عادي
يرى أن المثقف العربي لا يقرأ إلا نفسه

ثائر ديب : نعاني نقص المترجمين وضعف مستواهم

03:14 صباحا
قراءة 5 دقائق
للمترجم السوري ثائر ديب تجربة خاصة في الترجمة بدأها منذ أن كان طالبا في كلية الطب، ودعمها خلال فترة سبع سنوات قضاها في المعتقل بسبب مواقفه السياسية، وهي الفترة التي قال عنها: لست نادما على مواقفي السياسية السابقة، بل أنا شاكر لها بالفعل، لأنها علمتني الكثير. إضافة للطب يعمل مديرا للترجمة في الهيئة العامة السورية للكتاب، التابعة لوزارة الثقافة السورية. ولد ديب في اللاذقية عام ،1962 ويعمل عضوا في هيئة تحرير مجلة الآداب العالمية، وله العديد من الكتب المترجمة منها: تأملات في المنفى، وفرويد وغير الأوروبيين لإدوارد سعيد، الاستشراق وما بعده، لإعجاز أحمد وإدوارد سعيد، نظرية الأدب، فكرة الثقافة، وأوهام ما بعد الحداثة.

هنا حوار مع ثائر ديب..

كيف بدأت العمل في الترجمة؟

بدأت أعمل بها وأنا طالب في كلية الطب في سوريا، والذي دفعني لذلك في الأصل هو القراءة، حيث خلقت لدي الرغبة في الكتابة والترجمة، وهذا ما كان يدفعني لحضور محاضرات كلية الأدب الإنجليزي منذ السنة الأولى وحتى الرابعة وكأني طالب بها، وأتذكر أن أول كتاب مترجم نشر لي وكنت لا أزال طالبا في الكلية ضمن سلسلة المسرح العالمي الكويتية.

وهل يعني ذلك أن العمل في الترجمة يحتاج إلى موهبة ما؟

هناك عنصر من عناصر الترجمة غامض نوعا ما، ربما كان هو ما ندعوه الموهبة، إلى جانب العناصر الأخرى، مثل معرفة اللغتين والثقافتين بصورة عامة، وهذه الموهبة ربما هي التي ستصهر بقية العناصر في شيء يشد القارئ ويجعله يتمسك بإكمال ما يقرأه.

لكن توجهك إلى الترجمة وأنت في المعتقل يثير الدهشة، فهناك نماذج من المعتقلين في قضايا رأي كتبوا القصة والشعر داخل المعتقل، لكنك فعلت الشيء المختلف، فما الذي رأيته في الترجمة؟ هل كانت نوعا من البحث عن الحرية؟

قبل الاعتقال كنت قد توقفت عن كتابة القصة القصيرة والشعر بعد تجارب بسيطة وجدها الآخرون مهمة، لكنها لم تشبعني فكرياً، ربما لأنني أحسست بميل إلى البحث والدراسات، ولعل الترجمة كانت نوعا من الإرضاء لهذا الميل، خاصة أن معظم الأعمال التي قمت بترجمتها هي دراسات فكرية ونقدية، وفي المعتقل كان هذا الميل قد نضج تماما، فضلا عن أنني كنت مقتنعا، بأن أكثر ما ينقص الثقافة العربية هو الدراسات العلمية والفكرية والمعرفية والنقدية دون أن ينتقص ذلك من أهمية الأدب بشتى أنواعه.

وما أسباب هذا النقص من وجهة نظرك؟

يعود هذا لأسباب عديدة منها أن المتأخر اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا لا بد أن يكون متأخرا على المستويات الثقافية والفكرية، الأمر الذي يترجم على أرض الواقع في نقص المترجمين وسوء أداء أغلبهم، والتأخر في متابعة أحدث النتاجات الفكرية والأدبية التي تحدث في العالم، إضافة إلى جملة من العوامل الأخرى التي تشكل ظاهرة التراجع الثقافي، يمكن أن نضيف إلى كل هذا ما لحق بالثقافة العربية في العقود الأخيرة من تراجع على مستويات عدة منها الجامعة التي لم تعد تحظى بأكاديميين أكفاء قادرين على الاطلاع على ثقافة الآخر وأهم ما ينتج على صعيد العلوم الإنسانية وسواها.

وهل تعتبر اهتمامك بترجمة كتب النقد والفكر والدراسات يسد فراغاً في هذا الجانب؟

ما أنوي تقديمه من خلال الأعمال التي ترجمتها هو رسالة فحواها أننا بحاجة إلى آخر ما كتب في العالم خاصة في الفكر النقدي والعلمي، وذلك لأن مثل هذا الفكر النقدي والعلمي هو ما تحتاجه ثقافة مثل ثقافتنا.

شاركت من قبل في مؤتمر قضايا الترجمة وإشكالياتها في القاهرة عام ،2000

فهل ترى أن إشكاليات الترجمة اختلفت منذ ذلك الحين وحتى اليوم؟

سأتحدث عن الترجمة من الإنجليزية إلى العربية، فمنذ عام 2000 وحتى 2009 تغيرت أشياء كثيرة بالفعل، فقد تزايد الاهتمام بالترجمة وازدادت المؤسسات التي تعنى بها، كما تزايد تدقيق هذه المؤسسات فيما تستقبله من ترجمات. ومع ذلك فإن كثيرا من الإشكاليات لا تزال موجودة بخاصة عدم التنسيق بين البلدان العربية سواء في ترجمة الأعمال أو في ترجمة المصطلحات، فضلا عن مشاكل أخرى متعلقة بالترجمات السيئة، والاستعجال في الترجمة، وعدم إعطاء المترجم حقه المادي وكذلك الترجمة عن اللغات الوسيطة.

وما رأيك إذن فيما يقوم به بعض المترجمين من حذف أو تغيير في الأعمال التي يترجمونها، تحت دعاوى عدة؟

الحقيقة أنه من خلال عملي في وزارة الثقافة السورية كقارئ للأعمال المترجمة لاحظت أن بعض المترجمين يتدخلون فعلا ويضعون أنفسهم مكان مؤلف العمل خاصة في المواضيع التي يعتبرونها لا تتفق وقيم المجتمع، وهذا أراه شيئا مسيئا أشد الإساءة، وعلى المترجم ألا يتدخل على الإطلاق في المتن ويمكنه أن يفعل ما يشاء في الهامش أو في المقدمة أو في التذييل، وأعتقد أن مثل هذه العقلية الرقابية لا علاقة لها لا بالثقافة ولا بالأخلاق، فضلا عن إساءتها للعمل وللكاتب.

ما أفضل مترجم عربي بالنسبة لك.. وأفضل كتاب مترجم قرأته حتى الآن؟

لن أشير لأفضل عمل بل إلى المترجمين الذين أحب أن أقرأ لهم وتعجبني خياراتهم، وعلى رأس هؤلاء حسن قبيسي اللبناني الذي توفي مؤخراً، وقام بترجمة عدد من الأعمال بأسلوب متفرد ومنها: أصل الأخلاق وفصلها لنيتشه، التراكم على الصعيد العالمي لسمير أمين، والأنثروبولوجيا البنيوية لشتراوس، وسواها.

وهل هناك تعاون بين الهيئة العامة السورية التي تعمل بها ومؤسسات أخرى منها المركز القومي للترجمة في مصر على سبيل المثال؟

للأسف فإن مثل هذا التعاون غير موجود حتى الآن، وذلك لأسباب تتعلق بالحصول على حقوق الترجمة، وهو أمر مازالت وزارة الثقافة السورية مقصرة فيه بخلاف المركز القومي للترجمة.

شاركت في عدد من المؤتمرات في بعض الدول العربية، فهل ترى أن الأديب على اتصال ومعرفة بما يكتبه غيره على مستوى الوطن العربي؟

أستطيع أن أجيب فيما يتعلق بي، فمن جهتي أشعر بأن ما قمت بترجمته مقروء إلى حد ما في الأقطار العربية وبدرجة ترضيني نسبيا ومقياسي في ذلك هو استخدام ما قمت بترجمته كمراجع في الأبحاث، فضلا عن مقاييس أخرى يتم التعبير عنها شفاهة أو كتابة على شكل مراجعات.

غير أن ذلك لا يعني أن التواصل الثقافي العربي بخير، فعلاوة على أن نسبة هذا التواصل تظل ضئيلة نلاحظ أن المثقف العربي لا يكاد في كثير من الأحيان يقرأ إلا نفسه، وبالنسبة لي استطيع أن أزعم أنني أتابع معظم الترجمات التي تنشر في عدد لا بأس به من الأقطار العربية، ليس كقارئ فحسب بل كمترجم أيضا.

كنت بصدد إصدار فصلية تعنى بالترجمة ودراساتها تصدر عن مديرية الترجمة في الهيئة العامة السورية للكتاب، ما الذي تم فيها؟ وماذا كان الهدف من إنشائها؟ وهل سيتم فتح صفحاتها أمام كل الأقلام العربية؟

صدر العدد الأول منها بالفعل وتحت عنوان جسور وتعنى بدراسات الترجمة، فضلا عن نشرها لأعمال مترجمة أدبية وفكرية، اشتملت على قسم يرصد المتابعات الخاصة بهذا الموضوع مثل ترجمات الكتب أو اللقاءات مع المترجمين أو حتى المؤتمرات والندوات التي تعقد بهذا الشأن، إلى جانب نية أن يتضمن كل عدد منها ما يشبه الهدية، أي نشر مقالين أساسيين عن الترجمة، وأحب أن أؤكد أنها مفتوحة لجميع الأقلام العربية وقد جاء المقال الأول في العدد الأول للدكتور جابر عصفور كدليل على هذا البعد العربي.

أخيرا.. ما الذي يعمل عليه ثائر ديب الآن؟

سوف يصدر لي قريبا عن المركز القومي للترجمة كتاب لناقد يقدم لأول مرة في العربية اسمه فرانكو موريتي وهو الآن من أبرز نقاد العالم، خاصة في حقل الرواية وهذا الكتاب عنوانه علامات أخذت على أنها أعاجيب في سوسيولوجيا الأشكال الأدبية، كما أعمل على سيرة ضخمة لسيجموند فرويد كتبها بيتر غي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"