عادي
لعبة فنية تتجاوز حدود الخشبة

كسر الجدار الرابع.. الجمهور شريك في صناعة المسرح

01:43 صباحا
قراءة 4 دقائق

الشارقة - عثمان حسن:

يعود مفهوم «كسر الجدار الرابع» في المسرح للأديب والمسرحي الألماني برتولد بريخت، هذا المفهوم الذي يفسر حالة الوهم التي يعيشها الجمهور في المسرح التقليدي، وتجعله يشعر بأن هناك جداراً عازلاً بينه وبين الممثلين على الخشبة ما يجعله أسيراً للنص المكتوب، ولحالة الإيهام التي يتقمصها الممثلون على خشبة المسرح.
الجمهور في هذه الحالة ليس له علاقة بالأحداث، هو فقط مجرد متلق ليس إلا، وحين جاء بريخت اهتم بجعل الجمهور متفاعلاً وشريكاً في صنع الأحداث، وبإمكانه تغييرها وتوجيه الممثلين، وهو الذي عرف في ما بعد ب»كسر حاجز الوهم»، أو (كسر الجدار الرابع).

لهذه التقنية في الإخراج المسرحي مجموعة من الشروط، التي تندرج في مجموعها حول ثيمة كسر الوهم أو الإيهام، انطلاقا من فكرة أن الجمهور ليس ساذجا، وهو بالضرورة يدرك أن الأحداث التي تجري على الخشبة من قبل الممثلين ما هي إلا لعبة فنية، في موازاة الحياة الحقيقية، وأن الخشبة ليست أكثر من وسيط.
في المسرح العالمي هناك الكثير من التجارب التي كسرت الإيهام أو الجدار الرابع على الخشبة، حيث يشير أكثر من ناقد متخصص لشكسبير وتوماس كيد وفرانسيس بومونت، ممن قدموا محاولات وصور لكسر الإيهام المسرحي.
المسرحيون هم الأكثر دراية بفنيات كسر الإيهام، من خلال طرق ووسائل مختلفة، كقطع تسلسل الأحداث في أحد مستويات الأداء، أو بواسطة حوار يقوم به الجمهور المفترض فوق المنصة مع بعضه بعضاً، لينتقد بعض الأشياء، كالحديث المباشر بين الممثلين والمتفرجين، وتشارك منطقتي اللعب أو التمثيل والفرجة، وغيرها من الوسائل الكثيرة.
وفي المسرح العربي هناك الكثير من التجارب المسرحية التي قدمت في الإمارات، ولعبت على تقنية كسر الجدار الرابع ومنها على سبيل المثال:
مسرحية «اللعبة» لفرقة مسرح خورفكان الشعبي، وهي من الأعمال القديمة وعرضت على خشبة مسرح إفريقيا في الشارقة، في عام 1983 ووصفت في حينه بأنها علامة فارقة لمسرح خورفكان الشعبي من ناحية المجهود الجماعي الذي بذل في هذا العمل سواء من خلال النص أو الإخراج أو التمثيل أو السينوغرافيا.
طرحت المسرحية من خلال قالب هزلي تناقضات الحياة ممثلة بالمقولة الشكسبيرية: «ما الحياة إلا المسرح العريض وكل منا له دوره فلنمثل» كل شيء بدا في المسرحية لعبة: فالممثل يخاطب الجمهور ويلج الصالة ويتعامل مع المتفرج كجزء من اللعبة والخشبة، حيث كان الزمن المسرحي متداخلا مع الزمن الواقعي.
في عرض «التريلا» لمسرح عجمان الوطني، وهي من تأليف إسماعيل عبدالله، وهي من الأعمال الفائزة بالمركز الأول لجائزة الشارقة للتأليف المسرحي، ومستوحاة من رواية «زوبك» لعزيز نيسين ومن إخراج الكويتي محمد الحملي، وبطولة: إبراهيم سالم، ومروان عبدالله، وحميد فارس، وإلهام محمد، وجمال السميطي، وموسى البقشيشي، وسالم العيان، وغيرهم، يلعب المخرج على انفلات عنصري الزمان والمكان، ويبدأ بكسر الجدار الرابع، من خلال التفاعل بين الجمهور والخشبة، الممثلون في هذا العمل قاموا بتغيير أمكنتهم دخولا وخروجا بين الصالة والخشبة، من دون حواجز تفصلهم عن الجمهور.
في السياق ذاته يمكن الإشارة لمسرحية «على جناح التبريزي» وهي عن نص للمسرحي المصري الراحل ألفريد فرج، ومن إخراج حسن رجب، اشتغل المخرج في هذا العمل على مفهوم كسر الجدار الرابع بوعي مسبق لتجربة بريخت في المسرح الاحتفالي وأوجد مساحة ممكنة للتواصل المباشر بين الجمهور وخشبة العرض المسرحي، من خلال تغييره لفضاء الديكور وتبعا لتغير الأحداث والأمكنة، فكانت هناك فضاءات لأمكنة مختلفة برع رجب في توظيفها.
ويمكن الإشارة أيضاً لعرض «القبض على طريف الحادي» لمسرح العين وعرضت خلال إحدى دورات أيام الشارقة المسرحية، النص الأصلي لممدوح عدوان، وأخرجها محمد السليطي، الذي لجأ لفكرة كسر الجدار الرابع، من خلال عدم وضع ستارة تفصل بين الممثلين والمتفرجين، واستخدم جوقة غنائية تقدم الكثير من الأغنيات الشعبية المعروفة، التي دفعت الحضور للتفاعل معها وترديدها.
في العروض المسرحية التي تقدم للطفل هناك الكثير من الأعمال التي تتبنى فكرة كسر الإيهام، وتبدو هذه اللعبة دارجة في المسرحين العربي والعالمي، فمخاطبة الطفل من قبل الممثلين، هو من المهام الرئيسية التي يعتمدها مسرح الطفل، التفاعل هنا، يقدم رسالة تربوية هادفة، تقوم على المتعة والتسلية والتعليم في الوقت ذاته.
محاولات كسر الجدار الرابع برزت في كثير من أعمال مهرجان الإمارات لمسرح الطفل.. ومن هذه الأعمال نشير لمسرحية «شكراً بابا» لفرقة المسرح الحديث في الشارقة، وهي من تأليف واخراج مرعي الحليان، وبطولة عبدالله بوعابد، وفاطمة البلوشي، ونواف المطروشي، ومحمد المصلحي، ومروة خميس، وأيضاً حمد عبدالرزاق، وكتب اغنيات المسرحية الفنان عبدالله صالح، وصمم الإضاءة في هذا العمل المخرج محمد صالح.
اعتمد الحليان في العرض، وسيلة التفاعل الإيجابي بين الممثلين والأطفال لتقديم معلومات لها علاقة بالبيئة والمحافظة عليها، والرفق بالحيوان والشجر والطير، ومما كتب عن هذا العرض أنه لم يتعاطى مع الديكورات التقليدية والواقعية، بل جاءت الرؤية الإخراجية لتؤسس فضاء خالياً، الا من ستائر بيضاء استغلها مهندس الاضاءة من خلال اسقاط حزم اللون المناسبة للاحداث التي تمر بالشخصيات، كما تخلصت الشخصيات التي جسدت الحيوانات والشجر والطير من الملابس التقليدية والازياء، وتمت الاستعانة عنها ببعض الاشارات البسيطة، كالطوق الذي لبسته البنت لتتحول إلى شجرة، وقطعة من الفرو استغلت لتجسيد الخروف».
نجح ممثلو العرض بالتفاعل مع الأطفال وخلق حالة من الشد والجذب بينهم وبين ما يجري على خشبة المسرح.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"