عادي
«العويس الثقافية» تحتفي بسيرته

حبيب الصايغ.. الشاعر الاستثنائي

03:20 صباحا
قراءة 4 دقائق

دبي: علاء الدين محمود

انعقدت أمس الأول على منصة «زووم»، أولى الجلسات الافتراضية لملتقى «حبيب الصايغ... سيرة الحداثة والتجديد»، الذي تنظمه مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، وتحدث خلالها كل من: د. سليمان موسى الجاسم، نائب رئيس مجلس أمناء المؤسسة، ود. مريم الهاشمي بورقة حملت عنوان «صناعة الذات الشعرية عند حبيب الصايغ»، وسامح كعوش بورقة «رثاء الأمكنة ثراء الرؤى.. جدل الكائن والمكان في نص حبيب الصايغ»، ود. محمد عبد القادر ، والذي قدم قراءة نقدية بعنوان «استهلاك المستقبل... غربة حبيب الصايغ المضاعفة»، في ما قدم سعيد الصقلاوي شهادة شخصية عن حبيب، وأدار الجلسة إبراهيم الهاشمي.

في المستهل، ألقى سليمان الجاسم كلمة ترحيبية، أكد خلالها على أن الراحل حبيب الصايغ قد تجاوز بتجربته الشعرية الآفاقَ المحليةَ والخليجيةَ، نحو الأفق العربي، ليصبح أحد أعلامِ الشعرِ العربي بجدارة، وانكب على تطوير خطابه الشعري دون أن تشغله في ذلك المسعى المناصب والمسؤوليات، فعمل على تجديد شكل القصيدة وإيقاعها ومضامينِها عبر أنماطِها الثلاثةِ «العمود والتفعيلة والنثر»، فتحولتْ إلى مرايا شعريةٍ ينتصرُ من خلالها لمكابدات الإنسان أياً كانْ، وأخرجها من محليتها إلى رحابة الهم اِلإنساني العام.

وذكر الجاسم أن الصايغ قد حقق للدولة مكانة كبيرة عبر توليه منصب الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب، والعديد من المهام، وكذلك عبر الكثير من المشاريع الثقافية، وأشار إلى فوز الراحل بعدد من الجوائز الأدبية الرفيعة ومنها جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في دورتِها الخامسة عشرة في حقلِ الشعر.

مفاتيح ودلالات

الناقدة مريم الهاشمي، غاصت عميقاً في عوالم الصايغ الشعرية بحثاً عن الدلالات والعلامات والمعاني المختبئة خلف الغموض البليغ في خطابه الشعري، والالتحام الشاعري بين الدال والمدلول، والعوامل التي شكلت تلك المفردة المختلفة عند الصايغ حتى رسم لنفسه منهجاً وأسلوباً شعرياً خاصاً، وذكرت أن نص الصايغ، يحتاج إلى مفاتيح تسبر غوره وتقدم، عبر فهم العلامات والتأمل في الدلالات، قراءة جديدة ومحاولة لاكتشاف الصناعة المبدعة والرؤية الكامنة وراء مهارة الكلمات، فالصايغ كان علامة فارقة في القصيدة الإماراتية، وترك إرثه الثقافي وحضوره الأدبي لأكثر من جيل.

ولفتت الهاشمي إلى أن القصيدة الإماراتية، بفضل الصايغ ورفاقه، قد خرجت على قوانين الشعر عند العرب بصورها وأشكالها التقليدية، عبر طريق طويل، قادت الجهود المبذولة فيه إلى ابتلاع جذور الرتابة والاجترار، الأمر الذي قاد إلى تجديد حقيقي.

وأشارت الهاشمي إلى ميزات وسمات تفرد بها شعر الصايغ ومنها بلاغة الغموض، والشعرية الصوتية واللونية المتفردة، ولئن كان العرب في الماضي يقيمون حاجزاً بين البلاغة بوصفها إفصاح، والغموض، فإن الصايغ قد أفلح في الجمع بينهما عبر خروج نصه عن القوانين المقيدة للغة الاعتيادية، فما يجعل النص الشعري غامضاً عند الصايغ، هو اهتزاز الصورة الثابتة بين الدال والمدلول، ومفارقته الطرق الاعتيادية في التعبير عن الأشياء.

رثاء الأمكنة

سامح كعوش قدم صوراً عديدة من داخل نصوص الصايغ، تلك التي تحتفي بالمكان لما له من حضور عميق وعريق في شعريته، ويعبر عن علاقة متينة بين الشاعر والأمكنة خارج حدود التقليدية، فالصايغ ظل ينشد على الدوام الشكل الأول الطبيعي والفطري الذي وجد عليه المكان قبل أن تطاله يد التحولات، حيث تنشأ علاقة ذكية من قبل شاعر من خلالها يعبث بالتفاصيل الصغيرة للمكان، فيعيد ترتيبه.

وشدد كعوش أن رثاء الصايغ للأمكنة، إنما هو حالة شعرية يريد من خلالها الراحل أن يطور موقفاً من المكان، بحيث يعيد صياغته، أن يبني جديداً على أنقاض القديم، وهي صور متخيلة شديدة التعقيد، ولكن الشاعر استطاع أن يعبر عنها في قصائد عديدة.

رهان المستقبل

الشاعر محمد عبد القادر سبيل ، أوضح أن الصايغ كان ظاهرة في حد ذاتها، وحالة شعرية بكل ما في الشعر من شجون وشؤون، فهو شخصية متشبثة بالمستقبل، وذلك الأمر يظهر في نصوصه وقصائده، فالاستبصار من صميم أهداف وغايات الأدب، وهناك الكثير من شعراء العرب الأقدمين قد اهتموا بالمستقبل وآفاقه، وقد ظل الراحل يقدم دائماً صوراً عن المستقبل عامرة بالأخيلة والدهشة، وظلت قصائده تبحث دائماً عن استجلاء القادم من زمن.

وذكر سبيل أن الاهتمام بالمستقبل وصناعته هي حالة إماراتية بامتياز على المستويين الفردي والجماعي، وهي تبدو واضحة في خطط الدولة واستراتيجياتها المتطلعة نحو الغد، حتى أصبحت تلك الحالة لصيقة بأسلوب حياة المجتمع، لذلك فإن الصايغ ظل يستشرف المستقبل، فقد عاش مثقفاً عضوياً ملتصقاً بقضايا بلاده وهمومها، حتى صار غريباً عن راهنه وحاضره، فهو شاعر الغد بامتياز، بل وذهب إلى أبعد من ذلك عندما صار يبحث في مستقبل المستقبل.

وقبيل الجلسة، تم عرض فيلم وثائقي حمل عنوان «وهج الشعر والحياة»، أعدته مؤسسة العويس، يوضح جوانب متعددة من سيرة حياة حبيب الصايغ منذ نشأته الأولى ومراحل تعليمه، ودخوله مجالات الصحافة والشعر، والمناصب التي تولاها ومشاركاته الخارجية والجوائز التي حصل عليها.

محطات متنوعة

تناول الشاعر والباحث سعيد الصقلاوي محطات متنوعة من حياة الصايغ، وذكر أن الراحل كان من رواد العمل الصحفي، وهو لم يكتف بالكتابة في مجال السياسة، بل تنوعت مقالاته مع تطور منطقة الخليج وازدهارها، وعكس في كتاباته الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، وقدم تجربة صحفية مميزة من خلال عمله في صحيفة الخليج.

وأكد الصقلاوي أن الصايغ في ميدان الشعر، قدم تجربة حديثة ومعاصرة، فقد التزم بالوزن وخرج عنه، وكذلك فعل مع اللغة، وقد كان ذلك الخروج تصويرياً وإبداعياً، لذلك فإن على من أراد الاطلاع على تجربة الصايغ أن يتسلح بمناهج حديثة وذلك لصعوبة الأمر.

وذكرت الهنوف محمد، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، أن الراحل كان بمثابة السند لها، فهو إلى جانب براعته في جميع الأنماط الشعرية التي طرقها من عمودي وتفعيلة ونثر، كان أباً ورجلاً يؤمن بدور المرأة، والحديث يطول ويصعب عن الصايغ الشاعر والإنسان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"