عادي

كارل ماركس يزدري «الأيديولوجيا»

03:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

يرصد كتاب «أندرو فينسينت» وعنوانه: «الأيديولوجيات السياسية الحديثة» تاريخ «الأيديولوجيا»، والذي يعود إلى عهد الثورة الفرنسية في تسعينات القرن الثامن عشر، وعلى سبيل الإيجاز سيجري تقسيم هذا التاريخ على عدد من المراحل التي خلقت معاني مختلفة.

يبدأ النقاش بنقطة البداية عن الفيلسوف الفرنسي «أنطوان ديستوت دي تراسي» في تسعينات القرن الثامن عشر، وانتقلت الكلمة إلى استعمال «كارل ماركس» في أربعينات القرن التاسع عشر، وإلى التراث الماركسي في بداية القرن العشرين، ثم يتحول النقاش بعد ذلك إلى استعمالات هذا التعبير في حركة «نهاية الأيديولوجيا» في خمسينات القرن العشرين.

كان «أنطوان ديستوت دي تراسي» قد نحت لفظة أيديولوجيا في البداية بين عامي 1796 و1798 في أوراق قرئت في حلقات أمام المعهد الوطني في باريس، ويمكن تمييز أربعة استعمالات لهذه اللفظة.

أولاً: كان هناك الاستعمال الصريح الأصلي عند تراسي لتسمية علم تجريبي جديد عن الأفكار.

ثانياً: انتهت اللفظة إلى أن تعني الانتساب إلى شكل من النزعة الجمهورية الليبرالية العلمانية.

ثالثاً: ارتدت دلالة ازدرائية تعني العقم الفكري والعملي، بالإضافة إلى راديكالية خطرة، وأخيراً: دخلت في مجال محدود لتعني «العقيدة السياسية» بوجه عام، ودخلت كل هذه المعاني في التداول السياسي بين عامي 1800 و1830.

في نظر تراسي كانت الأيديولوجيا هي نظرية النظريات وكانت ملكة العلوم، لأنها سبقت بالضرورة كل العلوم الأخرى، التي استخدمت أفكاراً بالضرورة، واعتقد «تراسي» وكل من أعجبوا بإنتاجه، أن علم الأفكار كهذا يمكن أن يكون له تأثير هائل، على التعليم على وجه الخصوص، وإذا فهم أصل الأفكار فإنه يمكن استخدامه بالتالي بفائدة كبيرة في التعليم التنويري، ويمكن أن يشخص جذور الجهل البشري، وكان من المحتمل أن يكون الأساس لمجتمع تقدمي عقلاني.

يبقى محيراً لماذا اختار ماركس أن يستعمل لفظة أيديولوجيا، وفي كتاباته المبكرة أشار إلى «تراسي» بمعنيين، أولاً: أشار كملاحظة تاريخية بسيطة، إلى وجود مجموعة من المفكرين، أي الأيديولوجيين، وتراسي كعضو أساسي في هذه المجموعة يذكر كاقتصادي سياسي ليبرالي برجوازي مبتذل ثانوي، وقد استخدم ماركس هذا المفهوم في عنوان كتابه المبكر «الأيديولوجيا الألمانية» الذي لم ينشر أثناء حياته، كلقب أكثر ازدرائية يحيل إلى أولئك (خاصة مجموعة الهيجليين الشباب) الذين يفسرون العالم فلسفياً، ولكن لا يبدو أنهم قادرون على تغييره.

يمكن أيضاً أن يكون ماركس قد وجد بعض أوجه الشبه بين الهيجليين الشباب و«تراسي»، نظراً للتشديد عند كل منهما على «الأفكار» وبصورة فضفاضة كان تفكير تراسي يحتوي على بعض مقترحات الفلسفة المثالية، كان ماركس مدركاً لشيء ما في الاستعمال الأصلي للفظة أيديولوجيا يشير إلى علم أفكار، غير أنه لم يعر سوى اهتمام ضئيل لهذا، وكان المعنى الوحيد الذي استخدمه في البداية هو الاستعمال الازدرائي لبونابرت بصورة فظة.

يضيف ماركس بطريقة غير منهجية أبعاداً أخرى إلى معنى هذه اللفظة، تأخذها إلى عالم مختلف، وفي إنتاج ماركس تعني الأيديولوجيا ليس العجز العملي فقط، بل أيضاً الوهم وفقدان الواقع، والأهم أنها (الأيديولوجيا) تغدو مرتبطة بتقسيم العمل في المجتمع، بمجموعات جماعية تسمى طبقات، وبصورة أكثر دلالة مع سيطرة وسلطة طبقات بعينها، وكانت بعض جوانب هذا التوسيع خاصة الجانب الوهمي، ماثلة بصورة ضمنية في الاستعمال الازدرائي لبونابرت لهذه اللفظة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"