عادي

اللامساواة على الطريقة السويدية

03:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
ليزا بيلينْج *

اعتادت السويد أن تحظى بالتبجيل بسبب قضائها على عدم المساواة، من خلال فرض الضرائب التصاعدية، والرفاهية الشاملة. أمّا الآن، فإن التخفيضات الضريبية للأثرياء وغيرها، تضعهم في شرنقة معزولة عن البقية.

كيف تبدو اللامساواة؟ في السويد، يمكن تبَيُّنُ عدم المساواة المتصاعد، في البيانات حول توزيع الدخل. ووفقاً لآخر البيانات المقارنة المتاحة، لم يشهد أي بلد آخر زيادة أسرع في عدم المساواة منذ تسعينات القرن الماضي. لكنّ بيانات الدخل لا تكشف إلاّ عن جزء يسير من القصة. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أتاح عدد من التغييرات في السياسة ظهور ضروب مهمّة من عدم المساواة في أنماط الحياة في السويد. والنتيجة هي أن الأثرياء يعيشون حياة مختلفة بشكل متزايد. وفي مجتمع كان رمزاً للمساواة ذات يوم، تُعتبَر التغيّرات مذهلة.

قبل وقت ليس ببعيد، لم يكن بوسع أحد سوى الأغنياء جدّاً، الحصول على خادمة للمنزل، أو إرسال الأطفال إلى مدارس خاصة. أمّا اليوم، فإن ذلك هو القاعدة، ليس فقط بين أعلى 1% من أفراد المجتمع، بل بين أعلى 10% من ذوي الدخل. وقبل عقدين من الزمن، لم يكن سوى الأثرياء بشكل فاحش، يملكون شققاً فخمة متعددة. واليوم، تملك الأسرة النمطية من أسَر فئة الأعلى 10%، شقة في المدينة، ومنزلاً صيفياً في الأرخبيل، ومنزلاً ريفياً في أحد منتجعات التزلج أو كوخاً على الشاطئ في تايلاند.

والتغييرات في السياسة، التي تسبّبت في هذه التغييرات، على ثلاثة أنواع.

* أولاً، استفاد الأغنياء من التخفيضات الضريبية الهائلة. وكما هي الحال في العديد من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تَعَزّزَ عدم المساواة بفعل إلغاء عدد من الضرائب التي تعيد التوزيع بشدة. واليوم، لا تفرض السويد ضرائب على الهدايا، أو الهبات، وليس فيها ضريبة ممتلكات ولا توجد أي ضرائب أخرى على الثروة. وبالإضافة إلى ذلك، أدخلت الحكومة اليمينية التي كانت في السلطة من 2006 إلى 2014، سلسلة من ائتمانات ضريبة الدخل المكتسب، مما خفض معدلات الضرائب على الأغنياء إلى حدٍّ كبير. ويستفيد أفراد فئة الأعلى 10% الذين يكسبون دخلهم باعتبارهم من أصحاب الأعمال، من واحد من أدنى معدلات الضرائب على الشركات في الاتحاد الأوروبي.

* ثانياً، فوق التخفيضات الضريبية، أدخلت الحكومة اليمينية حسومات ضريبية تميل لصالح ذوي الدخل المرتفع. فالقادرون على الحصول على قروض رهن عقاري، يحق لهم الحصول على خصم من دفعات الفائدة المترتبة عليهم.

ومِن عام 2014 حتى 2018، أدخلت الحكومة إصلاحات لزيادة المساواة.. ولكنها لم تُعِد إدخال أي ضرائب على الثروة، ولم تفرض زيادة مهمة على ضريبة الدخل للأغنياء.

ونتيجة لذلك، استمرّ عدم المساواة في النموّ. وباختصار، صار كوْن المرء فقيراً أكثر تكلفة، وكونُه غنياً أرخص.

* ثالثاً، استفاد أصحاب الدخل المرتفع كثيراً من التغييرات الجوهرية في نظام الرعاية السويدي خلال العقدين الماضيين. وكان أهمّها إدخال نظام القسائم للمدارس، والرعاية الصحية الأولية ورعاية المسنّين... وقد قام نظام القسائم بتوجيه الأموال العامة إلى المدارس الخاصة التي تهدف إلى الربح، ولا سيّما في الأحياء المميَّزة، على حساب المدارس المحلية في المناطق المُعسِرة. وبطرق عديدة، أصبح أعضاء فئة ال 10% الأعلى الآن، قادرين على عيش حياة مختلفة جذرياً، وبعيدة عن بقية السكان بشكل متزايد.

إن الذين يقضون أيامهم طوال الأسبوع، على كوكب فئة ال10% المتربعة على القمة، سيكون لديهم فهم محدود لظروف معيشة بقية السكان- الذين لا يكافحون فقط من أجل تغطية نفقاتهم بحصة متضائلة من الدخل الإجمالي للأمة، بل يكافحون أيضاً في سبيل إيجاد الوقت اللازم للقيام بالأعمال المنزلية التي نسيها الأغنياء منذ أمدٍ بعيد.

* أستاذة العلوم السياسية، ورئيسة قسم الأبحاث في مركز «ارينا إيدي» في استوكهولم. موقع: سوشيال يوروب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"