عادي
أفق

الرواية الاجتماعية

03:41 صباحا
قراءة دقيقتين
يسعى بعض الكتاب عند كتابة رواية إلى تقديم صورة موسّعة للمجتمع أو للحياة في حقبة معينة كما تجلت له هو، ويريد من النص الروائي أن يعبر عن ذلك الواقع، بكل ظواهره، فتراه يخترع لكل مشهد من مشاهد الحياة حدثاً أو حكاية، ولكل ظاهرة من ظواهر المجتمع ظرفاً لإبرازها، ولكل فكرة تمثيلاً ما، فيأتي سرده طويلاً متشعباً يحمل الكثير من المنعرجات، تكثر فيه المتاهات والأنفاق، وربما أورد عشرات الحكايات التي ليس لها رابط سببي واضح .
هل على الكاتب أن تكون روايته نموذجاً لكل ما يمور في المجتمع من ظواهر؟ وما التقنية التي تضمن له أن لا يتيه في شعاب الواقع الذي يريد نقله؟
الانطلاق الصحيح في كل سرد روائي هو أن يبنى على حكاية مكتملة، يتصدى لها الكاتب بإعمال خياله فيها، فيعيد صياغتها ويفصل فيها ويطابق حتى تصير رواية وتلبّي وجهة النظر التي يسعى إليها، فهذا الانطلاق نموذجي بالنسبة لأي كاتب، ويضمن له الأمان من كثير من المزالق التي قد يتردى فيها سرده إن غاب عنه مثل ذلك المسار . لكن هل هناك قصة تستطيع أن تقول كل شيء عن المجتمع أو الحياة؟ الإجابة التلقائية هي "لا"، ويمكن أن نقرر باطمئنان أن الكاتب ليس مطالباً أصلاً بقول كل شيء، أو تصوير كل شيء، فما يقدمه هو مثال ونموذج، والعبرة ليست بالأمانة في نقل الظواهر كلها، بل بوجهة النظر الكلية التي نصل إليها عندما نغلق الرواية على آخر صفحة فيها، والمعنى الذي يقر في أذهاننا من جماع الرواية والمشاعر التي تبعثها فينا، فبعد حين لن نتذكر التفاصيل الدقيقة، لكننا لن ننسى خلاصة الحكاية إذا كانت مؤثرة وذات دلالة، وهذا هو الأهم، وتلك هي الرسالة، وليست التفاصيل إلا وسيلة ضرورية لبلوغ ذلك المعنى الكلي، فعليه أن ينتقي منها يحقق ذلك الغرض .
في النماذج الروائية الجيدة، قد يعمد الكاتب إلى إعطاء صورة شاملة للمجتمع في حدود ما يسمح به مسار القصة التي يرويها، ومن دون أن يظهر فيها إقحام لحدث خارجي عليها، ومن أشهر ذلك رواية الحرب التي تسمح بتقديم نماذج بشرية وأحداث في مستويات متعددة من القصة، تبعا لتشعبات علاقات الأفراد والأحداث الكثيرة التي تمر على المكان، فيتكشّف تحت تأثير الأحداث الممارسات والقيم والتقاليد والثقافة التي يتبناها المجتمع، ومن النماذج التي لا تغيب عن الذهن رواية "وداعاً للسلاح" لأرنست همنغواي، ورواية "خان الخليلي" لنجيب محفوظ، ولا يقتصر الأمر على رواية الحرب، بل إن رواية الحدث عموماً تصلح لتشريح مركز للمجتمع ما دام ذلك لا يخل ببنائها العام، على عكس رواية الشخصية التي ترتبط أكثر بمسار حياة بطلها ولا تسمح بالابتعاد عنها كثيراً .

محمد ولد محمد سالم
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"