عادي
بلا ضفاف

ذو الرمة

00:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
عثمان حسن

مصادر أدبية عديدة تناولت حياة وشعر وثقافة الشاعر البدوي الملقب ب «ذو الرمة» واسمه غيلان بن عقبة، من بني عدي بن عبد مناة.
أما لقبه، فله أكثر من رواية بينها، أنه كان وهو غلام كثير الفزع، فأخذته أمه عند مقرئ من قبيلته، فوصف له تعويذة، علقتها أمه في حبل، والحبل في اللغة هو الرمة بتشديد الراء وضمها، وهناك رواية أخرى لها علاقة بمحبوبته مي، التي يذكر النقاد أنها شغفته حباً وصبابة، فجاءت على لسانه في كثير من الأشعار، والحكاية تقول: إن مي هي من أطلقت هذه التسمية، حين ألم بخبائها، وكان لا يعرفها من قبل، ولا هي تعرفه كذلك، فطلب منها أن تسقيه ماء، وكان على كتفه رمة، فلما جاءت بالماء وشاهدتها -أي الرمة- قالت له اشرب يا ذا الرمة.
ولد ذو الرمة في 77 هجرية 696 ميلادية وتوفي سنة 117 ه 735ميلادية.
هو كشاعر، عاش في كنف الدولة الأموية، رغم أن شعره قريب من الشعر الجاهلي من حيث فصاحة وبلاغة لغته، ونسيجها المتين المتماسك والتزامها بالقواعد النحوية، وهي كلها من سمات الشعر الجاهلي، وفي هذا، يقال إنه كان يعيش في البادية، رغم تردده على المدن مثل تهامة، واليمامة والبصرة.
تم تصنيفه من قبل النقاد من فحول الطبقة الثانية في عصره، أما أغراضه الشعرية، فهي في الغالب قصائد غزلية، تبدأ في العادة بالتشبيب بالمحبوبة والبكاء على الأطلال، وغزليات «ذو الرمة» موجهة لامرأة شغفته حباً اسمها مي، وهي بحسب ما تؤكد المصادر من أصول بدوية أيضا، ورد ذكر اسمها في كتاب الأغاني باسم «مي» و«مية»، وفي تاريخ ابن خلكان «مية» بنت عاصم بن طلبة بن قيس وفي رواية مية بنت مقاتل بن طلبة.
كتب ذو الرمة الكثير من قصائد الغزل في مي، منها حائيته الشهيرة التي جاء فيها:

(لئن غيّر النأي المحبين لم يزل

                      رسيس الهوى من حب مية يمرح

فلا القرب يدني من هواها ملالة

                           ولا حبها إن تنزح الدار ينزح

ألم تعلمي يا مي أنّا وبيننا

                        مها ولطرف العين فيهن مطرح

ذكرتك إذ مرت بنا أم شادن

                          أمام المطايا تشرئب وتسنح)

وقصة ذو الرمة مع مي تجسد صورة من صور المعاناة، حيث لم تنته هذه القصة، كغيرها من قصص الجاهلية بالزواج، بل هي تزوجت ابن عمها، لأسباب لها علاقة بالسلم الاجتماعي، حيث تورد المصادر أنها -أي مي- كانت من طبقة اجتماعية أرفع شأناً من طبقته، لا سيما وأن تكاليف الزواج ونفقاته كانت باهظة عند القبائل العربية وليس بمقدور فتى يتيم، مثل «ذو الرمة» أن يستوفي شروطها، وهو الذي دفعه في بداية شغفه بمي للسفر والتجوال في الأمصار والمدن، لكسب المال مادحاً هذا وذاك، لكنّ سوء طالعه كما أسلفنا لم يسعفه بالزواج منها.
ترك ذو الرمة ديوان شعر، تمت طباعته على يدي كثير من المحققين المحدثين، وهو بحسب كثير من الكتابات حول تجربة ذي الرمة كان شاعراً مجيداً، كما كان قاموسه اللغوي مستلاً من الصحراء والطبيعة نظراً لتنقله بين المدن والبادية، أما أغراضه الشعرية فكانت تدور حول الغزل والوصف.
كان المديح يستهل أشعار ذي الرمة، لكنّ هذه الأشعار ما تلبث أن تعود لموضوعاته الرئيسية والتي منها عدا الغزل والوصف (لا سيما وصف الإبل والنوق) الفخر أيضا، والتركيز على الأخلاق الحسنة، التي كانت من شيم العرب بوجه عام.
تنقل ذو الرمة في الفيافي والبلدان، وقد أشاد به كثير من شعراء عصره، حتى قيل فيه «فتح الشعر بامرئ القيس وختم بذي الرمة، كما ورد عن جرير قوله فيه «لو خرس ذو الرمة» بعد قصيدته: (ما بال عينك منها الماء ينسكب)، - وهي توصف بأنها من روائع شعره- لكان أشعر الناس.
قيل في وصف شخصيته أيضاً، إنه كان ذكياً، قادراً على الارتجال والرد من خلال الشعر في كثير من المواقف، وكان رقيق العاطفة أيضا، ذا ورع ودين وحساسية تجاه المواقف العاطفية، وهو الذي يفسر ميله بكثرة للتشبيب والغزل، أما هو فقد وصف نفسه بأنه «شجاع وحكيم مدافع عن الحق، متحدٍ للمخاطر والصعوبات»، وقد برزت كل تلك الصفات في أشعاره المعروفة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"