عادي
ندوة مركز دراسات "الخليج"

واقع الترجمة في الوطن العربي .. الحلقة الأولى

04:28 صباحا
قراءة 26 دقيقة

أدار الندوة:

حبيب الصايغ مستشار دار الخليج لشؤون التحرير ورئيس مجلس إدارة اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات

أعدها للنشر:

هاني عوكل

ظهرت في السنوات الماضية الأصوات الناقدة لواقع الترجمة في الوطن العربي، وذلك على أثر معلومات نشرت في تقرير التنمية الإنسانية العربية تقارن حال الترجمة للعربية مع مختلف لغات العالم، ورغم تشكيك البعض بصحة الأرقام التي نشرت، يبقى التأكد من صحة ما نشر من عدمه معلقاً في ظل عدم وجود قواعد معلومات دقيقة حول قطاع الترجمة للعربية، مع تأكيد الكثيرين على أن حال الترجمة من العربية وإليها يعاني الكثير من المشاكل والمعوّقات التي لا يمكن إنكارها. ولعل الحديث عن الترجمة في الوطن العربي يرتبط بشكل وبآخر بمستوى التطور العلمي والتقني الذي تعيشه البلدان العربية، ومدى إدراك المفكرين العرب لأهمية ما ينشر باللغات الأخرى لدفع عجلة التقدم إلى الأمام، من خلال نقل المعرفة العلمية وتوطينها، وما للكتاب المترجم من وسيلة للاطلاع على ثقافات وفنون الشعوب الأخرى، الأمر الذي دفع العديد من الباحثين العرب للقيام بترجمة العديد من الكتب إلى العربية بمجهود فردي القصد منه تعريف القارئ العربي بالجديد من العلوم. وعلى الرغم من أهمية هذه الجهود الفردية في الترجمة، إلا أن البعض يرى أن سيطرتها على المشهد العام قلل من الأهمية المعوّل عليها من الترجمة، ذلك أن الكتاب المترجم يكون في الغالب خاضعاً لأهواء المترجم واهتماماته الفردية، في وقتٍ تحتاج الأقطار العربية لعملية ترجمة مؤسسية وممنهجة تكشف عن مجالات الفقر في المعرفة بالعربية، ولعل ظهور العديد من المشاريع والمؤسسات التي تعنى بالترجمة في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال السنوات الماضية، يمكنها أن تلعب دوراً في سد العجز المؤسسي الذي يعاني منه قطاع الترجمة في الوطن العربي.

ولعل الحديث عن واقع الترجمة في الوطن العربي يستدعي الحديث عن كم المعوّقات التي تواجه المترجمين والمؤسسات القائمة على الترجمة، وما هو المأمول من المؤسسات التي ترعى عملية الترجمة؟ وما هي الكيفية التي يمكن من خلالها تنشيط عملية الترجمة إلى العربية؟ وكيفية تنظيم الجهود العربية في الترجمة لتتناغم مع الحاجات الفعلية للأقطار العربية من الثقافة والعلوم؟ والعديد من الأسئلة التي سعت هذه الندوة التي نظمها مركز الخليج للدراسات في دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر للإجابة عنها من خلال مناقشة المحاور الآتية:

ما هو الواقع الفعلي لقطاع الترجمة في الوطن العربي؟

ما هي التحديات التي تواجه تنشيط الترجمة في البلدان العربية؟

ما هي السبل لتنشيط حركة الترجمة في الوطن العربي؟

حبيب الصايغ:

باسم مركز الخليج للدراسات أرحب بكم. في الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين، وكانت الأرض كلها لغةً واحدةً وكلاماً واحداً، وكان أنهم لما رحلوا نحو المشرق وجدوا بقعةً في أرض شنعار، فأقاموا هناك، وقال بعضهم لبعض: تعالوا نصنع لبناً وننضجه طبخاً، فكان لهم اللبن بدل الحجارة والحُمَرُ كان لهم بدل الطين، وقالوا: تعالوا نبني لنا مدينةً وبرجاً رأسه إلى السماء، ونقم لنا اسماً كي لا نتبدد على وجه الأرض كلها، فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما، وقال الرب هو ذا شعب واحد ولجميعهم لغةٌ واحدة، وهذا ما أخذوا يفعلونه والآن لا يكفون عما هموا به حتى يصنعون هلمَّ نهبط ونبلبل هناك لغتهم، حتى لا يفهم بعضهم لغة بعض، فبددهم الرب من هناك على وجه الأرض كلها، وكفوا عن بناء المدينة ولذلك سميت بابل لأن الرب هناك بلبل لغة الأرض كلها ومن هناك شتتهم الرب على كل وجهها، كأنما الرب منعهم من فرض لغتهم على أنها اللغة، فحكم عليهم بالتعددية والترجمة. منذ ذلك الزمن الغابر ربما، حتى هذه اللحظة التي نعيش، والترجمة سؤال كبير، تحولت عبر مرور الأيام ومراكمة التجارب إلى علم ونظرية، وما زال لديها واقعها وإشكاليات واقعها كما هي، أين كانت وكيف؟ كيف هي الآن وأين.. إلخ، وللترجمة بما هي مشكلة، مستويات إدارية وقانونية وفنية، وفي معظم الأحيان تتداخل المستويات، ما يترتب مشكلةً جديدةً أو مشكلات، وعلاقات جديدة وعناوين. في القرآن العزيز: وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، فكيف نجيب عن سؤال الترجمة دائماً، وفي عصر العولمة خصوصا؟ يبدو أن الأجوبة بسبب من طبيعة الموضوع، ليست كلها ممكنة أو في متناول اليد، وهنالك دائماً ذلك السؤال الذي لا يكاد يخبو حتى يستيقظ: هل الترجمة في الأصل ممكنة؟ لكن مهلاً، لكأن العالم كله اليوم من أقصاه إلى أقصاه خميس المتنبي، خميس بشرق الأرض والغرب زحفه، فما يفهم الشراح إلى التراجم. قالها أبو الطيب، يريد المبالغة، لكن النبوءة تتحقق ولا مبالغة.

لدينا اليوم ثلاثة محاور، وسنناقشها ونبدأ من الدكتورة منى البحر.

د. منى البحر:

إذا أردنا الحديث عن الواقع الفعلي لقطاع الترجمة في الوطن العربي، فهذه المسألة لا تخفى على أي أحد بأنها ضعيفة بشكل كبير، فإذا كان إنتاج الفكر في الوطن العربي قليل جداً، فما بالكم الترجمة؟ والحقيقة أنها شكل من أشكال إنتاج الفكر، واليوم نحن نستهلك الفكر ولا ننتجه، وهذه مسألة طبيعية وهي أن الترجمة غير متقدمة أو أننا غير متقدمين في هذا المجال، وأعتقد أنه منذ أن بدأت الترجمة أثناء قيام الدولة الحديثة في الوطن العربي، فقد تمت بأشكال فردية، مثل تجربة المنفلوطي وغيره، أما اليوم فنجد أن مؤسسات كبرى تدعم عملية الترجمة، مثل المركز القومي في مصر الذي تبنى مشروعاً كبيراً وقام بترجمة كتب كثيرة منها المثنوي. وفي دولة الإمارات أوجدت هيئة الثقافة والتراث في أبوظبي مشروع كلمة الذي ينقل إلى العربية أمهات الكتب، ومن ثم ظهر في مؤسسة محمد بن راشد مشروع ترجم وهذه كلها محاولات تعمل على تنظيم عملية الترجمة كما اتجه مشروع كلمة اليوم إلى خط آخر، وهو تشجيع المترجم بشكل أكثر، وأعتقد أنه إذا كان لمشروع الترجمة أن ينهض ويكون شيئاً متميزاً في كل الوطن، يجب أن يكون مشروعاً منظماً ومدعوماً من جانب الحكومة، لأن الأعمال الفردية تبقى فردية وتنتهي بانتهاء الفرد. السؤال الأساسي الذي علينا أن نطرحه هو لماذا نحن معنيون في هذه الفترة بعملية الترجمة وتشجيعها؟ لماذا نتحدث اليوم عن الترجمة، بينما نعلم أبناءنا وبناتنا في مدارسنا وجامعاتنا اللغة الإنجليزية؟ من سيقرأ هذه الكتب المنقولة إلى العربية، إذا كانوا يقرأون مباشرةً من اللغة الإنجليزية؟ إذن لماذا الترجمة في هذه المرحلة، وإذا كنا نعتقد أننا نترجم إلى لغات أخرى، فهذا قد يجيب بشكل جزئي عن التساؤل السابق، لكن كل مشاريعنا في الوطن العربي متجهة إلى الترجمة من اللغة الإنجليزية وليس من لغات أخرى إلا ما ندر، وبالتالي هذا السؤال يجب أن يطرح اليوم لمناقشته.

إبراهيم خادم

الدكتورة منى دخلت إلى الواقع مباشرةً، لكن لدي تعليق بسيط في مسألة استمرار حركة الترجمة، إذ إن الواقع يقول إن جهوداً فردية كان لها الدور الكبير في موضوع الترجمة، ثم تطور هذا الهم وأصبح مؤسساً، ونحن ندعم عملية الترجمة في إطار جهد المؤسسة، بالإضافة إلى المؤسسات الأخرى داخل وخارج الوطن العربي، لكن إلى الآن لم نتطرق إلى منهجية الترجمة، ومع أنها تتحول من النطاق الفردي إلى المؤسسي إلا أنها لا تستند حتى اللحظة إلى جهود تؤكد منهجية الترجمة، ونحن في مؤسسة محمد بن راشد خصصنا برنامجاً متكاملاً اسمه ترجم يؤكد استمرار حركة الترجمة بمنهجية، وليس بحركة عشوائية أو جهود ذاتية. إذا تحدثنا عن الوطن العربي، يمكن القول إنه توجد مؤسسات تعليمية تدرس الترجمة، لكن إلى الآن لم تلامس هذه المؤسسات الواقع الحقيقي لمستوى الترجمة بتخريج عدد من المترجمين المؤهلين الذين يفهمون واقع واحتياجات السوق، وأقصد بالمنهجية التركيز على قوة وأهلية الترجمة نفسها، فمثلاً حينما يتم التعاقد مع مؤسسة لترجمة كتاب معين، قد تكون هذه الترجمة مأخوذة أو تستند إلى غوغل، وهناك عدد كبير وهائل من الكتب تترجم الكترونياً.

محمد عيد إبراهيم:

يمكننا أن نرى أن الغرب يسعى إلى فرض أطر ثقافية بغرض الهيمنة، ويجب علينا مقاومة ذلك بكل الطرق، لكن ما دام الغرب يسعى إلى فرض هذه الأطر عن طريق الهيمنة، فلا يجب علينا في المقابل أن نسعى إلى فرض أطرنا نحن الآخرين، ولابد أن يكون هناك نوع من التسامح بين هذا الغربي الذي يسعى إلى فرض قيمه وحضارته، ونحن الذين نسعى إلى نوع من التفاهم أو التسامح للاستفادة من علمه، وتوصيل ما لدينا من معرفة، وإن كانت ضئيلة حسب المعروف. الترجمة تعتني دائماً بالتماس مع الآخر، ومثلما يقول تيدروف: البرابرة هم من يرون الآخرين هم البرابرة، فلابد أن نسعى إلى صد هذا الاشتباك، لكي تكون لنا أطرنا الخاصة في المعرفة.

في السابق كان هنالك أفراد يترجمون وما زال هناك أفراد يترجمون، لكن ظهرت مؤسسات كبرى تعنى بالترجمة هذه المؤسسات الكبرى سواءً في الخليج أو مصر أو تونس أو لبنان، تقع في إشكالية مهمة، وهي أن النسبة الكبيرة للترجمة حتى اليوم تذهب للأدب، بينما العلم غائب أو مغيب إلى حد كبير، ولو ذكرنا البعثات العلمية التي ذهبت إلى فرنسا في القرن التاسع عشر، أيام محمد علي، وترأسها الشيخ رفاعة الطهطاوي، فإن معظم الكتب التي قامت بترجمتها أدبية. اليابانيون أيضاً، ذهبوا إلى فرنسا ولم يترجموا إلا كتباً علمية فقط، هناك مشكلة عند بعض المؤسسات الكبرى سواءً في المراكز أو الأطراف، من ناحية اعتماد كل مؤسسة على مجموعة عناصر ثابتة، وهذا للأسف كرَّس نوعاً من الشللية داخل هذه المؤسسات، ويجب التخلص من ذلك ليصبح هناك مجال أوسع لعدد أكبر من المترجمين، ثم إن هناك مؤسسات تصدر كتباً بأثمان فوق مستوى القارئ، وأقصد هنا القارئ المتوسط أو العادي، ولا بد من الوصول إلى حل معين لتوفير هذه الكتب لطلبة الجامعات، أو تنظيم معارض ترويجية بأسعار رمزية، حتى تستطيع غالبية القراء الحصول على هذه الكتب.

ولا بد من الملاحظة أن أجر المترجم من حيث ما يتلقاه من مؤسسات معقول ومقبول في مشروع كلمة أو مشروع ترجم.. إلخ، وفي مصر هناك المشروع القومي والمركز القومي في لبنان، وعدا ذلك توجد هوة شاسعة جداً في الأجور بالنسبة للمترجم، إذ إن بعض دور النشر ترى في المترجم عتّال الثقافة، أي أنه يقوم بكل شيء ويحصل على أقل أجر، وكأنه مثقف من الدرجة الثانية، ومن وجهة نظري أرى بأن المترجم موازٍ للمؤلف، لأن الترجمة في النهاية تعتبر عملية إنتاج مشترك بين المؤلف الأصلي والمترجم الذي يحيل هذا السياق الثقافي من لغته الأصلية إلى اللغة الأخرى التي يترجم إليها في ثقافته هو، وهذه عملية معقدة جداً وصعبة في التأويل والتفسير.

د. عفاف البطاينة:

سأنطلق في حديثي إلى حال الترجمة في الوطن العربي، إذ إن حالها ليس واحداً في كل الأقطار العربية، ولذلك نجد بأن هناك بلداناً عربية لا علاقة لها مطلقاً بالترجمة، وهناك بلدان وأخص بالذكر: المغرب، مصر، لبنان، سوريا، الإمارات، وهذه الدول نشيطة جداً على مستوى الترجمة. عندما نتحدث عن الترجمة بشكل عام، وندخل الدول التي تشارك والتي لا تشارك والتي تهتم والتي لا تهتم في عملية الترجمة، أعتقد بأننا نظلم البلدان العربية. ومن أجل الإنصاف، علينا أن نتذكر بأن هناك حركة ترجمة نشيطة في الوطن العربي اليوم، وأنا أميل إلى التفاؤل، وربما قبل خمسة إلى ستة سنوات، لم أكن بهذا التفاؤل، لكن اليوم هناك حراك في المجتمعات العربية، وأعتقد أن الأمثلة التي ذكرت حتى الآن: مشروع كلمة ومشروع ترجم والمجلس القومي والحركة النشيطة جداً في المغرب، إضافةً إلى المنظمة العربية للترجمة في لبنان، أعتقد بأن هذه كلها تعتبر حركة مبشرة بالخير، وكي نضع هذه الحركة في سياقها الصحيح، فإن علينا التذكر أولاً، أن المفكرين بشكل عام والشريحة التي تهتم بإنتاج المعرفة أو نشرها، لا تتجاوز 20% عادةً في المجتمعات، وهذا على أقصى حد، وإن أخذنا بعين الاعتبار أن الترجمة هي رافد من روافد المعرفة، وليست الرافد الحقيقي، إذن نحن لا نتوقع أن تصبح المعرفة منوطة بعملية الترجمة، فهناك إنتاج معرفي باللغة العربية، وهناك رافد لها عن طريق الترجمة.

إذا أخذنا هذه المسائل بعين الاعتبار، فأعتقد أن الترجمة ستكون بخير في الوطن العربي، ونحن نسعى دائماً للأفضل، ونريد الأفضل، وحاجتنا إلى الترجمة اليوم مرتبطة بواقعنا الثقافي أو واقعنا المعرفي بشكل عام، وكلنا يدرك الإشكاليات الموجودة في الأقطار العربية على اختلافها وعلى اختلاف مستويات التحديات التي تواجهها، لكن بشكل عام، وأخص بالذكر مشروعين: مشروع كلمة في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، ومشروع الترجمة مع المنظمة العربية للترجمة في لبنان، إذ هناك ترجمات نوعية متميزة على مستوى الترجمة المعرفية، بمعنى أن المعلومة التي تترجم هي معلومة صحيحة ودقيقة ومنقحة، هذه الترجمات لم تتم من قبل أشخاص يتقنون عملية الترجمة كعملية الترجمة، بل يمكن إطلاق الترجمة الحالية بما يسمى اليوم بالترجمة البحث، وهؤلاء أساتذة مختصون في المجالات المهنية التي يترجمون منها ويترجمون إليها، فعالم الاجتماع يترجم كتب علم الاجتماع، ومتخصص الفلسفة يترجم كتب الفلسفة، ومتخصص الفيزياء يترجم كتب الفيزياء، والآن هناك مشروع لترجمة فرويد، ولذلك هناك عالم نفس سيقوم بترجمة هذا العمل، والحقيقة أن هذا شيء ممتاز جداً، والشيء الثاني أن هذه الترجمات لا يقوم بها شخص واحد، وإنما هناك عمل مؤسساتي، وهناك من يترجم المعلومة، فضلاً عمّن ينظر في الأسلوب، كما أن هناك من يدقق اللغة، وهناك من يراجع، ومن ينتبه إلى أهمية استخدام المصطلحات نفسها في كافة الترجمات التي تنتمي إلى حقل واحد، وهناك أيضاً توحيد المصطلحات والسعي إلى إضفاء معلومات تنير للقارئ ما قد يُخفى عليه، بمعنى أنه إذا كنت أقرأ في علم النفس ولا أعرف أن هذا المصطلح له تراكمية أو خلفية معرفية قديمة، فإن المترجم الباحث يقوم بتعريفي بهذا الشيء، وبعد ذلك يتم تسويق الكتب المترجمة عن طريق مؤسسات فاعلة ومؤسسات لها حضور جيد، ليس فقط في معارض الكتب، وإنما عن طريق الموزعين في الأقطار العربية أو عن طريق طلبها عبر الانترنت.

ما يفرح في هذا المجال، أن الكتب التي صدرت عن كلمة ومن المنظمة العربية للترجمة، فازت بمعظم الجوائز.

في موضوع آخر، أود الحديث عن التساؤلات التي طرحت منذ سنوات حول لمن نترجم؟ أنا أتقن اللغة الإنجليزية وأقرأ كثيراً باللغة الإنجليزية، ومجال تخصصي ربما هي الدراسات الثقافية والأدب وغيره من القضايا، لكني كمتخصصة في اللغة العربية أحياناً أستفيد من قراءة الكتب المترجمة، ليس لأن المعرفة ليست موجودة لدي، وإنما لأن التعبير عن هذه المعرفة وعن هذه الحقول المعرفية باللغة العربية ضعيف، وبالتالي فإن الترجمة تعتبر عنصر إثراء للغة العربية، ولذلك يسعدني أحياناً بأن أعرف المعنى، مثلما كان يقول العرب قديماً، بأن المعنى في قلب الشاعر، وأنا أعرف المعنى، لكني أحتار في الكلمة العربية أو المصطلح أو الصياغة.. التي يجب أن أوظفها عندما أكتب باللغة العربية، وهذه الإشكالية أعتقد بأن الكثيرين يواجهونها، ولذلك فإن الترجمة مفيدة جداً.

حبيب الصايغ:

هل يفضل، أن تُدرَّس الترجمة في أقسام علم اللغة وأقسام اللغة الإنجليزية كما هو شائع الآن؟

د. عفاف البطاينة:

أعتقد بأن الترجمة عبارة تخصص قائم بذاته، لا تدرس في اللغة الإنجليزية ولا اللغة العربية، ويجب أن تدرس في قسم له أدواته وله مناهجه، وبالتالي هي لا تنتمي لا إلى اللغات ولا إلى الأدب.

د. عبد الفتاح أبو السيدة:

يمكن القول إن ما تترجمه فيتنام يفوق ما يترجمه الوطن العربي مجتمعاً، ونحن نترجم نصف ما ترجمته دولة صغيرة مثل بلجيكا، ويعادل ما يُترجم في الوطن العربي عُشر ما يترجم في تركيا، وإذا تحدثنا عن دول مثل فرنسا وألمانيا فإننا سندخل إلى بعد آخر وأعتقد أنه غير إيجابي.

ماذا يقول أهل الترجمة والمسؤولون عن أجهزة الترجمة ومنظمات الترجمة في الوطن العربي؟ على الرغم مما وُضع من دراسات وبحوث وما أنشئ من مؤسسات وما وضع لتنظيمها؟ لا تزال العفوية تغلب على حركة الترجمة، ولم ينظمها تخطيط محكم وتنسيق كافٍ. المدير العام للمنظمة العربية للترجمة، الدكتور الطاهر لبيب، يصف الوضع بأنه كارثي. وأعتقد أن المترجم العربي يفتقر إلى أطر قانونية وإلى أطر تدريبية ملائمة، وإلى مؤسسات مثل ما هو موجود في استراليا، إذ لا يمكنك ممارسة الترجمة في استراليا ما لم تستطع تجاوز امتحانات معينة، حتى توافق عليك مؤسسة مهنية لها ثقلها القانوني وثقلها المعنوي في المجتمع.

بالنسبة إلى قضية تعليم اللغة الإنجليزية وقضية البحث العلمي باللغة الإنجليزية، لماذا نشعر بالتهديد إذا بحثنا وكتبنا باللغة الإنجليزية؟ في ألمانيا يُقال وحسب بعض الإحصائيات بأن 90% من البحوث في ألمانيا تكتب باللغة الإنجليزية، وفي اليابان تصدر البحوث عن العلماء اليابانيين باللغة الإنجليزية، ولا أعتقد أن هناك مبرراً للخوف من إدخال اللغة الإنجليزية في التعليم العالي، وأما قضية الاحتفاظ بالهوية وقضية علاقة اللغة بالهوية فهذه قضية يجب أن نبحث لها عن حلول على المستوى القطري والقومي.

حبيب الصايغ:

واقع دولة الإمارات مختلف عن الكثير من الدول، حيث نعاني من اختلال التركيبة السكانية وفوضى سوق العمل، ولا يمكن القول إن من ضمن الحلول تدريس اللغة الإنجليزية، أي أن تكون لغة تعليم، وقد شاركت في مؤتمرات عدة خلال عام ،2009 ووجدت أن هذه المشكلة موجودة ولو بشكل آخر، في مصر والمغرب وليبيا، وجميعها تعاني من مسألة إحلال اللغة الإنجليزية على العربية، وفي الإمارات قد يكون من التمدين أن يتكلم الطفل باللغة الإنجليزية، وأن من المعيب التكلم باللغة العربية، وهذه مشكلة معقدة.

د. عبد الفتاح أبو السيدة:

هدف الترجمة هو الوصول إلى المعرفة، فإذا استطعنا الوصول إلى المعرفة عن طريق تعلم اللغة الأجنبية، فما الخوف من ذلك؟

د. منى البحر:

تعددية اللغة إثراء للإنسان، وإثراء للمعرفة بشكل عام، لكن أن تحل لغة وتكون بديلاً عن لغة أخرى، فهنا تكمن المشكلة، فاللغة ليست وسيلة تواصل فقط، وإنما هي محملة بكافة الرموز، الثقافية، الفكرية.. إلخ، وعملية الإحلال تؤثر في الهوية، وننحن نفكر باللغة ونعيش في سياق لغوي ونتفاعل عن طريق اللغة، وبالتالي تقلقنا في الإمارات مسألة إحلال اللغة بشكل كبير، وشخصياً أكتب بالإنجليزية وأقرأ بالإنجليزية ولدي بحوث بهذه اللغة وآمل أن يكتب ويقرأ أبنائي وأحفادي باللغة الانجليزية، وليس هذه اللغة فحسب وإنما لغات مختلفة، لكن أن تهيمن لغة على أخرى، فهذه مشكلة والهيمنة اللغوية لم تأت من فراغ، وإنما العالم الآخر هو الذي أسهم وعمل على ذلك.

د. عبد الواحد لؤلؤة:

لدي ملاحظات بسيطة حول ما يدور من حديث بين وقت وآخر، عن الترجمة ومشكلاتها في الوطن العربي. النقطة الأولى هي كثرة التشكي من قلة ما يُترجم في البلدان العربية، بالقياس إلى بلد مثل إسبانيا أو فرنسا أو ألمانيا. المشكلة أننا ننظر بعكس المنظور، والسؤال الكبير هو ما نسبة القراء في البلاد العربية حتى نتباكى على قلة الترجمة أو قلة الكتب المؤلفة؟ هذه نقطة مهمة جداً، فإذا كان حجم الإنتاج في إصدار الكتب لا يقارن بين إسبانيا والدول العربية، فإن هذا مرتبط بالقراءة، والكل يعرف والجميع هنا ممن سافروا إلى فرنسا وغيرها من البلدان، يلاحظ أن الشخص يخرج من الترام وفي يده كتاب يقرأه، وهذا يحدث في السيارات ومواصلات النقل وأماكن عامة وخاصة كثيرة، وهو غير موجود في بلادنا العربية مع الأسف الشديد.

بالنسبة للنقطة الأخرى المتصلة بالجهود الفردية والجهود المؤسساتية، يمكن القول إن هذه الجهود، أي المؤسساتية ممتازة جداً، بمعنى أنها تشكل رعاية للمترجم وللمشروع، لكنها قليلة جداً في بلداننا العربية.

الجهود الفردية ليست سيئة دائماً، وهناك أمثلة لأناس أغنوا وأثروا الثقافة العربية بجهودهم الفردية، فمثلاً أستاذي المرحوم جبرا إبراهيم جبرا، ترجم ما يقارب الأربعين كتاباً من أمهات الكتب في الفلسفة والأدب والفن، وكله بجهود فردية، وكنا نلتقي تقريباً بشكل شبه يومي، أو نتواصل عبر التلفون، لكن لأنه رجل معروف ويعرف اللغتين ولخبرته، يُدفع له كما يدفع لأعلى مكافأة في الترجمة، وهذا كان يحدث في وزارة الثقافة في بغداد قبل عشرات السنين.

بالنسبة لجهودي الفردية، قمت بترجمة موسوعة المصطلح النقدي التي ربما سمع عنها أغلب الحاضرين هنا، وهذه موسوعة صدرت في بريطانيا في جامعة مانشيستر، وإلى يوم تركي بغداد منذ أول الثمانينات، كنت قد أنهيت ستة عشر جزءاً من أصل أربع وأربعين جزءاً، والآن وصلت الأجزاء إلى ثلاثة وسبعين، لكن ترجمتي توقفت، لأنه لا يوجد ناشر، والناشر يقول لي اجلب لي دعماً وسأوافق على الترجمة، وأخبرته بأنني لست تاجراً، والمؤسف أن الموسوعة وصلت إلى ثلاثة وسبعين جزءاً، ولدي منها أربعة وأربعون وما ترجم ستة عشر فقط، فهذه الحقيقة جهود فردية وكانت تدعمها وزارة الثقافة، بالرغم من كل ما قيل عن العهد الماضي، لكن كان هنالك أناس يفكرون، والشيء المهم في الجهود الفردية أن هناك من يُقدِّر وهناك من يعرف المترجمين، وقد تقدم أناس بنصوص مترجمة لكنها رفضت، لأن المشرف عليها يعرف أي المواضيع مهمة.

مثال آخر على الجهود الفردية، هناك الجهد الجبار الذي قامت وتقوم به الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي، وأنا أتعاون معها منذ العام ،1980 وهي أخرجت أكثر من أربعين كتاباً بجهود فردية والحقيقة أنها تتلقى دعماً من السعودية.. إلخ، ولأنها معروفة وعملها متميز فهي تتلقى الدعم.

د. عفاف البطاينة:

أنا من الأعضاء المؤسسين للمنظمة العربية للترجمة، وليس لي علاقة بما يدور فيها، لكن الاختيار لما يتم من كتب هناك، لا يتم عن طريق شخصي ولا من قبل الدكتور الطاهر لبيب، وإنما هناك لجان متخصصة لكل حقل معرفي، وهؤلاء أساتذة كبار من الوطن العربي وكل في مجاله، وكل لجنة تتكون من خمسة إلى ستة أشخاص على الأقل، واللجنة هي التي تقوم بالاختيارات لهذه الكتب، وهناك ترجمات من الإيطالية ومن الإنجليزية...إلخ، والمنظمة تعمل منذ عام ،2000 والمعوق الأساسي بالنسبة لها هو عدم توفر الجانب المادي، لكن بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم وبالتعاون مع دعم مشكور من كثير من المؤسسات العربية، تم التمكن من إخراج عشرات الكتب، والجهود ليست بشخص يقوم باختيار عمل أو يحدد المجال الأكاديمي، وأعتقد أن قراءة اللائحة بالكتب التي صدرت قد تعطينا مؤشراً مختلفاً.

محمد عيد إبراهيم:

أود أن أشير إلى تعدد اللغات، فنحن دائماً نتجه إلى الغرب ونرى بأنه أصل المعرفة وأنه لا بد أن نترجم عنه، والصين حالياً ثاني اقتصاد في العالم، وتسعى لأن تكون الأولى في العالم، وتقريباً عدد الذين يتحدثون اللغة الصينية في العالم يوازي عدد المتحدثين باللغة الإنجليزية، ولا بد أن ننتبه إلى الشرق بلغاته، فهو الحاضنة الثقافية الفعلية لنا في الوطن العربي. وباعتقادي أنه كلما ترجمنا أكثر بالتأكيد سنجلب قراءً أكثر، وهناك أجيال طالعة في الوطن العربي وهي مُشرِّفة وكلها شوق للمعرفة، من دون إغفال المظاهر السيئة التي قد تبدو على الشباب في الوطن العربي.

مريم جمعة فرج:

سمعت بوجود حراك جديد في مجال الترجمة، لكن المشكلة في الوطن العربي أن هناك أشياء تغيب عن الإنسان والمجتمعات بشكل عام، إذ تطرح الترجمة بشكل عشوائي، ثم ما هي الترجمة كمفهوم؟ الحقيقة أننا نجهل الدور الخطير الذي تلعبه الترجمة، ونخلط بينه وبين مفاهيم كثيرة، ومنذ قليل اختلفنا على مسألة إن كانت الترجمة تعزز من ثقافتنا وهويتنا، أو أنها تقضي على الهوية كما يحدث في موضوع الإحلال اللغوي، والترجمة سلاح خطير، أي أنها عملة لوجهين، وقد يشعر الإنسان بأن دور الترجمة مغيب في الوطن العربي على مستوى المؤسسة وعلى مستوى المجتمع بشكل عام، والمشكلة أن بعض المؤسسات ليست قائمة على منظور علمي ولا توجد منهجية لديها، والحقيقة أننا لا ندرك أهمية الترجمة، وكل ما نعرفه هو ترجمة كتاب، ترجمة فكرية، ولا نُترجم أنفسنا للآخر، بمعنى أننا لا نقوم بترجمة فكرنا ولا نتعب عليه، وإذا كنا في مرحلة الحداثة، فإن البلدان الأخرى تسبقنا بكثير وهي في مرحلة ما بعد بعد الحداثة، أي أننا فقراء في هذه الناحية.

د. محمد طبيشات:

هناك تراجع في دور الترجمة واستيلاء غير متخصصين عليها، فضلاً عن تراجع دور الدولة في دعم مسألة الترجمة، وتغول أو تقدم السوق على حساب دعم الترجمة، وهذه قضايا مهمة يجب أخذها بعين الاعتبار من أجل زيادة الاهتمام والنهوض بواقع الترجمة في الوطن العربي. هناك مقال نشر في أمريكا عن صحراء البحث العلمي في العالم العربي، ويتضح منه وجود تراجع في مسألة الترجمة وانغلاق الثقافة العربية المكتوبة عن الثقافات الأخرى، وصحيح أن هناك انغلاقاً في الثقافة المكتوبة، لكن في المقابل هناك انفتاح في الثقافة المحكية أو الشفوية، وهذا الانفتاح هائل وغير مراقب.

أتفق مع الإخوة والأخوات الذين تركز حديثهم عن تراجع دور الدولة في دعم الترجمة، وبروز العولمة وتغير مراكز الإنتاج الثقافي في الوطن العربي، من دمشق إلى بغداد والقاهرة، إلى دبي والبحرين أو السعودية، الكويت...إلخ. الترجمة لها علاقة وثيقة جداً بمقولتين، مقولة التاريخ ومقولة الثقافة، فبالنسبة للتاريخ يمكن القول إن الترجمة ازدهرت في العالم العربي الإسلامي في بغداد، حينما التقت الثقافة العربية الإسلامية مع الثقافة الفارسية والرومانية واليونانية، وكان هناك اهتمام مؤسسي مركزي من قبل السلاطين في جعل الثقافة تنجح وتمتد. والآن لو نظرنا إلى حال الترجمة في الواقع الحالي، سنلاحظ أنها ازدهرت مع صعود الدولة القومية، أي دولة ما بعد الاستعمار، وهي نسخة عن الدولة القومية الأوروبية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، والملاحظ في ترجمة الكتب العلمية والأدبية وعلم الاجتماع، أن هناك في الترجمة الحديثة أو ما بعد الاستعمار، حضوراً شديداً جداً لمفهوم الهيمنة، أي مفهوم هيمنة ثقافة على ثقافة أخرى، وهناك حضور شديد جداً للترجمة الحرفية والترجمة التقنية، عكس الترجمة المعنوية القائمة على قدرة المترجم على استيعاب وامتصاص الثقافة القادمة وخلقها بحلة جديدة، وهنا تأتي مسألة الترجمة الخلاقة أو الترجمة المبدعة. يوجد دكتور مهم اسمه طلال الأسد وله بحث متميز عنوانه مفهوم الترجمة الثقافية في الأنثروبولوجيا الاجتماعية البريطانية، وهذا المقال هو واحد من المقالات القليلة جداً التي تركز على علاقة الثقافة البريطانية الحديثة بالثقافات المختلفة، والمقال يركز على مفهوم السلطة، ويتحدث عن وجود علاقة صراع تربط بين الثقافات. الدكتور عبد الواحد تحدث بشكل جيد عن دور المؤسسات، والحقيقة أنه لا يمكن الحديث عن الفرد بمعزل عن المؤسسة والجماعة، وإذا تحدثنا عن نمو الترجمة وازدهارها في العصر العباسي، فقد كان هناك مشروع تاريخي، ونمت الترجمة في الخمسينات والستينات بسبب وجود مشروع تاريخي، وتوجد مقولة للطاهر لبيب حينما سألوه لماذا يكتب ويفكر بالفرنسية، فأجابهم بأن اللغة الفرنسية غنيمة حرب، أي أنها أننا لو نظرنا إلى اللغات الأخرى باعتبارها غنيمة حرب، أي أنها تثري ثقافتنا وتجعلها أكثر قدرة على التعامل مع العالم المعاصر بجوانبه المتجددة والمتغيرة، فإنه بإمكاننا التعامل مع الترجمة بشكل أفضل وأكثر فاعلية.

لا حظت من الإخوة الذين سبقوني في الحديث، تركيزهم على الثقافة الكاتبة، والحقيقة أن الثقافة الكاتبة والثقافة المكتوبة هي جانب واحد فقط من الثقافة، وفي الوقت الراهن هناك الثقافة غير المكتوبة، أي المحكية، وهذه منتشرة بشكل كبير ويصعب القبض عليها، بمعنى القبض على اللغة نفسها والسيطرة عليها، وهذه مهمة جداً.

د. عبد الفتاح أبو السيدة:

لدينا برامج ترجمة في الوطن العربي، وندرب المترجم القانوني والإعلامي والعلمي، ومؤسسة محمد بن راشد مثلاً تتميز بوجود فريق، والحقيقة أننا نعاني من الترجمة الفورية، إذ هناك قحط شديد في هذا الموضوع.

كامل يوسف:

أريد أن أقوم بعملية تجليس للبعد الأول الذي نتحدث عنه، وهو.. ما هو الواقع الفعلي لقطاع الترجمة في الوطن العربي؟ الترجمة تتركز على التنمية، وإذا كان نشاط الترجمة متخلفاً فإن واقع التنمية متخلف. دعوني أشر إلى تجربة أتابعها منذ ثلاثين عاماً، وهي التجربة اليابانية، حيث ترجمت حوالي عشرة آلاف صفحة من الفكر والأدب الياباني، إذ هناك شخصية مهمة هو السيد (كونيوكاتاكورا) وقد كان يشغل منصب رئيس مؤسسة الثقافة اليابانية، وقال إن تنميتنا الاقتصادية حصراً تتقدم وبالتالي تتقدم الترجمة، وإذا انحسرت التنمية الاقتصادية فإن الترجمة ستنحسر، وضرب مثالاً لذلك بأن أول قاموس مستورد من أمريكا دخل إلى اليابان كان عن طريق (يوكيتشي فوكازاوا) ويعتبر الشخصية الموازية لرفاعة الطهطاوي عندنا، وقد استورد ذلك الرجل القاموس الأمريكي عام 1859.. ما أريد قوله إنه لا بد من النظر إلى الترجمة وقياسها من حيث إلى أين نحن في التنمية. أرجو أن نلاحظ هذه الصلة الوثيقة بين التنمية بمعناها الشامل وبين الترجمة، وأظن أن من المهم المعرفة بأن الترجمة ليست ترفاً، وإنما هي جزء من حركة المجتمع ونشاطه.

بعض الإخوة تطرقوا إلى دور المؤسسات في عملية الترجمة، ويبدو أن هناك بلداناً لديها برامج ومؤسسات مختصة بالترجمة وحال الإمارات من ذلك، بينما نجد بلداناً أخرى ليس لها علاقة بالترجمة وسنلاحظ أن التنمية الاقتصادية عندها ضعيفة. أشارك الدكتور عبد الواحد مرارته حول عدم الاستفادة من الكوادر والخبرات الفردية، وهناك الكثير من الحالات التي تعاني من التهميش.

حبيب الصايغ:

هذا واقع ثقافي ليس فقط في الترجمة، إذ نجد أن المؤسسات الثقافية تستشير من ليس لهم علاقة بالثقافة، ومن يقوم عليها أيضاً هم أناس لا علاقة لهم بالثقافة، وكأن ذلك مقصود.

ماجد الماضي:

عندما نتحدث عن واقع الترجمة في الوطن العربي، نتحدث عن ما الذي نترجمه الآن، من يترجم؟ لمن يترجم؟ وكيف نترجم؟ وكيف نوزع ونوصل هذه الترجمات للقارئ؟ طبعاً هذا لا يعتمد فقط على الترجمة، لكن عندما نترجم يصبح هناك كتاب، وهذا الكتاب لا بد أن يصل إلى القارئ. نبدأ بماذا نترجم؟ حينما أطلقنا برنامج ترجم في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، نختار العناوين التي نترجمها، ومثلاً نطلب من قسم الاستراتيجية تزويدنا بالعناوين، ونطلب من دور النشر إعطاءنا العناوين المطلوبة، وهي تعطينا العناوين الأكثر رواجاً في العالم، لكي تستفيد من الضجة الإعلامية للكتاب نفسه، وهذا يعتبر انتشاراً كبيراً بالنسبة لها، لكن هل الكتاب الأكثر رواجاً هو الكتاب الأفضل وهو الكتاب المطلوب ترجمته؟ نجد قسم الاستراتيجية في مؤسستنا يعطينا الكتب المطلوبة في الوطن العربي، بناءً على استبيانات ودراسات وحاجة السوق أيضاً، ولا أقصد بالسوق هنا المادة أو الربحية أو الاستهلاك، ولا نترجم قصة نجاح فلان في أمريكا، لأن هذا الكتاب لقي رواجاً كبيراً مثلاً، لكن نترجم كتباً تلقى رواجاً وهي مفيدة للقارئ وبحاجة لها في الوقت نفسه. من يترجم، الأفراد أم المؤسسات؟ طبعاً لا بأس بأن يترجم الأفراد، لكن دائماً يحتاج المترجمون إلى دعم من قبل المؤسسات، ونأمل أن نصل في يوم من الأيام إلى الوقت الذي ننشر ونترجم فيه الكتب من دون دعم المؤسسات، لكن نحتاج فعلاً في هذه اللحظة إلى دعم المؤسسات للمترجمين والأفراد. بالنسبة لمسألة التخصص في الترجمة مثل متخصص في الفلسفة يترجم كتاباً فلسفياً، فهذا مهم، لكن من الضروري مثلاً في حال ترجمة كتاب من قبل مترجم غير مختص، أن يعرض على مدقق مختص لتحرير أو تدقيق المادة العلمية، ولو تحدثنا عن ترجمة من اللغة الإنجليزية إلى العربية، فيجب أن تكون هناك مراجع للغة العربية لكي يتم التأكد من اللغة والأسلوب، كما يجب أن تكون مراجع من الاختصاص لكي يتم التأكد من نقل المادة العلمية بشكل صحيح. حينما نترجم الكتب، يجب ألا ننتظر معارض الكتب لكي يصل الكتاب إلى القارئ، والحقيقة أنه يجب أن تكون هناك مؤسسات لتوزيع الكتاب بشكل يصل إلى القارئ العربي.

فراس الشاعر:

طبعنا عدداً هائلاً من الكتب في السنوات السابقة، ونرى ما يحدث في الترجمة، ونرى مشكلاتها أيضاً، وما أريد قوله إن الواقع الذي آلت إليه الترجمة يعود إلى أمور رئيسة، أولها النزعة الفردية التي طغت، وأقصد أن المترجم الآن في الوطن العربي هو وحده في هذه المنطقة من لا يستثمر مخرجات المعرفة والتكنولوجيا. في كثير من البلدان الأخرى، قطعوا شوطاً كبيراً في الاستفادة مما يسمى باللغويات المحوسبة، ونجد أن معظم اللغات لها مكنز أو مدونة، وهذا المكنز بمثابة المحيط الكبير الذي نغرف منه ليل نهار، والآن هناك كثير من الكلمات تحددت بين اللغويات الأخرى، بمجهود جماعي كبير، نحن الآن في في الوطن العربي، ما زلنا ننهج النهج الفردي، والكثير منا ما زال يتعامل مع الترجمة بطريقة البطولة، ففي كثير من الأحيان هناك من يقترح مصطلحات جديدة، يطرحها إلى السوق، وهذا يخلق فوضى، وفي كثير من الأحيان نتحدث عما يسمى مجامع اللغة العربية، وليس أدل على حالها من تعددها، فنحن الآن أمام أكثر من أربعة مجامع، وكل منها ينظر للغة ويطرح مصطلحات، والحقيقة أننا الآن ما زلنا قبل مرحلة ما يسمى بمخرجات التكنولوجيا في الوطن العربي، وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى فوضى كبيرة جداً. الآن عصر المترجم الفرد من وجهة نظري ذهب بلا عودة، ويجب أن نستخدم الثقافة الجمعية في التوصل إلى تطوير الترجمة، فلو نظرنا مثلاً إلى محرك مثل (غوغل) وقارنا الترجمة التي كان سيقوم بها (غوغل) قبل عشر سنوات، والترجمة التي يقوم بها (غوغل) الآن، سنجد أن هناك فرقاً كبيراً جداً، لأن (غوغل) يستثمر وجهات نظر الناس، ولديه ثقافة جمعية تراكمية للكثير من الجهود، ويطلب من البشر أن يدخلوا إلى الموقع ويقومون بالتصحيح، كما هو الحال في موسوعة ويكبيدا التي أصبحت على درجة عالية من الدقة، وهذا يحدث الآن في الترجمة الآلية، وهي في الحقيقة ليست لعنة، لكنها في اللغة العربية لعنة، لأنه ليس لدينا المسارد والمكانز الكافية حتى نغذي هذه الترجمة. ثم إننا الآن نعيش في منظومة حضارية، وفي هذه المنظومة تطرح دوافع مختلفة للترجمة، فأمريكا مثلاً تترجم واليابان تترجم، والوطن العربي يترجم، ولكل منهم دافع، فأمريكا تترجم حتى تمتلك الريادة وتسود، واليابان تترجم حتى تواكب، ومثلها بلدان أخرى، أما نحن في الوطن العربي فتجدنا مجبرين على الترجمة، بمعنى أننا نترجم من دافع التخلف، ولا أقصد التخلف بالمعنى الأخلاقي، لكن إذا كنا في يوم من الأيام نعدو خلف عجلة الحضارة، فنحن الآن نعرج خلفها، والترجمة ليست أمنية ولا متعة، وإنما هي حاجة ضرورية جداً، ونحن سنبقى في هذا الإطار، ولأننا في هذا الإطار فإن الترجمة تعتبر قدراً علينا، وتضعنا ضمن تحديات كبيرة جداً، أضف إلى ذلك المخرجات والمصطلحات التي تُطرح ليل نهار في السوق، لأنه ليس لدينا وقت من الأصل، بأن نقف ونعيد النظر فيها، ومن المهم معرفة أين نقع في مستويات الترجمة بالنسبة إلى العالم، والدافع الآخر المهم، هو حال اللغة العربية، وقد كنت أتحدث قبل قليل مع بعض الزملاء هنا وقلت لهم إن جميع الكتب التي ترجمت قبل أربعين عاماً أو خمسين عاماً، هي كتب جيدة جداً، وتقرأ وتفهم، وهي خير تمثيل للأصل الذي نقلت عنه، وهذا لا يحدث الآن، خصوصاً مع وجود كافة الإمكانيات الهائلة التي تتوفر بين يدينا الآن، وذلك مرده أن الذين قاموا بالترجمة في السابق كانوا يمتلكون اللغة العربية لغةً لهم، وهم كانوا يتحدثون بها ويستخدمونها، وحين ينقلون فإنهم ينقلون نقلاً صحيحاً. اليوم من أكبر المطبات في موضوع الترجمة، هو اللغة العربية وليس اللغة الإنجليزية أو اللغة التي نأخذ منها، لأن الذين يترجمون في الغالب لا يمتلكون هذه الأداة، ولا يستطيعون أن يقوموا بنقلها، وبالتالي فإن أي نظرة في موضوع تطوير الترجمة، تتطلب النظر إلى اللغة العربية وليس العكس، ويعتقد الناس أن الترجمة إلى اللغة الإنجليزية أصعب بكثير، وأنا أخالفهم في ذلك.

باسمة يونس:

لم تُذكر وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع على أن لها جهداً في الترجمة، لأن هذا الجهد لا يزال حديثاً ووليداً، وفي قسم النشر في الوزارة، تتنوع إصداراتنا بين الأدبية وإبداعات الشباب، وأيضاً لدينا جزئية الترجمات التي لم تصدر أكثر من عشرة كتب بجهود فردية، بالاتفاق مع الوزارة. أتفق مع الإخوة الذين تحدثوا عن الترجمات الفردية، وهي في الحقيقة أفضل في الأعمال الإبداعية من الترجمات المؤسسية، لأن المبدع الذي يريد أن يترجم كتاباً، يضع فكره في ذلك العمل الإبداعي، ولا بد للمترجم أن يحب العمل الذي ينقله إلى العربية حتى يترجم بشكل جيد، وألا يعتمد على مؤسسة تطلب منه بأن يترجم عملاً فكرياً لسبب ما، أما في مجال ترجمة الفكر والعلوم، فهذه يجب أن تكون منظمة عن طريق المؤسسات.

كانت لدينا ندوة عن واقع الترجمة في العام ،2002 أقامها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في الدولة، ومنذ العام 2002 حتى ،2010 ما زلنا نتحدث عن الموضوع وندور في حلقة الإشكاليات نفسها التي طرحناها في تلك الندوة ونطرحها الآن، وهذا يعني أنه ليس هناك تغيير كبير في الواقع الذي يخص الترجمة، والإشكاليات التي تواجهها الترجمة ما زالت كما هي لم تراوح نفسها، ولا يوجد هناك تفريق بين عمل الترجمة في مكاتب الترجمة في الإمارات، إذ يمكن أن يذهب شخص إلى مكتب ترجمة عادي يعمل فيه أي مترجم يعرف اللغة العربية أو الإنجليزية، من دون أن تكون لديه اللغة الأم الأساسية في التعبير والكتابة، ويقدم لهم كتاباً أو بحثاً، ثم يخرج الكتاب وينشر في اليوم الثاني، ويقدم على اعتبار أنه جزء من الأعمال المترجمة، والحقيقة هذا خطأ فادح، إذ لا يوجد تنظيم لمكاتب الترجمة، ولا يوجد لدينا اتحاد مترجمين، ولا جمعية تهتم بأعمال الترجمة في الإمارات، لكن كانت هناك محاولة من وزارة العدل، والوزارة هي المسؤولة عن المترجمين القانونيين.

الجميع يعلم أن لدينا في كل جامعة كلية أو قسماً للترجمة، وحتى هذه اللحظة لم ألاحظ أي شخص يخرج من هذه الأقسام ويقدم عملاً فكرياً وإبداعياً، ولم تترجم كتب إلا من أقسام اللغة العربية، ولا أدري لماذا لم يخرج مترجمون من أقسام الترجمة، وربما لأن الترجمة التي تدرس هي ترجمة المصطلحات، التي تختلف عن الترجمة الإبداعية. حتى في مسألة قياس الترجمة، فهذا مغيب،..هل نقيس مثلاً الأعمال الإبداعية كأدب، أم نقيس نسبة الكتب التي تترجم علمياً؟ أكثر الكتب التي تصلنا إلى الإمارات بلغات أخرى، تأتي الترجمة معها، وهي كتب مشهورة، مثل كتاب (هيلاري كلينتون) الذي جاءت معه النسخة العربية في اليوم نفسه، فضلاً عن كتب تحسين الذات المنتشرة حالياً بشكل كبير، حيث تأتي معها النسخ العربية، فهل نريد مثلاً أن نترجم بشكل عكسي، أي من الأدب والثقافة الإماراتية إلى الخارج، أم العكس؟ طبعاً الترجمة الأدبية صعبة وهي تضيع بين الأقلام والأفكار، وجبرا ترجم شكسبير، وهناك من ترجم أيضاً شكسبير، لكن في كل مرة تختلف الترجمة، والأمر نفسه ينسحب على رباعيات عمر الخيام التي تُرجمت لأكثر من لغة وأكثر من شخص، وكل مرة كان فيها معنى مختلف ومفسر بناءً على ثقافة المترجم ووجهات نظره حيال نقل النص.

هناك مشاريع مثل: كلمة وترجم وترجمة، ولماذا لا تعيد ترجمة بعض المؤلفات التي تمت ترجمتها مثلاً، ولماذا لا يكون هناك تعاون بيننا كأقسام مثل التعاون مع أقسام الجامعات، كأن يكون هناك مشروع كبير أو مركز كبير للترجمة يؤسس لترجمة مبدعة؟

في الإمارات بشكل خاص وحتى في الوطن العربي، تجد الكثير من الناس تعلموا لغتين وثلاثة، ولم يعد هناك حاجة إلى شراء كتاب مترجم، طالما يمكنني قراءته من الكتاب الأصلي. ثم لماذا نترك الغرب أو الآخر هو الذي يترجم لنا؟ هناك كتب وأذكر هنا بشكل خاص في السعودية، وهي كتب وروايات ترجمت ومع الأسف لا تمس الواقع السعودي بشكل صحيح، والحقيقة أن الترجمة قد تتحول إلى حرب سياسية خفية كما ذكر، ولا بد من ذكر هذه الواقعة، إذ كان لنا تعامل مع شركة ترجمة، ترجمت لنا كتاباً عن الإمارات، وحينما قرأنا الترجمة صدمنا بما كتب، إذ من كتب ذلك هم أجانب ولا علاقة لما كتبوا عن واقع الإمارات، وبعد أن تمت ترجمة الكتاب بشكل حرفي، أوقفنا العمل وبدأنا مراجعة الترجمة. دعونا ننظر إلى ما يوجد في السوق، فهل قرأنا على سبيل المثال ما يوجد هناك؟ طبعاً لا، والحقيقة أن أكثر هذه الكتب تباع وتخرج من الإمارات وتتحدث عن الإمارات وحتى عن العرب بشكل سيئ وبعيد عن الواقع.

المشاركون في الندوة

إبراهيم خادم:

رئيس قسم الترجمة في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم.

باسمة يونس:

رئيسة التأليف والنشر والترجمة في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع.

د. عبد الواحد لؤلؤة:

مترجم

د. عبدالفتاح أبوالسيدة:

نائب عميد كلية الآداب في جامعة الشارقة، وأستاذ علم اللغة في قسم اللغة الإنجليزية.

د. عفاف البطاينة:

دكتورة في الأدب العربي جامعة زايد

فراس الشاعر:

مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم قطاع إنتاج المعرفة

كامل يوسف:

رئيس قسم الترجمة في جريدة البيان

ماجد الماضي:

محرر أول في قسم النشر، مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم

محمد عيد إبراهيم:

شاعر ومترجم

مريم جمعة فرج:

قاصة ومترجمة

د. محمد طبيشات:

دكتور الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع جامعة الإمارات

د. منى البحر:

مستشار تنفيذي أول لبرنامج التنمية الاجتماعية في مؤسسة الإمارات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"