عادي

استعراض لمحاضرة الشيخ محمد بن راشد عن روح الاتحاد

02:15 صباحا
قراءة 16 دقيقة
كانت محاضرة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بالمركز التجاري يوم 1 ديسمبر عن روح الاتحاد رائعة وناجحة بكل المقاييس حيث تحدث فيها عن مفاصل تاريخية في حياة اتحاد الإمارات وسلط الضوء على أحداث عايشها بذاته ربما لم يطلع على تفاصيلها غيره وغير المشاركين فيها، استطاع إجلاءها بمنتهى الدقة والصراحة المطلوبتين، لذلك جاءت محاضرته حميمية وقريبة إلى ذهن الحاضرين إضافة إلى ما اتخذه المحاضر من أسلوب التجول أمام وبين الصفوف وإلقاء بعض القصائد أثناء المحاضرة وبعدها ما أسهم إلى حد بعيد في تحقيق هذا المعنى والمضمون . . كانت محاضرة مهمة ذات فائدة على مجموع الذين حضروها أو الذين شاهدوها على القنوات الفضائية بحيث اعتبرها تسجيلاً دقيقاً لأحداث في غاية الأهمية قبل وفي بداية وأثناء مسيرة الاتحاد .

ما يعطي ذلك التسجيل مزيداً من الأهمية أن المتحدث كان أحد الشهود الذين عاصروا هذه الأحداث موضوع المحاضرة وفي جوانب منها كان ممن قام بها ذاته ومن ذلك استمد مضمون حديثه جانباً من أهميته . . اتسم المحاضر بسهولة العرض وتبسيط الحديث والبعد عن تكرار المعلومات النظرية المستمدة من الكتب والمراجع وإن كان ذلك من الأهمية بمكان . . فقد كان ما حكاه وبسطه نابعاً من معايشته الذاتية للأحداث التي تطرق إليها وروى تفاصيلها بأمانة بالغة وبشيء كبير من الوضوح والصراحة التي ربما كانت في بعض الأحيان مرة وجارحة، لكن المحاضر آثر أن يرويها بالصورة التي طرحها أمام الحاضرين لأنه يشعر بها أمانة تاريخ في عنقه يريد أن يبسطه من دون أن ينقص منه شيئاً أو يزخرف صورته ليظهر في مجمله بشكل ومضمون غير ما كان عليه في حقيقته وقت حدوثه كما يعلمه المحاضر وذلك ما لم يرده الشيخ محمد وإنما ترك لسجيته العنان في أن يخرج كثيراً من تفاصيل النقاط التي يتحدث عنها من دون أن يتدخل في تحوير مضمونها ليناسب ظروف المجاملة التي يقتضيها الموقف أو الاعتبارات أو الأشخاص ذاتهم، لكن المحاضر كان صريحاً إلى غاية بعيدة وهو يتناول تاريخ الوطن الذي أراد أن يحكيه بصراحة ونقل تفاصيله كما حدث وعايشه بنفسه .

لقد كان مجمل حديث المحاضر يدور حول شخصيتين مهمتين كان لهما تأثيرهما الإيجابي والمباشر والقوي على الاتحاد منذ أن كان فكرة إلى أن تحقق كيانه ونهضة إنجازاته وتنميته وذلك بصفتهما أهم شخصيتين في هذا الكيان وإن كان المحاضر لم يتجاهل دور الحكام المؤسسين رحمهم الله في قيام هذا الاتحاد . . كانت المحاضرة تلبي حاجات المطلعين على التاريخ ورغبة الجيل الحاضر في تفهم ومعرفة هذا التاريخ ولم يكن هناك أحد أقدر في أن يوصل هذه المعلومات بالصورة السهلة الميسرة من الشيخ محمد بن راشد بصفته شاهداً على جانب مهم وواسع من تاريخ الوطن يحكي معايشته له بشكل لا مجاملة فيه لظروف واعتبارات سوى نقل الحقيقة وقول الصراحة لأن الأمر يتعلق بتاريخ الوطن ونقله للأجيال .

وقد أشار الشيخ محمد بأن الجيل الحاضر يشكل الشباب فيه نسبة كبيرة أي أنهم كما يذكر ممن ولدوا أثناء الاتحاد ولم يعاصروا مخاضاته وجزءاً من بداياته، لذلك تأتي هذه المحاضرة لتخدم بصورة أكبر هذا الجيل وتكون ذات أهمية وفائدة كبيرة له لأنها تخدمه في أخص ما يحتاج إليه من فكر وثقافة متعلقة بتاريخ وطنه الذي يعيش فيه ويجب عليه أن يتعرف كثيراً من تاريخه، وتفاصيل هذا التاريخ لأن الإنسان لا بد أن يعرف ماضيه الذي أخلص فيه جيل ذلك الماضي قادة وشعباً ونيات وأعمالاً مما كان من شأنه الوصول إلى هذه المرحلة التي نعيشها اليوم . . وليس هذا الجيل منقطعاً في إنجازاته عن الأجيال السابقة التي ربما كانت أدوارها أهم وأصعب .

ومن هنا فلدي بشأن هذه المحاضرة ثلاثة اقتراحات مهمة ذات فائدة في مجال تفعيل دور هذه المحاضرة في المجتمع وخاصة لدى جيل الشباب . . أولاً : أن يتم تفريغ وطبع المحاضرة في كتاب يوزع على نطاق واسع، ليستفيد منها قطاع أكبر من شرائح المجتمع . . ثانياً: أن تطبع على أقراص سي دي وتوزع أيضاً على مساحة أوسع وأكبر ليتسنى لمن أراد أن يسمعها أن تكون لديه نسخة منها . . ثالثاً: أن توزع هذه الأقراص على المدارس الثانوية بصورة أخص وأن تحدد حصة من الحصص الدراسية في كل مدرسة بحيث يجمع الطلبة في قاعة أو مسرح المدرسة، ليستمعوا لهذه المحاضرة وتكون موضوع حوار بين الطلبة وأساتذتهم لكون الطلبة من أهم قطاعات المجتمع ومن أهم متطلباتهم معرفة تفاصيل تاريخ وطنهم ورجالاتهم في مثل ما طرحه الشيخ محمد في محاضرته من نقاط تاريخية مهمة تثري عقول الحاضرين والمشاهدين بكثير من المعلومات الموثقة . . علماً بأن أكثر الطلبة أو قل أكثر الجيل بعيدون عن تاريخ وطنهم إلا من بعض معلومات قليلة لا تشفي غليلاً في هذا الجانب ومن هذا المنطلق فإن من واجب المناهج الوطنية تغذية عقول أبناء الجيل بهذا التاريخ بشكل تدريجي، بحيث يتخرج الطالب من الثانوية العامة وهو على حصيلة ثمينة من تاريخ وطنه، ويكمل ذلك المتبقي من التاريخ في التعليم العالي بشكل أكثر دقة وتفصيلاً ومساحة بحيث لا يبقى خريج من الجامعة إلا وهو على علم تام بهذا التاريخ قديماً وحديثاً فبهذه الصورة نستطيع أن نغذي عقول الجيل بكثير من معلومات وتفاصيل تاريخ وطنه ليكون قريباً منه ذاتاً وعلماً ووجداناً وذلك من الأهمية بمكان .

لم يرد الشيخ محمد أن يدخل بداية إلى صلب محاضرته وإنما قبل ذلك هيأ ذهن الحاضرين وشحن همهم لمحاضرته وتلقي ما فيها من معلومات تاريخية فبدأ أولاً بالحديث عن دور الآباء والأجداد على هذه الأرض في تحدي مظاهر الطبيعة القاسية من أجل الوصول إلى لقمة العيش وسد الرمق حيث إنهم كما ذكر يصحون في كل صباح على وقع هذا التحدي الصعب بعكس سكان المدن أو الذين يعيشون على ضفاف الأنهار حيث استقرت حياتهم على نمط من الاستمرار المعيشي الذي يضمن لهم الوصول إلى عيشهم بيسر وسهولة فاختفى من ساحتهم ذلك التحدي الذي يواجهه سكان البادية كل يوم والذي تميزوا به وولّد لديهم الإصرار والإرادة والتصميم على التغلب على قسوة الحياة ومحافظتهم على وجودهم في أرضهم من دون أن يتخلوا عنها لتبقى خالصة لأجيالهم . . وقد تعمّد المحاضر أن يذكر ذلك لرفع نبض الوطنية والانتماء في النفوس وما يوحيه ذلك لهم بأنهم من أصلاب أولئك الرجال الذين جاهدوا الطبيعة في ليوا طويلاً ليورثوا هذا الخير النابع الآن من باطن الأرض والتنمية الضاربة في كل ركن إلى أجيالهم اللاحقة فيما يعنيه ذلك من بصمة وراثية تتناقلها الأجيال في مسيرتها جيلاً بعد جيل .

كما أشار بأن الأجيال السابقة اكتسبت بصمتها الوراثية في التحدي والتصميم من أجيالها القديمة من أبناء الجزيرة العربية الذين نقلوا الإسلام ونشروه في أصقاع الأرض قاطبة . . ويتخذ الشيخ محمد من هذه البصمة الوراثية المتمثلة في الإرادة والتصميم والتحدي الذي تميزت به أجيالنا السابقة مدخلاً موفقاً إلى حد كبير ليكون ذلك المدخل منطلقاً نحو معلومات هذه المحاضرة التي أحدثت حراكاً ثقافياً إذ أصبحت حديث الناس سواء كانوا حاضرين أو مشاهدين لها على القنوات الفضائية .

ورغم أن الشيخ محمد لم يعرف بكونه محاضراً سوى ما استمعنا منه إلى محاضرة في الإدارة في وقت سابق، لكنه رغم ذلك ظهر كمحاضر راق برزت قدراته وإمكاناته الذاتية والثقافية المكتسبة في مثل حديثه الشيق والبسيط والمفعم بكثير من زخم المعلومات دون بيانات وصور معدّة سلفاً كما ذكر ذلك المحاضر نفسه، وإنما انطلق مع ذكرياته من فيض ذاكرته وما تختزنه من معلومات وذلك ما أعطى المحاضرة حيوية وتفاعلاً مع الحاضرين . . وسرت المحاضرة بعد نشرها في المحطات الفضائية مسارات جميلة في كثير من البيوت واستمع إليها عدد غفير من المواطنين وغيرهم، ووجدت كثيراً ممن أثنى عليها . . وقد وجدتها من أبرز فعاليات الاحتفال الأربعيني بيوم الاتحاد الوطني، لكونها تصب في صلب ومضمون هذا الاحتفال وذلك من خلال التركيز على الجانب التثقيفي فيه وتوثيق معلوماته للأجيال .

ومن أخص ما أدلى به الشيخ محمد بن راشد من معلومات في محاضرته ما يخص بداية التقاء نسب عائلتي آل نهيان وآل مكتوم وتسلسل هذا النسب إلى وقتنا الحاضر وذلك ما كان مجهولاً لكثير من أبناء الجيل حيث بدأت تلك العلاقة منذ تزوج الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان من الشيخة حصة بنت مكتوم بن بطي آل مكتوم مؤسس حكم آل مكتوم في دبي عام 1833 م وأنجب منها صقر بن زايد، أما صقر فأنجب حصة التي تزوجها الشيخ محمد بن خليفة بن زايد آل نهيان وأنجب منها ابنته حصة التي تزوجها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأنجب منها الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة حفظه الله . . كما ذكر الشيخ محمد نسبه الخاص به من ناحية والدته رحمها الله لطيفة بنت حمدان بن زايد بن خليفة آل نهيان الذي حكم أبوظبي من عام 1912 م إلى عام 1922م .

وفي هذه الإشارات النسبية التي أوردها الشيخ محمد ما يكشف ويؤكد عمق العلاقة بين العائلتين تاريخياً منذ بداية حكم آل مكتوم لدبي وفي ذلك ما يفسر سرّ التفاهم الحادث بين الشيخ زايد والشيخ راشد قبل قيام الاتحاد وخاصة في مثل ما طرح بينهما في وقت مبكر من مسألة اتحاد الإمارتين عام 1968م . . وفيه أيضاً ما يبين مدى عمق ومتانة العلاقة والتفاهم بين الشيخ خليفة بن زايد والشيخ محمد بن راشد في كثير من الرؤى والمواقف وذلك ما يعود بنفعه وفائدته في مثل جانبه على شعب الإمارات عموماً الذي يشعر بنتائج هذا التقارب والتفاهم بينهما . . وهذه لاشك من المعلومات الجديدة والمهمة التي يحتاج أبناء الجيل إلى معرفتها وربما لم تكن متوافرة إلا عند بعض مؤرخي وموثقي النسب المحلي وهم قلة في هذا المجال وقد تسنى للشيخ محمد أن يكشف عن هذه المعلومة النسبية المهمة في محاضرته .

ومن أهم ما ذكره الشيخ محمد في محاضرته تصحيح بعض المعلومات التاريخية التي ذكرت في الكتب والمراجع عن الاتحاد ولدى كل من روى ذلك وهو موضوع الاجتماع الذي حدث بين الشيخ زايد والشيخ راشد الذي كان في منطقة السميح أثناء مشاوراتهما لتوقيع الاتحاد الثنائي بينهما في فبراير عام 1968م . . فالمحاضر يذكر بأنه أصغر مشارك في ذلك الاجتماع الذي لم يتعد ثلاثة من جانب الشيخ زايد وثلاثة من جانب الشيخ راشد وكان المحاضر يصب القهوة عليهم عندما ينادون بها . . ويشير بأنهم وصلوا إلى منطقة السميح، ثم توجهوا جنوباً إلى منطقة هادئة تعرف بعرقوب السديرة ونصبت خيمتان صغيرتان الشمالية للشيخ زايد والشيخ راشد والثانية لإعداد طعام الغداء لهذا الاجتماع .

وعلّل على عدم صحة عقد الاجتماع في السميح بأن السميح تقع على شارع عام موصل بين أبوظبي ودبي وكان هذا الشارع وقتها يعج بالحركة والنشاط نظراً لما تمر به أبوظبي من تنمية بعد تولي الشيخ زايد حكمها فلا يقبل من وجهة تعليله أن يكون السميح بإزعاج سياراته وشاحناته العابرة وبغبار شارعه مكاناً لعقد الاجتماع الذي يحتاج إلى شيء كبير من الهدوء والسكينة ليتسنى للقائدين التباحث وتبادل وجهات النظر بينهما بعيداً عن كل إزعاج .

ويذكر الشيخ محمد بأنه سمع في نهاية الاجتماع بينهما الشيخ زايد يقول للشيخ راشد رحمهما الله اتفقنا ويرد عليه الشيخ راشد وأنت الرئيس لهذا الاتحاد وتصافحا على ذلك الاتفاق . . وهذا مما انفرد به المحاضر عن كل ما كتب في هذا الأمر ولا شك أن جانب الشيخ محمد أقوى في الأخذ به والاعتماد عليه من غيره من الروايات التي أصبحت وكأنها مؤكدة في مسألة تحديد السميح مكاناً للاجتماع وأعتقد أنه حان الوقت من الآن لتصحيح هذه المعلومة طبق ما ذكره الشيخ محمد .

ويتناول المحاضر في سرده موضوعاً أعتقد أنه جديد لم يتسن له أن يظهر قبل هذا اليوم وهو أنه أثناء المشاورات التساعية للاتحاد خرج عليهم أحد حكام الخليج باقتراح كان موضع استغراب وصفه الشيخ محمد بأنه صفعة للمشاورات وهو أن يقسم الاتحاد إلى قسمين ولاة ويسمون بإمارات الخليج العربي وآخر يضم أبوظبي ودبي وقطر والبحرين ويسمون دولة الإمارات العربية المتحدة وأن يمثل الولاة أحدهم في دولة الإمارات . . لكن الشيخ زايد والشيخ راشد رحمهما الله وبقية الحكام رفضوا هذا الاقتراح جملة وتفصيلاً لأنه ليس من شأنه خدمة مستقبل المنطقة بالصورة التي كان يسعى إليها حكّام الإمارات جميعاً في وجوب اتحادهم مع بعضهم واندماجهم في دولة واحدة لا فرق بين حاكم وآخر وإمارة وأخرى مثلما تحقق فيما بعد في ظل دولة الإمارات العربية المتحدة برئاسة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله .

وموضوع آخر مهم تضمنته المحاضرة وهو ما أطلق عليه المحاضر حافة الهاوية وهو كما سمّاه أيضاً الانقلاب في إمارة الشارقة خاصة وأن هذه المحاولة جاءت فور الإعلان عن كيان الاتحاد الذي لا يزال طفلاً لكنه كما ذكره ولد عملاقاً وتوجه المحاضر بصفته وزير دفاع الاتحاد إلى الشارقة مع فرقة بسيطة على قلة وضبابية من المعلومات ولا يزال الوضع بالنسبة له إلى تلك اللحظة مجهولاً لا يعرف ما هي هذه القوة التي دخلت القصر وعددها وانتماؤها وشخصياتها ورئيسها وماذا حدث لحاكم الشارقة وقتها .

وكانت مكالمات الشيخ زايد الهاتفية متواصلة مع الشيخ محمد ويذكر الشيخ محمد أنه اتصل هاتفياً بمجلس القصر المحتل فرد عليه أحدهم الذي أبان عن نفسه بأنه أحد حرس الشيخ صقر بن سلطان القاسمي عندها تأكّد الشيخ محمد بأن القوة التي دخلت القصر وهاجمته جاءت من الخارج وتتبع آثار السيارات فوجدها من ناحية الشرق وهنا اتضحت له بعض المعلومات المهمة عن هذا الموضوع الذي هو بصدده، لكن هناك معلومات مهمة وخطيرة لا تزال مجهولة ومبهمة بالنسبة له وأهمها أنه كان يريد أن يعرف حجم القوة التي في القصر وحجم الأسلحة التي عندها وعن المدد الذي سوف يأتي من الخارج وحجمه وإمكاناته . . وفي اتصال هاتفي مع الشيخ زايد طلب منه أن ينهي موضوع الانقلاب بأسرع وقت حتى لا تتطور الأوضاع . . ويذكر الشيخ محمد هنا بأنه تسرّع في تلك اللحظة من دون أن يحسب حساباً لخطورة اللحظة التي يمكن أن يتعرض لها والتي قد تكون جسيمة، لكنه كما يقول بأنه شاب وخريج حديث أقدم على ذلك مستعجلاً فاتصل بالشيخ صقر وأعطاه خمسة دقائق إما أن يخرج أو يدخل عليه . . فسأله الشيخ صقر ما هي الضمانات فرد عليه الشيخ محمد في حالة سلامة الشيخ خالد فإنه على ضمانته سيرسله هو وجماعته على متن طائرة إلى أي بلد يريدها، أما إن أصاب الشيخ خالد ضرر فإنه سوف يأمن له مكاناً حتى يتخذ رئيس الدولة رأيه فيه . . ومباشرة دخل إلى داخل القصر مع بعض أفراد قوته متلثماً فوجد الشيخ صقر وابنه وجماعته في حوش القصر . . وجاء في حديث المحاضر أنه اقترب من الشيخ صقر واحتك به جسدياً فسأله من أنت من دون أن يعرفه فرد عليه أنا الشيخ محمد فرد عليه ونعم . . وربما كان يقصد من الاستعجال أنه دخل القصر دون أن يدري ماذا يخبئ صقر وجماعته في ثيابهم من أسلحة ربما تعرّضه للخطر المباشر ولكن الله سلم . . طلب الشيخ محمد من الشيخ صقر أن يركب مع ولده في السيارة ليأخذه إلى مكان آمن حتى يرى رئيس الدولة فيه رأيه فطاوعه وركب . . وأركب كثيراً من الباقين في سيارات أخرى وأوصلهم إلى بيوتهم وعندما عاتبه رئيس الدولة، رحمه الله، على ذلك قال له في الصباح لو أردت سيكونون عندك فهؤلاء مغرر بهم لمصالح بسيطة ونحن نعرف أمكنتهم . . واتضحت من ذلك كثير من المعلومات للشيخ محمد بكنه هذا الانقلاب والبلد التي جاء منها الشيخ صقر والدعم الذي حصل عليه من الداخل والخارج وذلك بعد أن أنهى هذه المحاولة في وقت قصير جداً بشيء كبير من الشجاعة التي يسميها استعجالاً .

وقد أشار الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة إلى هذا الموضوع في كتابه (حديث الذاكرة) وأثنى فيه على قدرة الشيخ محمد ثناء بالغاً بصفته الذي قام بإنهاء هذه المحاولة سريعاً ونقل تصريح الشيخ محمد كاملاً في كتابه والذي كان يذكر فيه بأن الأمن والأمان في الدولة مستتب ومن يحاول أن يمس ذلك فلن يتم التهاون معه . . وكان هذا أول اختبار صعب وحاسم للشيخ محمد في بداية الاتحاد والذي استطاع أن يؤدي دوره فيه بنجاح وأسهم بهذا الذي قام به في الحفاظ على كيان الاتحاد الوليد لأن ما حدث في الشارقة كان حدثاً خطيراً يمكن أن تكون له آثار سلبية لولا القضاء عليه في مهده من قبل الشيخ محمد .

وضمن ما تعرّض له المحاضر في محاضرته أن الاتحاد مر قبل بدايته بأزمات كادت تؤدي بفكرته منها المستعمر الإنجليزي الذي كان غير سعيد بهذه الأفكار الوحدوية فقد كان الإنجليز يسعون في إجهاض هذا الحلم الذي كان يراود ذهن الشيخ زايد والشيخ راشد والحكام وذلك بتصرفاتهم التي تنم عن كره الإنجليز لأي تقارب عملي من هذا النوع فيذكر بأن الحكام كان يضمهم مجلس حكام الإمارات المتصالحة الذي أسسه الانجليز وكان الحكام يجتمعون مراراً حتى أن المحاضر عدّد 18 اجتماعاً حضرها معهم لكنها كانت من دون تحقيق أي جدوى وفائدة من وراء هذه الاجتماعات والسبب كما يذكر هيمنة الإنجليز على هذا المجلس حتى إن جدول الأعمال كان يعد من قبل الممثل الإنجليزي بمعنى أنه ما دام المجلس تحت الوصاية البريطانية فإنه لا جدوى ينتظر من وراء اجتماعاته .

ومما يذكره أنه بعدما تولى الشيخ زايد حكم أبوظبي وجد أن هناك حاجة لشراء سلاح لأبوظبي وبعد شراء هذا السلاح من بريطانيا التي جاءت به وخزنته في القاعدة الإنجليزية في الشارقة وكان الشيخ زايد يطالب مراراً بتسليم ما اشتراه من أسلحة، ويأتيه كل مرة الرد بأن الشيخ راشد يعارض هذا التسليم فلما سأل زايد راشد عن ذلك وأنهما يمكنهما أن يتقاسما السلاح معاً نفى راشد ذلك الأمر جملة وتفصيلاً . . فانظر كيف كان الإنجليز يخططون لبث الفرقة وأسباب عدم التوافق بين حكام الإمارات ولو ترك الإنجليز المنطقة وشأنها لاختار حكامها وشعبها تحقيق الاتحاد بينهم قبل ذلك بمدة طويلة ولقد حاول الشيخ زايد بن خليفة الكبير ذلك وكاد ينجح في محاولته لولا تدخل الإنجليز وإجهاض مشروعه . . لقد كان الإنجليز العقبة الكؤود أمام اتحاد شعب الإمارات وحكامها حتى إنه عند انسحاب الإنجليز من الإمارات تشكل كيان اتحاد الإمارات فوراً .

ويشير الشيخ محمد في محاضرته أنه بعد أن تشكل الاتحاد وتولى حقيبة وزارة الدفاع طلب منه الإنجليز عدم التصرف في مسائل شراء السلاح لعدم خبرته في هذا الجانب، ولذلك عينوا له مستشاراً إنجليزياً تكون مهمته مساعدته في هذا الجانب ولم يقل لهم الشيخ محمد شيئاً حينها وداوم المستشار في مكتب له بوزارة الدفاع، لكن الشيخ محمد الوطني القومي العربي الذي لم يكد يصدق أنه تخلص من الاستعمار يقبل بأن يكون هذا الإنجليزي وصياً عليه في مهمة من أهم اختصاصاته الوطنية وهي شراء السلاح . . فرتب الشيخ محمد صفاً من جنود الحراسة على باب مكتب المستشار يؤدون له التحية كلما دخل أو خرج من مكتبه وربما أعجبه هذا التكريم لكن ذلك كان يحمل في مضمونه أمراً آخر وهو منع أية ورقة تدخل عليه وبعد فترة بسيطة طلب منه الشيخ محمد المغادرة وتخلص منه إلى الأبد .

لقد تحدث المحاضر في محاضرته عن مرحلتين الأولى قبل الاتحاد حيث صعوبة العيش وشدة الظروف وعدم وجود أدنى الوسائل الحديثة لتيسير حياة الناس بدءاً من أصغر الأشياء فضلاً عن أكبرها حتى أن الشيخ محمد كان يحلم بوجود شوارع في بلده، ووجود وزارات وغيرها، وشملت المحاضرة ما تحقق بعد الاتحاد من نهضة وتنمية شملت جميع ميادين الحياة ومجالاتها .

وختاماً هذا استعراض وتحليل لبعض ما ورد في محاضرة الشيخ محمد بن راشد (روح الاتحاد) من معلومات وأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك خدمة للثقافة والقرّاء .

* مستشار صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي للشؤون الثقافية والإنسانية

وثقها المكتب الإعلامي لحكومة دبي في كتاب

المحاضرة توثق لأهم مراحل قيام الاتحاد

دبي - الخليج:

انطلاقاً من الأهمية التاريخية لمحاضرة روح الاتحاد التي ألقاها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بمناسبة اليوم الوطني الأربعين، أصدر المكتب الإعلامي لحكومة دبي، كتاباً يوثق المحاضرة كأهم مرجع تاريخي يتعرض لمحطات مهمة ووقائع حاسمة في المراحل الأولى لقيام الاتحاد .

وتعود أهمية هذا المرجع إلى معاصرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للتطورات والملابسات التي صاحبت تلك الفترة، ولمعايشة سموه لتلك الأحداث عن كثب، حيث تعتبر شهادة سموه للتاريخ أول وثيقة تكشف عن أدق تفاصيل الفترة التي شهدت ميلاد الاتحاد، وتضع بين أيادي الباحثين سجلاً يوثق ما واكبها من خلفيات مهدت لتلك اللحظات الحاسمة من تاريخ المنطقة، كما أن الكتاب يمثل رافداً معرفياً للأجيال المقبلة، يستمدون منه ذاكرة واضحة لا يشوبها الخطأ حول ماضيهم وجذورهم، ويكتسبون منه دروساً مستفادة، تكون لهم حافزاً نحو مزيد من التقدم والرقي أسوة بالأجداد بكل ما قدموه من حب للوطن وتفانٍ في خدمته .

ويمتاز الكتاب بغزارة المعلومات التي حملتها المحاضرة، لتميط بمعرفة العالم ببواطن الأمور، الغموض عن وقائع فاصلة في مرحلة التكوين الأولى، ولتتجلى معها حقائق تاريخية مهمة في سياق من الوضوح والشفافية المعهودين لرجل كان شريكاً في صنع الأحداث، وشاهداً على تشكل كيان الاتحاد وراوياً أميناً في طرحه، وتناوله للكثير من التحديات التي جابهت جيل المؤسسين، وحجرات العثرة التي وقفت في طريق دولة الحلم ليعيد سموه بهذه الشهادة العميقة المعنى والرفيعة المغزى صياغة تفاصيل صفحات مجيدة في تاريخ البلاد .

ويعد الكتاب أول إصدار يوثق لشهادة تاريخية تسرد جانباً ملحمياً مهماً من تاريخ دولتنا حيث حملت محاضرة روح الاتحاد العديد من الدروس المستفادة التي حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على مشاركتها مع حشد من أبنائه وبناته الشباب، لتكون عبرة وزاداً لهم في رحلتهم إلى المستقبل، ودرساً وافياً ونافعاً يعاونهم على بلورة فهمهم للقيم العربية الأصيلة التي جسدها الأجداد في فترات تاريخية مختلفة، ويطلعهم على ملامح الواقع المحلي والإقليمي الذي سبق مرحلة تأسيس الدولة .

ومع اشتماله على النص الكامل للمحاضرة، يتضمن الكتاب ذكريات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن المغفور لهما بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأخيه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وما كان من ملازمة سموه لهما خلال اجتماعات ومشاورات تأسيس الاتحاد، مصححاً بعض المعلومات التاريخية المهمة، ومنها على سبيل المثال المكان الذي عقد فيه أول اجتماع لمناقشة فكرة الاتحاد بين الشيخين، طيب الله ثراهما، واللذان أرجع سموه لهما الفضل الأول في قيام الاتحاد لحكمتهما وبعد نظريهما، والرابطة القوية التي جمعت بينهما، فكانت بمثابة القاعدة الصلبة التي تأسس عليها صرح الإمارات . ويتناول الكتاب ما أورده سموه في حديثه من نماذج رائعة قدمها أهل الإمارات في التصدي لمحاولات الغزو الأجنبي، وما قام به قادتهم من جهد لقهر المحاولات التي استهدفت تقويض فكرة الاتحاد مع بزوغ ضيائها الأول، ورمت إلى وأد جهود لم الشمل في مهدها، والحكمة التي عالج بها مؤسسا الاتحاد ما جابههما من تعقيدات وصعوبات، كانت بمثابة المحك الحقيقي لاختبار المعدن الأصيل لفرسان تلك الحقبة التاريخية المشحونة بالأحداث .

وتضع هذه الوثيقة التاريخية في متناول الأجيال الجديدة لمحات من أهم المراحل التي عاشها أجدادهم، حيث حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن يوضح للشباب ضمن محاضرة روح الاتحاد مدى الجهد والمثابرة والإصرار الذي تحلى به الأجداد في سبيل رفعة البلاد وصون ترابها، لتكون عبرة للشباب في العطاء وبذل الغالي والنفيس في خدمة الوطن، والذود عن مقدراته، والعمل على الحفاظ على مكتسباته وإنجازاته العملاقة التي أصبحت اليوم محور حديث العالم وموضع احترامه وتقديره .

كما يتضمن الكتاب ثلاث قصائد لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بما في ذلك قصيدة عزم الشباب، التي افتتح بها سموه محاضرته، مرحباً بالحضور من الشباب الذين وصفهم بأنهم أهم إنجازات الدولة، وعماد مستقبلها، وقصيدتا الشعب والقايد ومطاليب اللتان كانتا بمثابة مسك الختام للمحاضرة التاريخية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"