي الاتفاقية، واذهبوا إلى أي مكان، فبحث القواسم عن مكان يمكنهم الاستقرار فيه، يحوي ماء وكلأ، ويمكنهم الاتصال من خلاله بالموانئ، فذهبوا إلى منطقة أذن واستقروا فيها، وأخذوا يتواصلون بالبحر عن طريق جزيرة الزعاب (الجزيرة الحمراء)، وكان المكان الذي استقروا فيه سفح الجبل يسمى صير، والصير كلمة عربية (صيرت الفرع حتى أقطف الثمر أي أملته)، والصار هي قمة الجبل، ومنها صير بو نعير، وصير بني ياس؛ لأنها كلها سفوح جبال، فأنا من بعد عرفت بهذه القصة وجدت في إحدى الخرائط مكتوب أمير أذن، ورسمت بها القلعة، وذهبت إلى هناك، وما زالت القلعة قائمة على آثارها، والخرائط والآثار والشعر والرواية، كلها وثائق لمن سيكتب، تستطيع من خلال الخرائط أن تكتشف أموراً كثيرة. ولذلك أنا استدللت على ما ذكرت من الشيخ سيف بن علي بن صالح القاسمي، أمير الصير، على الاتفاقية التي مكتوب عليها. خطَّها بيده الشيخ سيف الذي كان حاكم الصير. والمخطوطة موجودة، وهو من أقام الصلح بين اليعاربة والبرتغاليين، وكتب الصلح بنفسه، فقيل كتبها بخط يده، فهذا ما كان في جلفار أو رأس الخيمة كان في الصير.

إني أدين

وعن كتاب: «إني أدين»، قال صاحب السموّ حاكم الشارقة: «المسلمون في الأندلس لم يعتن بهم أحد، حتى الدول الإسلامية لم تستطع مساعدتهم، حيث ارتكب ملوك إسبانيا في ذلك الوقت، الكثير من المآسي بحقهم من تنصير وقتل، وإعدامات ونفي وتشريد، وهناك اتفاقية بين أبي عبد الله الصغير، آخر ملوك الأندلس. والإسبان يخفون هذه الاتفاقية حتى لا يدانون بنقض ما جاء فيها، وجاء فيها: عدم المساس بالدين، وعدم إجبارهم على أي شيء، وعدم التدخل في الأحكام بينهم، والقضاء، ولا يجبرون على البيع، وأمور أخرى كثيرة وردت بالتفصيل في الكتاب، ولكن أنا قلت الآن أمام الناس، في أسطر كتاب: «إني أدين» من الذي قام بالتنصير؟، وأخذ الشباب والأطفال ونصّرهم، وطرد الآباء والأمهات، وأخذوهم لعوائل أخرى تربيهم على المسيحية، فكل هذه الأمور تتبادر للذهن، لأن هناك من قام بهذا، سواء فئات أو مجموعات».
وأكد سموّه، أنه استطاع الحصول على الوثائق الأصلية والمختومة بختم الملك نفسه، وهي ليست اجتهادات شخصية من قادة الجيش، بل من الملك والملكة الذين يقومون بهذا الدور، وأنا وضعت كتابي عن طريق الإدانة، وهي ليست كالاتهام بشي، والإدانة ثبوت، ولذلك ما ورد في الكتاب ثابت وأنا استطيع أن أقدّمه لأي محكمة الآن، 10 إدانات أستطيع عبرها محاججتهم للحصول على حقوق الأندلس.. أريد أموراً كثيرة، فنحن المسلمون أوضاعنا سيئة، وأنا أنتظر إلى أن تنصلح أحوال المسلمين، ويأتي من بعدي من يطالب بذلك. ووجه سموّه حديثه إلى أصحاب الضمير في إسبانيا أنفسهم، أن ينصفوا المسلمين اليوم، «فقد أخذتم مساجدنا ودعوتموهم للصلاة فيها كل يوم، وكل ما فيها يقول: أنا إرثك يا مسلم.. من النقوش في السقوف، وفي الأرض محاريب، وفي كل شيء.. والجرس يرن فيها، وأنا طالبت أن يعظّم يوم الجمعة كما يعظّم الأحد».
وقال سموّه، إنهم جعلوا من التراث مزارات للسياحة، يجنون منه المال، وهو يضم تراث المسلمين وثقافتهم، ورغم ذلك لا يحترمون ولا يقدّرون، ويمنعون من إقامة المساجد للصلاة.
وبين سموّه أن الإسبان اعتذروا إلى اليهود، وقلت لهم ماذا قدّم لكم اليهود؟ المسلمون هم مَن أقاموا حضارة في الأندلس، ورغم ذلك قتلتم المسلمين فلا بدّ من الرجوع إلى الحق، وسيأتي يوم إن شاء الله من يقرأ هذا الكتاب من أصحاب الضمير الإنساني في إسبانيا ويعرف الحقيقة، فإذا هم أخفوا الاتفاقية التي وقّعها أبو عبد الله الصغير، فأنا حصلت عليها، وهي موجودة ومترجمة بالعربية.

سيرة مدينة

وعن كتاب سيرة مدينة ذكر سموّه، أنه ليس بجديد، فهو صدر العام الماضي بسبعة فصول، وجرت العادة أن يكون لي كتاب أساسي في معرض الشارقة الدولي للكتاب، ولما وصلت إلى الفصل السادس، وحتى أكمل الكتاب وأربط أحداثه بأحداث سرد الذات، ومسافة بعيدة من الزمن وفي المادة المكتوبة. كتبت بعده الفصل السابع والوقت يدركني لقرب انطلاق المعرض، ومهما كتبت فلن أجد المكان المناسب الذي أتوقف فيه وأقفل الكتاب، في الثقافة.. في الشعر، في المسرح، لا بد أن تقفل في الآخر، حتى يبقى القارئ في ذاكرته آخر الكتاب، فوجدت في آخر الفصل السادس، انتصار الشارقة على الإنجليز لأول مرة، الذي هو خطاب الضمان، وأثبتوا على الإنجليز وركّعوهم أن يعطوهم، وختمت بهذا وهي نهاية جميلة.
وبين سموّه، أثناء قراءته للكتاب وجود فراغ زمني بين «سيرة مدينة»، و«سرد الذات»، فأكملت ما يقارب 10 فصول، فأصبح بذلك 17 فصلاً. وتابع سموّه، أن قارئ الكتاب يلحظ فيه كثيراً من الأمور، منها الكتابة الرقيقة، وكذلك في التعامل بين الإنجليز والقواسم.. طبعاً احتاط لهم ليس بشدة.
«سيرة مدينة»، تدور أحداثه بين وفاة الشيخ سلطان بن صقر الأول، وقبيل حكم سلطان بن صقر الثاني، وكانت فترة انقلابات وصراعات، وتنوعت هذه الصراعات بين صراع على الحكم، والصراع الوحدوي.
لكن الفصول التي أضيفت، والخاصة بفترة الحرب العالمية، ولما احتلت ألمانيا باريس، وهي حليفة بريطانيا، ضجت الشارقة وفرحت بانتصار ألمانيا؛ كونها هزمت حليف بريطانيا؛ لأن المرارة موجودة في أنفسهم من المستعمر الذي لم يتوان عن استخدام المدافع.
وقال سموّه، إن الناس كانت تستمع لإذاعة برلين، وصوت الشرق الأوسط، وكان فيها مذيع اسمه منير من أصل شامي، بينما برلين فيها يونس بحري، عراقي سليط اللسان، ومما قاله: الشارقة أعلنت الحرب على ألمانيا، هاتولي الميكرسكوب لأرى الشارقة أين تقع على الخريطة.
ومر الزمان، ولما حكم الشيخ خالد، أتى يونس بحري لزيارته، وكان في المجلس يمدح، وقلت له لماذا تمدح، فأنت قلت كذا وكذا، نعم أتذكر الكلام هذا وأنا طفل ولم أنسه. هذه الفترة كنت في المدرسة القاسمية لها أناشيد نلحّنها تلحيناً محلياً، كقصيدة «حماة الديار»، فكان طابور الصباح يقام بالأناشيد وحتى الشيخ سلطان بن صقر، له قصيدة صدحنا بها في طابور الصباح.
وعن وقائع تاريخية لم تذكر سابقاً قال سموّه: «اليهود استخدموا الشارقة معبراً، لا أحد يذكر ذلك، ولا تذكر الوثائق العربية أن كثيراً ممن دخلوا فلسطين مروا عن طريق الشارقة، من النمسا وألمانيا وبولندا وهولندا وروسيا للصين، ويرجعونهم عن طريق هونج كونج إلى الشارقة، ومن الشارقة وتحديداً من المحطة إلى فلسطين مطار اللد. ولم يكشف سموّه جميع ما في الكتاب حتى يفتح المجال للقارئ».

«القواسم وصراع القوى الأخرى».. إصدار قادم

وعما يعكف عليه سموّه، حالياً في بحثه وكتابته قال: «لم تكتمل موسوعة القواسم، فالكتاب القادم سيضم 3 مجلدات وآمل أن أنجزها، وهو يروي عن القواسم وصراعهم مع القوى الأخرى في فترة من وجودهم في مكة، والعراق، إلى أن وصلوا إلى الساحل هنا. وإذا تمكنت من أن أضع جزءاً واحداً كان به، وإذا أدركني الوقت فسأقفز حتى أكمل ما يكتمل والباقي يلحق، إن شاء الله، لن يأخذ مني وقتاً طويلاً؛ لأني وكأني حافظ ما فيه، وأنا أحفظ أشخاصه وأحداثه بأسمائهم وتواريخهم».
والكتاب سيعطي فرصة لفهم المنطقة ومعرفتها. والقواسم موجودون في هذا المكان قبل اليعاربة 1650، بينما القواسم 1605، فهذا يعطيك صورة كيف كان الأمر قبل اليعاربة، وكيف كان حكم الهرامزة، وكيف كانت المنطقة، وعلى أي صورة هم يوم أتوا، ومن هنا سنسلط الضوء على صراع اليعاربة مع البرتغاليين والقواسم، والقواسم همزة الوصل، والصراع بين فارس واليعاربة، وسيحمل الكتاب عنوان: القواسم وصراع القوى الأخرى.
واختتم سموّه الحوار بقوله: «إذا أنا كنت أكتب في التاريخ، فتجدني أيضاً أكتب في الأدب والمسرح والشعر، كما أنني شغوف بالجغرافيا، وهناك كتابات عدّة قادمة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"