عادي

علم الاجتماع يكسب إميل دور كايم الأعداء

01:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»

يعتبر كتاب «قواعد المنهج في علم الاجتماع» لإميل دوركايم أحد المؤلفات الكلاسيكية في العلوم الاجتماعية، فقد نشره «دوركايم» عام 1895، وتابع فيه التقليد الذي بدأه أوجست كونت من قبله، والذي يطالب بضرورة اعتبار علم الاجتماع علماً وضعياً شأنه شأن العلوم الطبيعية الأخرى
حتى يستطيع علم الاجتماع أن يصل إلى هذه الغاية يتعين أن نتعرف تماما إلى مناهج هذه العلوم، وأن ندرك بوضوح كيفية استخدامها في دراسة الظواهر الاجتماعية، ويستند ذلك كله إلى ركيزتين أساسيتين، فمن الضروري أولاً تحديد موضوع الدراسة في علم الاجتماع، تحديدا لا يجعل هذا العلم يختلط بأي دراسة علمية أخرى، ومن الضروري ثانيا أن يكون هذا الموضوع من الموضوعات التي يمكن ملاحظتها وتفسيرها بنفس الطريقة، التي نلاحظ ونفسر بها تلك الظواهر التي تدرسها العلوم الأخرى، وهاتان الركيزتان هما الأساس الذي قام عليه كل ما ذكره دوركايم من قضايا وأحكام وآراء منهجية في مؤلفه «قواعد المنهج» ومن هنا فإنه لم يكتف بجعل هذا الكتاب مجرد مؤلف في مناهج البحث الاجتماعي أو طرائق البرهان العلمي، وإنما ضمنه المبادئ الأساسية للتفسير والتحليل السوسيولوجي.
يحتوي الكتاب على كثير من آراء دوركايم التي عرضها في كتابه «تقسيم العمل الاجتماعي» لكنه آثر أن يقدم نتائج هذا البحث- كما يقول- على حدة، وأن يرفقها بأدلتها ويصورها بأمثلة، أخذها من هذا الكتاب الأخير، ومن كتب أخرى له، لم تكن قد نشرت بعد، وكان ظهور كتاب «قواعد المنهج في علم الاجتماع» سبباً في تعجيل نشأة المدرسة الاجتماعية التي انضم إليها كثير من الفلاسفة والمؤرخين واللغويين والاقتصاديين، الذين رغبوا في التعاون مع «دوركايم».أثار الكتاب لدى ظهوره لأول مرة كثيراً من المجادلات العنيفة، فقد مضى ما يزيد على القرن على إصداره، وحين صدر في طبعته الأولى أثار عواصف عنيفة، حركت العقول، وأثارت حملات من النقد القاسي (الأيديولوجي أحياناً والراجع إلى قصور الفهم أحيانا أخرى)، كما أثار في الوقت نفسه طوفاناً من التأييد والدعم والتوضيح والتطوير، وفي ظل النهضة النظرية التي شهدها علم الاجتماع العام في العالم، بعد أن تجاوز مرحلة التأسيس، بدأت نظرة رواد هذه المرحلة إلى مجمل إسهام دوركايم تتغير، وتبتعد عن النقد الأيديولوجي (السهل) كما تنأى بنفسها عن الحماسة المندفعة التي لا مبرر لها.
ويرجع هذا التحول إلى عدة أسباب يأتي في مقدمتها أن دوركايم - على خلاف أغلب مفكري علم الاجتماع- قدم إطاراً نظرياً يتميز بكثير من الوضوح والقدرة على الإقناع، وبالقليل من الغموض والإشكاليات، وقد أثبت تتابع أعماله الفكرية الأساسية للطاقة أن إميل دوركايم (ومدرسته معه وقبله) قد أرسوا جميعا أسسا راسخة لعلم الاجتماع الحديث يستحيل هدمها، بل يصعب الإطاحة بأي قسم من أقسامه.
وما أنجزه دوركايم بكتابه هو أنك تستطيع أن تجد طريقك إلى علم الاجتماع، وذلك لأن دعوته الشهيرة إلى تفسير الظواهر الاجتماعية بظواهر من النوع نفسه، أي ظواهر اجتماعية أخرى، هي نقطة البدء في أي دراسة يمكن أن تكون لها جدوى، وهي الإعلان عن استقلال ميدان علم الاجتماع برؤيته ونظرياته وأدواته.
لقد خلص دوركايم نظريته الاجتماعية من أي أحكام مسبقة بما نجده في كتاباته لكن كذلك بما حققه في بحوثه وبحوث زملائه وتلاميذه من أعمدة مدرسته الذين كانت تنشر لهم «الحولية الاجتماعية» أعمالهم، ولم تكن تلك المعارك بلا خسائر، فقد دفع فيها دوركايم ثمنا باهظا، فلا شك أن إصراره، الذي يبدو فيه شيء من التحيز الواضح، على الفكرة القائلة بأن علم الاجتماع هو أهم العلوم الاجتماعية قاطبة قد أكسبه الكثير من الأعداء في المؤسسة التعليمية عامة، وفي الحقل الأكاديمي خاصة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"