عادي
في تقرير عن حملة «أمة تقرأ»

«دبي العطاء» و«الهلال»: الحق في المعرفة يوازي الحق في الحياة

03:51 صباحا
قراءة 5 دقائق
دبي : «الخليج»

أطلق صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، حملة من نوع خاص في بدايات شهر رمضان هذه السنة، وهي حملة «أمة تقرأ»، التي تهدف إلى توفير 5 ملايين كتاب، وتوزيعها على الأطفال في مخيمات اللاجئين والمدارس في العالم العربي والإسلامي.
عن أهمية هذه الحملة وفرادتها، يقول طارق القرق، الرئيس التنفيذي لدبي العطاء، أحد شركاء الحملة: «عندما تصبح الحروب الإقليمية والصراعات الداخلية هي السمة السائدة لمرحلة تاريخية ما، فسنجد أنفسنا أمام نتائج كارثية على الوقع الإنساني بقيمه وأخلاقياته. هذه هي الآن سمة المرحلة، التي أنتجت ملايين الأسر المشردة، وملايين الأطفال والشباب الذي لا يستطيعون الحصول على الحدود الدنيا من حقوقهم، وفي مقدمتها التعليم، ليتمكنوا من ممارسة حياتهم الطبيعية أسوة بباقي البشر. مما لا شك فيه أن الحق في المعرفة والتعليم، بات يوازي الحق في الحياة. ونحن ملزمون إنسانياً بحماية هذا الحق».
أما محمد عبد الله الزرعوني، مدير فرع دبي لهيئة الهلال الأحمر، فيقول «إن الجهود الدولية الموجهة لمساعدة اللاجئين والفقراء، ما زالت في إطار توفير الحدود الدنيا من شروط الحياة، وهي مكان للعيش قد لا يتجاوز خيمة في أغلب الأحيان، والمواد الغذائية والطبية الأساسية، فضلاً عن التعريف بالقوانين المتعلقة بحماية المدنيين في زمن الحرب. حملة «أمة تقرأ» جاءت لتقول إن هناك المزيد مما نستطيع تقديمه، وهو توفير المعرفة للأطفال اللاجئين والفقراء، ومدّ يد العون لهم لتمكينهم من دخول المستقبل من بوابته الطبيعية. وهذه نقلة نوعية في شكل واجبنا الإنساني وقيمته تجاههم. نحن في الهلال الأحمر الإماراتي نشعر بفخر كبير كوننا نعد جزءاً من هذه الحملة وإحدى أدوات تنفيذها، لذا وضعنا كل إمكانات وموارد هيئة الهلال الأحمر ومكاتبها الخارجية لإنجاحها وتنفيذها بأسرع وقت. بحكم قربنا من اللاجئين لمسنا مقدار حاجة الأطفال والشباب إلى المعرفة والقراءة، فهيئة الهلال الأحمر تعدّ من المنظمات الإنسانية الأكثر حضوراً في شمال العراق ومخيمات اللاجئين في الأردن، لذا بدأنا بعملية توزيع مليون كتاب على اللاجئين في إقليم كردستان العراق، كما يشرف فريق الإغاثة الإماراتي على توزيع مليون كتاب آخر على اللاجئين السوريين في الأردن خلال الأيام القادمة».
تفيد البيانات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة، بأن عدد اللاجئين والنازحين قسراً من بلدانهم تجاوز 60 مليون شخص، أكثر من نصف هذا العدد هم أطفال، أي قرابة 30 مليون طفل، وذلك حسب التقرير السنوي الصادر عن المفوضية السامية للأم المتحدة لشؤون اللاجئين في يونيو /حزيران 2015. وهذا العدد يشمل ظاهرة النزوح الداخلي، أي الذين أجبروا على ترك مناطق سكناهم رغماً عنهم أو الذين غادروا بلدانهم بالمطلق.
وإذا أضفنا إلى هذا العدد ما ورد في تقرير للبنك الدولي صدر عام 2013 بأن أكثر من 400 مليون طفل في العالم يعانون الفقر والحرمان من أبسط الحقوق الأساسية مثل العلاج والتعليم، فسنجد أنفسنا أمام حقيقة مخيفة تتمثل بمئات ملايين الأطفال خارج مخططات التنمية، وخارج إطار العملية التعليمية، وهو الأمر الذي يهدد مستقبل البشرية وتعطيل طاقاتها الإنتاجية، كما يهدد نسيجها الاجتماعي نتيجة للمستقبل المظلم الذي ينتظر هذا الكم الهائل من جيل كان من المفترض أن يكون مشاريع لعلماء وأطباء ومهندسين وتقنيين.. الخ.
وبشأن العالم العربي، قال الزرعوني: «في العراق وحده، حسب بيانات الأمم المتحدة، هنالك 5,6 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة، أكثر من نصفهم أطفال وشباب في مقتبل العمر، وفي سوريا 2,1 مليون طفل لا يتلقون تعليمهم، فضلاً عن أعداد لا تقل عن هذه من الأطفال المحرومين من التعليم والمعرفة في العالم العربي، فأي مستقبل قد نتوقعه إذا لم نفعل كل ما باستطاعتنا لإيصال وسائل العلم والمعرفة إلى هذا الجيل، لذا نحن ننظر إلى مبادرة «أمة تقرأ»، على أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، وستشكل نموذجاً عالمياً لما يجب أن تكون عليه الجهود الإنسانية المبذولة في إطار إنقاذ جيل بأكمله من الأمية، وما يترتب عليها من آثار اجتماعية واقتصادية سلبية».
لقد كشفت وثيقة توجيهية للأمم المتحدة عن بيانات جديدة تؤكد انخفاض التحاق الأطفال والمراهقين اللاجئين والفقراء بالمدارس. وبحسب الوثيقة التي جاء عنوانها صرخة مدوية لتنبيه العالم للكارثة المحتملة «لا مجال بعد اليوم للأعذار» واشترك في إصدارها اليونيسكو والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، قُبيل انعقاد مؤتمر القمة العالمية للعمل الإنساني في إسطنبول 2016، فإن هناك 50 فقط من الأطفال اللاجئين يواصلون تعليمهم الابتدائي، فيما يواصل 25 في المئة فقط من المراهقين اللاجئين تعليمهم الثانوي.

نتائج مباشرة وغير مباشرة

إن النتائج المباشرة لهذا العدد الهائل من اللاجئين والفقراء الأطفال في العالم، قد تكون أخف بكثير من تلك غير المباشرة في تأثيراتها السلبية على واقع الأمم كافة، فلا يمكن اليوم الفصل بين فقر دولة أو فئة معينة، وما ينتج عن هذا الفقر من جيل معطل وجاهل، عن تداعيات هذا الفقر على باقي دول العالم حتى تلك الأكثر غنى وتقدماً، فإلى جانب المسؤولية الإنسانية التي تثقل كاهل العالم، تبرز مؤشرات خطرة على مستقبل التنمية البشرية والاقتصادية في دول العالم الثالث.

النتائج المباشرة

العالم اليوم يعيش عصراً تقود المعرفة والعلم مسيرة تقدمه، ما يعني أن وجود هذا العدد من الفقراء الأطفال في العالم، يعني عدم تمكنهم من الحصول على الحدود الدنيا من المعرفة والعلوم التي تجعلهم قادرين على الانخراط في معترك الحياة، ويجعلهم كأنهم ذلك العالم الموازي الذي لا ينتمي إلى هذا العالم بشروطه وصفاته.
لا شك أن هذا الرقم الهائل للأطفال اللاجئين والفقراء في العالم، هو في المحصلة مؤشر لعدد أكبر بكثير من البشر الذين يقبعون خارج إطار التنمية وخارج إطار الإسهام في استنهاض أممهم، أي أنهم عاجزون عن أداء دورهم الاقتصادي الطبيعي سواء من حيث الإنتاج ورفع قيمة الإنتاج، أو من خلال الاستهلاك لعجزهم عن توفير متطلبات حياتهم اليومية بمالهم الذي يجب أن يكتسبوه مقابل جهودهم.
ولا يمكن القبول بحل هذه المشكلة من خلال التشغيل التقليدي للأطفال أو الشباب في سن المراهقة، لأن العمل بدون تمكين معرفي لا يعدو كونه جهداً جسدياً لا يمكن له أن يضيف قيمة على العملية الاقتصادية، لذا يحسب وفق معايير الأمم المتحدة على أنه استغلال للطفولة.
إن بقاء حالة اللاتوازن في العالم بسبب تفاقم مشكلة الأمية، سيعزز حالة الاضطراب وعدم الاستقرار الاجتماعي، ما يترك الاحتمالات المستقبلية مفتوحة على الأسوأ.
أما النتائج غير المباشرة فيمكن اختصارها بما يلي:
حالة اللانتماء التي يعيشها أطفال العالم من لاجئين ومحتاجين، مصحوبة بمشاعر القهر والإحساس بالإهمال، ستؤدي في النهاية إلى خلق ثقافة متطرفة ومعادية للمحيط الاجتماعي. لذا فإن توفير الكتب ومصادر المعرفة الإنسانية لهؤلاء الأطفال سيمنحهم الشعور بأنهم ليسوا وحدهم، وأن هناك من يهتم بهم ويسعى لمساعدتهم، ما يؤسس لثقافة إنسانية قادرة على تحدي النتائج السلبية التي تفرزها حياتهم الشاقة.
وعن الحلول التي يمكن أن تسهم في صياغة الشخصية الإيجابية للأطفال اللاجئين والمحتاجين، يقول القرق: «صحيح أن حملة أمة تقرأ، لن تكون كافية وحدها لتغيير واقع الأطفال الفقراء والمحتاجين في العالم، لكنها خطوة على الطريق الصحيح، تسهم في تغذية العقل والروح بالقيم الاجتماعية والإنسانية التي قد يفقدها هذا الطفل نتيجة ظروفه القاسية، فالمعرفة وطن معنوي للفرد، من خلال القراءة يتعرف الطفل إلى العالم، ويتعلم كيف يواجه بإيجابية، تحميه من الوقوع في فخ الجريمة والتطرف، ويمكن تطوير هذا التوجه من خلال خطوات عدة:
تكثيف حملات التعليم والتثقيف للاجئين والمحتاجين في أماكن وجودهم ومساعدتهم على الانسجام مع محيطهم، وهذا يمكن من الانتقال نحو خطوة أخرى، وهي توفير كوادر بشرية متطوعة لتقوم بهذه المهمة».
الإسهام في بناء مدارس ومراكز تأهيل وتدريب مهني في تجمعات اللاجئين والأماكن الأكثر فقراً. ومن الإنصاف القول هنا، إن الإمارات كانت سباقة إلى ترجمة هذه الخطوات، والمطلوب اليوم المزيد من الجهد الدولي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"