أوراق قطر

وسائل وطرق غير قانونية لتمويل المساجد والجمعيات
03:42 صباحا
قراءة 8 دقائق

عن المؤلف

تأليف: جورج مالبرونو وكريستيان شينو

إعداد: سعد عبد العزيز

الحلقة الثانية

صدر مؤخراً في المكتبات والفضاءات الثقافية الفرنسية والأوروبية، كتاب جديد للصحفيين الفرنسيين البارزين: جورج مالبرونو ( من صحيفة لو فيجارو)، وكريستيان شينو (من إذاعة فرانس أنتير)، بعنوان: «أوراق قطر»؛ وذلك على غرار فضيحة «أوراق بنما»، التي تفجرت قبل عامين. والكتاب يتضمن أدلة على دور قطر في تمويل الشبكات الإرهابية لجماعة «الإخوان» الإرهابية في أوروبا، وكيف توزع أموال الشعب القطري على الجمعيات والنوادي والمساجد والأشخاص في محاولة لاستمالتها والسيطرة عليها؛ كي تتحول إلى مراكز تدور في فلكها.

ينقل الكاتبان على لسان الإيطالي الأصل أوميرو مارون-جيو-بيري، وهو دكتور في علم الاجتماع، ومتخصص في الإسلام داخل فرنسا، وكان دخل الإسلام في العام 1996 ويقوم منذ سنوات بتحليل الجوانب المعيارية للإسلام وأساليب إضفاء الشرعية من السلطات على الزعماء الدينيين في العالم الإسلامي، ويتردد بانتظام على مدرسة ابن رشد: «اهتديت إلى الإسلام في أحد مساجد مدينة فلانسين على يد الإمام حسن إكويسن، وبعد فترة من حديثه معي قال لي إنه ينتمي لجماعة «الإخوان»، ومن خلال تعاملي معهم تبين لي أن الفكر «الإخواني» يهيمن على الأدمغة، فالأغلبية العظمى من الفتيات في هذه المدرسة الثانوية محجبات، ومن المعروف أن ارتداء الحجاب كان من بين أهداف المنظمة القطرية غير الحكومية عندما قامت بتمويل هذه المؤسسة».

ويضيف أوميرو: «إن البيئة التي يعيش فيها الطلاب تتماشى مع المبادئ التي يعلمها لهم إمام مسجد أميان عبد الله بن منصور، وهو إحدى شخصيات حركة «الإخوان» في فرنسا الذين يأتون أحياناً لإلقاء خطبة الجمعة في مدرسة ابن رشد».

ويشير الكاتبان إلى أن «الإخوان المسلمين» البالغ عددهم «بالكاد ألف عضو،غالباً ما يتعاونون مع وزارة الداخلية للكشف عن الانجرافات المتطرفة، لكن هدفهم النهائي واضح: تكييف القانون العام مع مفهومهم للإسلام. ويتساءل الكاتبان: هل هذا هو الطريق الذي تريد الجمهورية الفرنسية العلمانية اتباعه؟

ويقول الكاتبان في نهاية الفصل الأول المعنون ب«القوة الناعمة الدينية» إن المصادر التمويلية ل«الإخوان» كانت دائماً محاطة بشيء من الغموض والتعقيد، وذلك يرتبط بعمليات القمع التي تعرضوا لها منذ 1950-1960في مصر ثم في العام 1982 في سوريا. فضلاً عن ذلك يعرف عنهم ميزة الصبر الشديد والتحمل.

المحسوبية في الكواليس

وهنا يلمح الكاتبان إلى أن الزبائنية أو المحسوبية تقوم بعملها، مثلاً في موضوع تحويل كاتدرائية ميلوز إلى مسجد عن طريق جمعية مسلمي الألزاس (أمل) القريبة من الفرع الفرنسي التابع ل«الإخوان» (قطر الخيرية)؛ حيث ينقلان على لسان جان ماري بوكيل وهو يقول لخليفته جان روتنر في بلدية ميلوز: «هل تراني ذهبت بعيداً أو قليلاً حين أعطيت الضوء الأخضر لمسجد الكاتدرائية؟ الجدير بالذكر أن هذا المسجد سيكون الأكبر والأحدث في فرنسا ومن المتوقع افتتاحه في شهر رمضان من هذا العام 2019 وسيتسع لحوالي 3000 مصل».

ويقول ناصر القاضي في مقابلة مع الصحفيين وهو من الكوادر المهمة القائمة على عملية البناء: توقف بناء المسجد سنوات عدة بسبب النقص في التمويل وكنا نطالب الناس بالتبرع لننتهي منه، ولا شك في أن المال القادم من الخارج يهم كل الناس.

ويضيف القاضي: نحن لا نتعامل مع الدول، بل نجمع الأموال من الجمهور المانح الذي عليه بالطبع أن يمر عبر مؤسسة رسمية تابعة للدولة، لأنه لا يمكن لأي مانح أن يعطي الأموال بشكل خاص، بل عن طريق دولته. وقد تلقينا بالفعل من مؤسسة قطر الخيرية وبشكل خاص من أشخاص عاديين وليس من الدولة القطرية(!!) 7 ملايين يورو وهذا الأمر تعلم به الدولة الفرنسية.

مركز ابن سينا

ونقرأ على صفحات الكتاب في الفصل الثاني عن مشروع كبير آخر من تمويل قطر في ستراسبورغ بدأ في العام 2013 بحي «اوت بيير»، لكنه توقف على غرار ميلوز، بسبب نقص التمويل كما يمكننا قراءة رسائل متبادلة بين القائمين على المشروع في فرنسا (عبد الحفيظ أخميم) وبريطانيا ( أيوب أبو اليقين) مدير قطر الخيرية والاطلاع على الوضع المزري لنتائج نقص تمويل المشاريع.

ولكن للخروج من المأزق في ميلوز وستراسبورغ، لجأ القائمون على المشروع في العام 2015 إلى رجال القانون في باريس وليل مستفيدين من القانون الصادر في العام 2008 والذي يسمح بالتعامل وفق آلية قانونية- مالية تتخذ من السرية مبدأ لها لإطالة زمن مشاريعها تاركين وراءهم مناطق من الغموض، وهو ما استفادت منه جمعية (أمل). ووفقاً للمادة 140 من قانون تحديث الاقتصاد الصادر في 4 أغسطس 2008 بفرنسا، فإن صندوق الهبات هو شخص اعتباري له حق خاص غير ربحي يتلقى ويدير، من خلال الرسملة (رأس المال)، أصول وحقوق من أي نوع تجلب إليه مجاناً ومن دون عائق ويستخدم مداخيل الرسملة لتحقيق عمل أومهمة ذات فائدة عامة أو إعادة توزيعها لمساعدة شخص اعتباري بهدف غير ربحي لإنجاز أعماله ومهماته ذات الاهتمام العام.

هذا الأمر تجسد في ميلوز تحت مسمى صندوق هبات (باسريل ) أو اختصاراً (FDP ). وكان أيوب أبو اليقين هو من لعب دوراً محورياً أثناء تنظيم اجتماع بين الراعين للمشروع ومستشارين قانونيين في التمويل في 23-24 إبريل 2016 في فندق ميركور بميلوز. ولقد كان شهر مايو 2016 أمراً فاصلاً بالنسبة لجمعية (أمل)؛ حيث تلقت بين 27-28 مايو وفداً من مانحين قطريين منهم: الشيخ مشعل بن سلمان العمادي (مدير التلفزيون المرتبط بجمعية الغيث) مسؤولون من قطر الخيرية: الشيخ حمد بن ناصر بن جاسم آل ثاني، أبو راشد وصلاح الحمادي (الرجل الثاني في قطر الخيرية فرع لندن) وحمد عبد القادر الشيخ المدير العام لهيئة الدعوة الإسلامية المرتبطة بقطر الخيرية، إضافة إلى 6-10 نساء مانحات أو ناشطات في جمع المال. ويشير الكاتبان إلى أن التحقيق أوصلهما إلى أن خلافاً وقع بين اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF) وجمعية أمل حين وضع عبد العزيز المقداد، المدير المتابع لأعمال قطر الخيرية استراتيجية كاملة لصندوق الاستثمارات الخاص بالوقف، وحينها أعلن عمار الأصفر (إخواني سابق)، مدير مشروع النور في ميلوز، عن انسحابه خلال اجتماع في 16 يناير 2016 ليمنح حصص (UOIF) إلى أمل، علماً بأن الأصفر لم يخف تحفظه أبداً حول زملائه (من الإخوان) في ميلوز أمثال أيوب أبو اليقين الحاضر الغائب الكبير خلال التحقيق، خاصة أنه كان من أعمدة جمعية أمل خلال السنوات الأولى لوجودها قبل أن يتراجع عنها، ما يظهر عن قطيعة أو لعبة الشد بالحبل بين قطر والشبكات «الإخوانية» في فرنسا.

ويشير الكاتبان في صفحة 54 من الكتاب إلى أن النظام الأساسي للصندوق ينص على أن إجراءاته تسترشد بالشفافية، كجزء من استراتيجية مربحة للجانبين يشارك فيها أصحاب المصلحة الوطنيون والدوليون وفقاً لرؤيته. ويعلق الكاتبان على موضوع «الشفافية» بلا حرج، لأن تعقيد مونتاج التمويلي القطري يولد غموضاً لا مفر منه، وهذا ما لاحظته الدولة الفرنسية. ففي كتاب مؤرخ في 31 أغسطس 2017 يوجه محافظ منطقة إيل دو فرانس (منطقة تقع في شمال وسط فرنسا وعاصمتها باريس) ميشيل كادو انتقاده اللاذع لأيوب أبو اليقين بسبب خلل خطير في التعاملات؛ إذ تبين أن جزءاً من النشاطات المالية للصندوق تعكس نشاطات اقتصادية تنافسية بوضوح لاسيما في مجال تطوير الواجهات التجارية الخاصة بمشروع (النور) وعيادة طبية في مدينة ستراسبورغ.

وأشار كادو إلى أن هذه النشاطات لا يمكن اعتبارها موجهة للصالح العام، كما أن المنح التي تم الحصول عليها من صندوق التبرعات لا يمكن بأي حال أن توزع على جمعية.

وأكد كادو، أنه لم يثبت أن أي شخصية اعتبارية استفادت من توزيع حصص الصندوق، وأن هذا الأخير لم يطور أي نشاط للصالح العام. وبناء عليه ينبغي حسب القانون توقيف كل أعمال البناء الخاصة بمكان العبادة أو التجارة أو العيادات الطبية، وإذا لم يتم توضيح الأمر خلال شهر، فإن جميع نشاطات الجمعية سيتم تعليقها وملاحقتها قانونياً. ويشير الكاتبان إلى أن ما تلقته جمعية أمل من الخارج (قطر) في العامين 2015-16 على شكل تحويلات بنكية يفوق بكثير ما أعلن لنا عنه ناصر القاضي؛ حيث يشير تقرير عن النشاطات المالية لصندوق التبرعات إلى رقم يزيد على 14 مليون يورو في العام 2016 تمت الموافقة عليها من قطر الخيرية أي ضعف ما أعلن عنه القاضي. علاوة على ذلك تلقت أمل في العام 2107 بفضل شراكة جديدة وقعت مع قطر الخيرية فرع بريطانيا مليون يورو، وذلك من حساب مقره «ناشيونال ويست منستر بنك» في 15 مارس. ويقول ناصر القاضي في مقابلة مع الكاتبين في ميلوز: نحن منفتحون على أي جهة تمدنا بالمال، ولكن بلا شروط ولو كنا نريد أن نذهب بعيداً لفعلنا ذلك، ولكن نحن ملتزمون بالعمل في فرنسا وحسب قوانين هذا البلد وليس خارجه. لكن يرى الكاتبان أن هذا الخطاب يسير عكس الحقيقة تماماً؛ حيث يقوم القطريون وغيرهم من الممولين بمراقبة حقيقية لمساعداتهم، لأنه قد حدثت عمليات نصب في الماضي.

ويرى الكاتبان أنه إذا كانت قطر الخيرية كريمة في عطاءاتها لمشروع ميلوز، إلا أنها كانت تمارس رقابة مشددة على استخدام الأموال التي تدفعها، وذلك وفق العقد الموقع بينها وبين صندوق باسريل.

وقد وضعت كاميرات مراقبة في موقع الورش في ميلوز ويتم التحكم فيها عن بعد.

شركات وهمية ومنح دراسية

رأينا كيف أن الارتباطات القطرية التمويلية مع فرنسا تلجأ إلى ما يسمى بالمونتاجات التمويلية المعقدة لتمويل مشاريعها كمساعدات. أحد هذه المونتاجات يتمثل في تأسيس شركات عقارية كتكملة لصناديق عطاياها. ويكشف أحد رجال المخابرات الفرنسية للصحفيين، مفضلاً عدم الإفصاح عن اسمه كيف يمكن لرئيس شركة من هذا النوع أن يدير بدقة مؤسسته من خلال دفع الأجر الشهري ويحصل على إعفاء ضريبي على القيمة المضافة وبالتالي يمكنه أن ينشئ شركات وهمية عدة، مستفيداً من هذا الإعفاء. وقد عمل «صندوق باسريل» على اتباع هذا الأسلوب من خلال مشاريع تم فيها تقاسم الحصص بين الصندوق وجمعيتي أمل وابن سينا، وذلك بهدف خلق تفرعات تمويلية متعددة، وكل ذلك حسب القانون الفرنسي ولدى كاتب بالعدل.

ووفقاً لمذكرة من المخابرات الفرنسية العامة تبين أن أمل ساعدت في العام 2008 في تمويل مؤسسات قريبة من ال (UOIF)، وذلك بفضل المال القطري الذي تم إيداعه في حسابها عبر أحد البنوك بمنطقة الألزاس. وفي المجموع تم إيداع 693867 يورو من قبل قطر الخيرية في حساب الجمعية ذلك العام موزعة على أشهر متعددة.

وقد قامت «قناة الجزيرة» بنقل وقائع أول لقاء لمسلمي شرقي فرنسا في ميلوز. وتشير مذكرة المخابرات العامة إلى أنه من الحصافة البحث عن الدوافع السخية القطرية لتمويل كل هذه المشاريع المتعلقة ببناء المساجد على أراض مسيحية. ويبدو أن هذا البحث لم يتم لأن سنة 2008 كانت بداية شهر العسل بين الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي والشيخ حمد في قطر. ومن المشاريع التي تمولها قطر الخيرية في منطقة الألزاس «مدرسة اقرأ» الموجودة في قلب مسجد لينجولشيم بالقرب من ستراسبورغ؛ حيث قدمت المؤسسة القطرية في العام 2014 مبلغاً وصل إلى أكثر من 100 ألف يورو لجمعية التعليم والنجاح التي تدير المدرسة.

وفضلاً عن بناء أماكن العبادة تقوم أمل بمجاملة المنتسبين إليها أو المتعاطفين؛ حيث طلبت من قطر الخيرية، تقديم منح دراسية لبعض الطلاب مثل ماري بيرثهولد التي أصبحت بعد سنوات عدة أمين عام «صندوق باسريل».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث