عادي

الصين تسيطر على الذكاء الاصطناعي

04:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
يوشي فوناباشي *

يقول الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، «إريك شميدت»: «بحلول عام 2020، سيكون وضع الصينيين أفضل منا. وفي عام 2030، سوف يسيطرون على صناعات الذكاء الاصطناعي».
في عام 1957، أطلق الاتحاد السوفييتي بنجاح، أول قمر اصطناعي، هو «سبوتنيك»، ليتخذ له مداراً حول الأرض. صُدمت الولايات المتحدة بهذا السبْق غير المتوقع. وحفزت تكنولوجيا الصواريخ السوفييتية المتفوقة، كثيرين على القول إن الولايات المتحدة، يجب أن تسارع إلى سَدِّ «فجوة الصواريخ» بين القوّتيْن العظمَييْن.
واليوم، تواجه الولايات المتحدة مرة أخرى، خطر التفوق عليها من قِبل دولة منافِسة. فهنالك حديث جديد عن «فجوة بيانات» بين الولايات المتحدة والصين. وقد يأتي اليوم الذي تتفوق فيه شركة «علي بابا» (للتجارة عبر الإنترنت)، وشركة «تِنسِنْت» (للإعلام الاجتماعي)، على «جوجل» و«فيسبوك»، ويخلّفانهما وراءهما. في الشهر الماضي، حضرتُ مأدبة عشاء مع مستثمرين في «وادي السيليكون» في كاليفورنيا، واكتشفتُ أن كثيرين منهم بدأ يخالجهم هذا النوع من الهواجس.
كان ما أثار الحوارَ، التقاريرُ الإخبارية عن احتمال إعادة إطلاق «جوجل» في الصين. كانت جوجل قد دخلت السوق الصينية للمرة الأولى، في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، وحققتْ في بادئ الأمر تقدّماً مطَّرداً: وفي ما بدا وكأنه غمضة عيْن، سيطرت جوجل على 36% من سوق البحث عبْر الإنترنت. وقاومت جوجل ضغوطاً مستمرة من جانب السلطات الصينية، لفرض رقابة على محتواها. وتعرَّضَت لهجمات شرسة من متسللين صينيين محليّين. وفي عام 2010، انسحبت من السوق الصينية.
واحتجّ مؤسس جوجل المُشارك، سيرغي بْرِن على الرقابة الصينية، قائلاً: «من فضلكم، لا تتوقعوا أن تكون شبكة الإنترنت الحرة والمفتوحة في منأى عن التدخل الحكومي. إذْ بمقدار ما يشكل التدفق الحرّ للمعلومات تهديداً للأقوياء، يسعى مَن هُم في السلطة إلى قمعه». وفي واقع الأمر، كان موظفو جوجل، في ما نُشِر، أشدَّ المؤيدين لقرار الانسحاب من الصين.
إلاّ أن تقارير حديثة تشير إلى أن جوجل تدرُس العودة إلى السوق الصينية، بمشروع يُدعى «دراغون فْلاي» (اليَعْسوب). وكان ثمة خيط مشترك بين المستثمرين في وادي السيليكون:
«تقول التقارير، إن جوجل ستعمل أيضاً محرك بحث، ولكنّ هدفها الأساسي ليس سوق البحث عبْر الإنترنت. بل ما تريده حقّاً، هو إدخال أعمالها السحابية إلى الصين».
«أنا أشكُّ في فكرة أن جوجل تذعن للصين. فإذا دخلت السوق، فينبغي عليها أن تحترم الثقافة والعادات المحلية. فالعهد الذي كان يمكن فيه فرض الطريقة الأمريكية في إنجاز الأمور على المجتمعات الأخرى، قد انتهى».
«المسألة ببساطة، تتعلق بمعركة الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين. هذا هو سبب تنافسهما على البيانات الضخمة. في الوقت الحالي، تملك الولايات المتحدة التفوق التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي، ولكن الصين توشك أن تلحق بنا».
وتعكس هذه المشاعر الأخيرة، أصداء توقعات الرئيس التنفيذي لجوجل، «إريك شميدت»، الذي قال: «بحلول عام 2020، سيكونون أفضل منا. وفي عام 2030، سوف يسيطرون على صناعات الذكاء الاصطناعي».
ويُقدَّر أن شركات الإنترنت الصينية تصل إلى بيانات تزيد بأكثر من 10 إلى 15 مرة عن نظيراتها الأمريكية. فيوماً بيوم، وساعة بساعة، تقوم شركتا «علي بابا» و«تينسنت» بتحديث وتجميع وشحذ واستخدام بيانات مليار شخص. ويمكن أيضاً التحكم بهذه البيانات، وتصنيفها، وتوسيعها والتنقيب فيها. ويستخدم الحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية هذه الشركات لتعزيز جهودهما في الإشراف الاجتماعي، والتحكم السياسي والدفاع عن تفرّد الحزب بالحكم.
فهل تنذر عودة دخول جوجل إلى السوق الصينية بعصر جديد من التواطؤ بين شركات التكنولوجيا الصينية والأمريكية الكبرى؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل ستنضم الشركات الأوروبية إلى هذا التواطؤ؟ وهل ستظهر الدولة الصينية نفسها، باعتبارها المنصة المهيمنة في العالم التي تضمّ شركات أمريكية وأوروبية كمطوّرة لها؟
أم ستستمر المبارزة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، التي أشعلت فتيلها الحروب السيبرانية والصراع من أجل الهيمنة التكنولوجية، في الاشتداد، وتطوّق أوروبا واليابان في نهاية المطاف؟ وهل سيؤدي ذلك إلى عصر جديد من الحرب الباردة السيبرانية، تتنافس فيه الولايات المتحدة وأوروبا واليابان ضدّ الصين؟
ومع اقتراب فجوة البيانات، نستطيع أن نبدأ في تبيُّن الملامح الضبابية ل«اللعبة الكبرى» التي ستتكشف وسط الجغرافيا السياسية الرقمية في القرن الواحد والعشرين.

* رئيس مبادرة آسيا والمحيط الهادئ، ورئيس التحرير السابق لصحيفة «آساهي شيمبون» اليابانية. موقع: صحيفة «جابان تايمز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"