عادي
قمم خالدة

كارل ساغان.. ألمع علماء الفلك في القرن العشرين

04:02 صباحا
قراءة 7 دقائق

ارتبط اسمه بالكواكب والنجوم، وذلك السواد الواسع الذي يتجاوز الغلاف الجوي.. إنه عالم الفلك والفيزيائي الأمريكي، الأكثر شهرة في القرن العشرين «كارل ساغان».. كان شغوفاً بالإجابة عن أكثر الأسئلة إثارة بالنسبة لعلوم الفضاء.. صاحب رؤية علمية عميقة.. شخصية مثيرة للجدل، لكنها أيضاً حالمة، وعاطفية، ومغامرة.

حياته

ولد كارل ساغان في العام 1934، في بروكلين بمدينة نيويورك الأمريكية، درس الفيزياء في جامعة شيكاغو، وحصل على الدكتوراه في علم الفلك والفيزياء الفلكية عام 1955، عمل محاضراً وباحثاً في جامعة هارفارد حتى 1968 انتقل بعدها إلى جامعة كورنيل لينال فيها درجة الأستاذ (بروفيسور) في العام 1971.

شارك في العديد من البرامج العلمية، وبرامج الفضاء الأمريكية، وقدم دراسات علمية رصينة، استقر في الذاكرة الشعبية من خلال برنامجه الشهير «الكون»، الذي شاهده اكثر من 200 مليون شخص في ستين بلداً.

قدم مئات الأبحاث التي نشرت في العديد من المجلات العلمية المحكمة، وله عدة كتب أبرزها «نقطة زرقاء في الأفق»، ترجم بعضها إلى العربية، خاصة تلك التي كتبها بأسلوب مبسط مثل «الكون»، و«رومانسية العلم»، و«تأملات في تطور ذكاء الإنسان».. وغيرها.

اتهم بالإلحاد والهرطقة، رغم نزوعه للمنطق العلمي، ووقوفه ضد انتشار الأسلحة النووية، له نظرية مشهورة باسم «الشتاء النووي».

توفي عن عمر ناهز ال62 سنة في العام 1996، إثر معاناة مع متلازمة خلل نسيج نخاع العظم.

معهد باسمه

كشفت ليندا. ب. جلاسر في احتفالية أمريكية لتكريم ساغان، عن تغيير اسم معهد «بل بلو دوتز»، ليصبح (معهد كارل ساغان.. بل بلو دوتز)، بحسب ما أعلنته الكاتبة والمنتجة آن درويان، وهي إحدى زوجات ساغان، والحائزة على جائزة إيمي وبيبودي، في التاسع من مايو ايار 2015:

كان الحفل مؤثراً، وقد حملت درويان صورة بإطار داخلها العالم ساغان وبجانبها غريتشن ريتر، عميدة في كلية الفنون والعلوم في جامعة كورنيل.

اختص المعهد بالكشف عن إنجازات كارل ساغان وآثاره العلمية وحياته المهنية، في البحث عن عوالم أخرى خارج الأرض، ويذكر أن هذا المعهد تأسس في عام 2014 كمعهد للنقاط الزرقاء الباهتة، وهو جزء لا يتجزأ من بيئة غنية متعددة التخصصات في جامعة كورنيل، ويجمع علماء الفيزياء الفلكية والمهندسين والجيولوجيين، وعلماء الأحياء والأرض للعثور على آثار للحياة في الكون.

ويتمتع أعضاء فريق المعهد بخلفيات واسعة النطاق في تخصصاتهم العلمية وبعضهم له اهتمام خاص بعلوم الفضاء.

تعاون ساغان ودرويان في العديد من الكتب والمقالات والمؤتمرات خلال عشرين عاماً من حياتهما معاً، كما تشاركا في إنتاج برنامج الصورة المتحركة «الاتصال». وشاركت درويان أيضاً في كتابة المسلسل التلفزيوني الشهير «كوزموس» في نسخته الأصلية، وعملت مديرة في مشروع «فوييجر انترستيللر» التابع لوكالة ناسا الفضائية.

وأشادت درويان خلال حفل تكريم ساغان بتجمع العلماء متعددي التخصصات واضطلاعهم بمهمة تقديم إجابات عن أكثر الأسئلة إثارة بالنسبة لعلوم الفضاء، وهو الشغف الذي كان ساغان مشغولاً به طوال حياته العلمية.

«هل نحن وحدنا في الكون؟ وكيف تختلف، أو تتشابه العوالم الأخرى عن العالم الذي نعيش فيه؟ هذه الأسئلة كانت حاضرة بقوة عند العالم الرائد ساغان، وسوف تفيد التكنولوجيا المتطورة في تقديم معرفة أكثر عن هذه القضايا.

يوفر المعهد قاعدة بيانات لنحو 100 نوع من الكائنات الحية التي تمنح العلماء فرصة أكبر لتوقعات الحياة في العوالم الأخرى خارج كوكب الأرض.

كيف عمل ساغان

كتبت ماريان سبون: «في صورة مؤثرة عن هذا العالم، الذي كان معنياً بالمريخ، الكوكب المائل إلى الحمرة، ثمة صورة أخرى من مركبة فونيكس بوكالة ناسا للفضاء، تبرز أحد الرواد وهو يحتضن رسالة مؤثرة من أكثر الباحثين روعة على الإطلاق.. تقول الرسالة: «مهما كان سبب وجودك على سطح المريخ، فأنا سعيد لأنك هناك، وأتمنى لو كنت معك».

كانت صياغة هذه الرسالة، واحدة من مجموعة «دي في دي» المخصصة لقاطني المريخ في المستقبل، مجرد يوم آخر لكارل ساغان».

من غير ساغان يمكن أن يطلق رقماً قياسياً مع «باخ»، و«موتسارت» إلى الفضاء؟ (تلك إشارة إلى المسبارين «فوياجر 1»، و«فوياجر 2»، اللذين أطلقتهما «ناسا» في عام 1977، إلى الفضاء بهدف استكشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية، واحتوى كل واحد منهما على لوحة ذهبية، تضم معلومات عن الإنسان، إضافة إلى بيانات عن كوكب الأرض وموقعه في الفضاء، واحتوت على شريط صوتي ب55 لغة من لغات الأرض، بينها 90 دقيقة من المقطوعات الموسيقية ل21 دولة مختلفة تعبر عن تعدد الثقافات والحضارات على كوكب الأرض، منها موسيقى ل«باخ»، و«بيتهوفن»، وموتسارت).

تراث

لم يقتصر توق ساغان لفهم الكون على السواد الواسع الذي يتجاوز الغلاف الجوي للأرض، كان يعتقد أن الجميع يجب أن يشارك في عجائب العلوم والكون، وهو تراث ساغان الذي يعيش في وجدان زملائه من العلماء والمعجبين والعائلات حتى يومنا هذا. بعض المعجبين الآن، يمزجون تأملات ساغان بموسيقى «الفجر الجديد».

ربما تستحضر عبارة «مليارات ومليارات النجوم» صوراً تلتقط الأنفاس، ولكن ماذا عن مسلسل «كوزموس..البحث عن حياة خارج كوب الأرض؟» هل كان ساغان متشككاً دينياً؟ نستدل من سيرة ساغان، أن أكبر انقسام في حياته كان ساغان نفسه، في الحقيقة، كان ساغان ناقداً فذاً، يولي أهمية كبيرة للبحث العلمي، كان يريد أن يخضع كل شيء للنقد، لم يكن ملحداً كما يظن الكثيرون، هو عالم يتأرجح بين الشك والإبداع، ومن المؤكد أنه كان متأملاً، ترك بصمة كبيرة على النقاشات السياسية والدينية، وكان يركز على الحقائق، معترفاً بأن العلم يؤثر في العديد من أوجه الحياة.

هو رجل استلهم فكرته من وصف أسطح الكواكب الغامضة، وكيمياء الحياة المتوقعة للبشر في هذا الكون الهائل، يمتد إرثه في برنامج الفضاء إلى الأوساط الأكاديمية والبحثية، ووسائل الإعلام العامة والخاصة، وقد بدأ الأمر كله في بروكلين.

ما وراء الكون

يقول ويليام باوندستون، الذي كتب سيرة ذاتية عن ساجان: «لقد أخضع ساغان كل شيء للبحث العلمي، وأن على الإنسان استخدام المنطق العلمي إزاء كل أشكال الحياة، من السياسة إلى الصحة، إلى المعتقدات والخرافات..».

وكان له موقف صريح وخاص حول سباق التسلح النووي، والحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وقد ضغط لخفض الأسلحة النووية، وحذر من المخاطر المحتملة التي يمكن أن تجلبها البشرية إلى نفسها، واكتسبت نظريته حول الشتاء النووي انتباه الرأي العام، وتكهن بأن وابلاً من التفجيرات النووية سيؤدي إلى زيادة الغبار، فيختلط مع مناخ الأرض، وسيكون مصير الناس الذين نجوا من الانفجارات محكوم عليهم بالفشل، إذا حاصر الغبار ضوء الشمس اللازم لزراعة المحاصيل. قد يحمل سيناريو ساغان بعض الحقيقة، لكن لديه أيضاً منتقدوه، كما يقول «باوندستون»، وفي كلتا الحالتين، فقد سلط ساغان الضوء على حقيقة أنه يمكن أن تكون هناك عواقب غير مقصودة من الحرب النووية.

بعد تشخيصه بمرض النخاع العظمي النادر في عام 1994، كان ساغان يزن خياراته، ويسعى للحصول على أفضل علاج في سياتل، وقد تطوعت شقيقته لمساعدته على زرع نخاع عظمي، لكن صحته لم تتعافى بشكل كامل، وبعد مرور أكثر من عام ونصف العام على عملية الزرع، توفي في 20 ديسمبر /‏ كانون الأول 1996، عن 64 عاماً.

في الكتب

في كتاب «حياة.. كارل ساغان» لكاي ديفيدسون، ثمة سيرة لواحد من أكثر علماء العصر نفوذاً وتأثيراً، والكتاب يتقاطع مع كثير من الموضوعات التي سبق وطرحها وليام باوندستون في كتابه الشهير، عن كارل ساغان «حياة في الكون» غير أنه يوجه القراء بفاعلية كبيرة إلى الاستنتاجات، والحقائق التي انصب تفكير ساغان حولها، وهو يترك لهم فسحة للاستمتاع بتلك الرؤى العظيمة التي تلهم وتثري في جانبها الثقافي والعلمي، يشير دافيدسون إلى «تنينات عدن» الكتاب الحائز على جائزة بوليتزر، كما يشير إلى المسلسل التلفزيوني «كوزموس» الذي كان يقدمه ساغان والذي حصل على جائزة إيمي، بما في ذلك منشوراته حول الاحتباس الحراري على كوكب الزهرة، والغبار الملتهب المسؤول عن «موجات من التعتيم» على كوكب المريخ، وتهديد «الشتاء النووي» بعد حرب محدودة على الأرض.

«حوار مع توم هيد

جاء في هذا الكتاب «كان اهتمام ساغان بالكون اهتماماً أصيلاً، نابعاً من معرفته بضآلة وضعف البشرية مقارنة مع حجم الكون وقوته الهائلة، هذا التواضع الفلسفي العميق، وتلك الشخصية الغزيرة التي تميز بها ساغان كان واضحاً في كثير من اللقاءات والحوارات التي أجريت معه».

ويوضح الكتاب كيف أن ساغان قد صاغ وجهة نظر حاسمة تجاه الأرض التي ظلت في قلب اهتماماته، رغم إيمانه بإمكانية الحياة خارجها.

ظلال الأسلاف المنسيين

هو كتاب من تأليف ساغان وآن درويان نشر عام 1993، يقدم المؤلفون ملخصاً لتاريخ تطور الحياة على الأرض، مع تركيز خاص على السمات المركزية للطبيعة البشرية، وهو يناقش المكان الذي بدأت تتطور فيه أسلافها في الأنواع الأخرى. وفي الفصول الأخيرة، يدرس المؤلفان تفاصيل تتعلق بالتشريح البيولوجي للبشر في مقارنة لأكثر أنواع الكائنات الأخرى تشابهاً مع الإنسان.

رومانسية العلم

تدور موضوعاته حول العقل والدماغ، وعلوم الفضاء، وبول بروكا، نشرت طبعته الأولى عن»راندوم هاوس«في 1979.

مادة الكتاب هي عبارة عن مجموعة من المقالات التي نشرها ساغان في عدد من الصحف والمجلات العلمية بين عامي 1974 و 1979 أبرزها: «ذا أتلانتيك مانثلي»، و»ذا نيو ريببليك»، و»فيزيكس توداي»، و«ساينتافيك أميركان».

كتب ساغان في مقدمة الكتاب «طالما كان هناك بشر، فقد طرحنا أسئلة عميقة وأساسية، إذا لم ندمر أنفسنا، فمن المؤكد أن معظمنا سيكون موجوداً للحصول على الأجوبة، إن أكثر الأوقات إثارة وبهجة ورضى هي أن نكون على قيد الحياة، في الوقت نفسه الذي نمر فيه من الجهل إلى المعرفة».

أما بول بروكا، فهو طبيب التشريح وعالم الأنثروبولوجي الفرنسي (1824-1880) الذي أجرى عدة أبحاث على مرضى مصابين ب«الحبسة» واستطاع أن يتعرف إلى منطقة في المخ مسؤولة عن النطق. سميت هذه المنطقة على اسمه «منطقة بروكا»، وقد أسهم في إنقاذ مئات المصابين، واستلهم ساغان قصته ليجيب علن بعض الأسئلة العلمية، ويحاجج في بعض القضايا الخلافية.

حياة في الكون

يعتبر كتاب «حياة في الكون» بمثابة السيرة الذاتية الأولى حول ساغان، وهو للكاتب المختص بالعلوم ويليام باوندستون، وحقق أفضل المبيعات حال صدوره، وهو يشتمل على دراسة شاملة لحياة كارل ساغان، وفيه يوثق المؤلف لكثير من التفاصيل عن ساغان منذ كان شاباً مشغوفاً بالعلوم حتى أصبح نجماً في المجتمع العلمي.

وسلط باوندستون الضوء على الجوانب التي نادراً ما نوقشت في حياة ساغان، منها على سبيل المثال تعدد زيجاته، وحياته الشخصية الصاخبة والممزقة، مع نزوعه نحو الثروة أحياناً، مع أنه كان العالم الأشهر في عصره.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"