عادي
صدر عن منشورات القاسمي

«إمضاء».. كتاب مرايا الإنسان

04:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
الشارقة: يوسف أبولوز

يضعك كتاب «إمضاء» بتوقيع «س.ص» من إصدارات منشورات القاسمي أمام ثنائية الاسم المستعار، والاسم الحقيقي، غير أن مثل هذه الإشكالية تنتفي تماماً إذا عرفنا أن «س.ص» هما حرفان لاسم حقيقي، وتنتفي أيضاً إشكالية في ما إذا كان هذا التوقيع «س.ص» يحيل إلى قلم مذكر أم إلى قلم مؤنث، فهو توقيع امرأة يكشف عنها النص عندما تقول بصيغة المؤنث: «لا أملك روحي، ولا أملك حياتي، لكنني المسؤولة عن القرارات التي اتخذها في حياتي.. كل ما في الدنيا هو مجرّد استعارة، كالقلم الذي نستعيره لنجيب به على ورقة الامتحان»، وفي مكان آخر تقول «عندما جلست وحدها سألت نفسها ماذا حصل لي، تراجع الأحداث التي قادتها إلى هنا، إلى أن، وترى التطور الزمني لروحها ولتفكيرها الذي تغيّر على مرّ السنين».
أما الإهداء فهو يشير مباشرة إلى روح كاتبة مركز الكون بالنسبة إليها هي أمّها تقول في الإهداء: «يقولون بأن س.ص. كأنّها معادلة رياضيات، أو، إحداثيات مسألة ما.. لكنني مجرّد ناتج.. مجرّد محصول ما زرعته أمّي.. وكفاح أمّي.. وتدريس أمّي، وتربية أمّي، وسنين أمّي».
من المهم أن نبدأ قراءة هذا الكتاب التأملي، الروحي، والتصوّفي أيضاً من خلال هذا المدخل، فكما أن عنوان الكتاب هو عتبة للنصّ، فالمؤلف هو أيضاً عتبة ثانية للنصّ، والمؤلفة «س.ص» اختارت «إمضاء» عنواناً لكتابها المقطعي هذا «من مقاطع أو تقطيعات» لتدمج على نحو شفاف بين الإمضاء والتوقيع، أو بين العنوان، وبين اسم المؤلف، ونضيف إلى كل ذلك مشهدية إخراج الغلاف الذي جاء أبيض كاملاً بلا صورة وبلا أي تدخل فنّي خارجي، وفي النصف الأول من هذا البياض المريح للنفس والعين يأتي العنوان «إمضاء» والتوقيع «س.ص» باللون الأسود، وتتواصل ثنائية الأبيض والأسود عبر كل صفحات الكتاب وهي 197 صفحة، وستحمل رمزية الشيء ونقيضه، أو الفكرة ونقيضها..
كتاب «إمضاء» فيه أكثر من كتاب، إنه في البداية كتاب تنفس«.. الكتابة بوصفها تنفساً»، إنه أيضاً كتاب شهيق وزفير.. الكتابة «الرئوية» = من رئة = إن جازت العبارة، وهي أيضاً الكتابة القلبانية والروحية والعقلية والنفسية، غير أن «س.ص» تربط روحياً وجسدياً بين التنفس وفعل الكتابة.. تقول: «.. تنفس بعمق، تنفس بامتنان، تنفس بسعادة.. دع الأحزان ترحل فقلبك ليس مقبرة للأحزان.. تنفس بعمق وتخيل كل الأمور التي تقلقك تخرج مع الزفير..».
لا شعورياً، وأنا أقرأ في هذا الكتاب الطمأنيني، الهدوئي، الخشوعي.. رحت أمزج بين القراءة والتنفس.. قراءة وشهيق وزفير، ثم قراءة واسترخاء، ثم قراءة وتأمّل، وتفكّر.
«إمضاء» أيضاً كتاب تسامح.. القيمة العظيمة التي تسكن في قلب الإنسان.. التسامح الذي يُحيل إلى القوّة.. «.. ليس ضعفاً أو هشاشة شخصية عندما تسامح..».
«إمضاء» أيضاً، كتاب الحكمة أو كتاب للحكمة.. «.. لا تلعن، فتسود حولك اللعنات، ولا تتذمّر فترحل عنك البركات..»، وهو كتاب الإيجابية التي إذا عدمها الإنسان يغرق في النقيض المهلك أي السلبية، تقول «.. لا تجعل قلبك أرشيفاً للذكريات السلبية..»، وتقول أيضاً «.. إفراد جناحي عقلك، وطر عن جنبات السلبية..».
«إمضاء» كتاب للحياة، الإيجابي فيها دائماً، والإنساني فيها دائماً بعيداً عن التوتر والتعصّب والانكفاء على الذات، وهو أيضاً كتاب الإرادة القوية الجديرة بالإنسان الذي يعرف قيمة نفسه ويحترم هذه النفس.. «.. فشلت؟، ابدأ من الصفر. فشلت مرة أخرى؟ ابدأ من الصفر.. الصفر كان بداية العظماء، وقيمة عزيمة اليائسين..»، وتقول في مكان آخر.. «.. في لهجتنا المحلية في الإمارات نقول معبّرين عن الناقدين المحبطين، ومحطّمي الآمال «كسرت مياديفه».. إذا تحطّم المجداف.. استخدم ذراعيك..» وتتساءل في مكان آخر.. «.. هل يوجد مخلوق يستطيع أن يكسرك بعد أن أعدت تجميع قلبك قطعة قطعة؟».
كتاب «إمضاء» يرسم خريطة طريق إلى معنى الطيبة التي تسكن أيضاً في القلب، وتتغذى على معنى الرّوح، وهو كتاب رحمة وطهر وفطرة.. «.. يتمنى الإنسان عندما يكبر أن يعود طفلاً بريئاً طاهراً نقياً.. يشتاق القلب أن يعود إلى الفطرة..».
«إمضاء» كتاب مرايا.. مرايا متقابلة أو متعامدة أو متقاطعة، كتاب فيه الحكمة، وفيه اللغة الطفولية البارعة المحتفية بالإنسان وروحه وبراءته وطفوليته بكل هدوء، وبكل ذهاب إنساني حميم نحو قلب الإنسان، وروحه، وعقله، وفي ذروة أخلاقياته البيضاء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"