عادي

ربعي المدهون: القارئ شريك أساسي في كتابة النص الروائي

01:06 صباحا
قراءة 4 دقائق

وصلت رواية ربعي المدهون وعنوانها السيدة من تل أبيب إلى القائمة القصيرة لالجائزة العالمية للرواية العربية، وكان بعض النقاد يتوقعون لها أن تكون في المركز الأول لكن الجائزة ذهبت إلى الروائي السعودي عبده خال، لكننا في كل الأحوال كسبنا روائياً جميلاً، حاول في روايته أن يتناول الصراع العربي الإسرائيلي، كاشفاً النقاب عن الشخصية الفلسطينية، وما جرى لها من تحولات طوال سنوات من هذا الصراع الوجودي .

حياة ربعي المدهون منذ أن ولد في فلسطين، قبيل النكبة الكبرى بثلاثة أعوام إلى أن استقر في لندن منذ 16 عاما، هي سيرة للفلسطيني، الذي تفتحت عيناه على مشهد وطن يضيع، ونما وعيه عبر رحلة طويلة من المنافي، عمل خلالها في الصحافة والمراكز البحثية وأنجز مجموعته القصصية الأولى أبله خان يونس وكتابه حكايات طعم الفراق ثم السيدة من تل أبيب الرواية التي جاءت بعد ثلاثين عاماً من إصدار مجموعته الأولى، الخليج أجرت هذا الحوار مع ربعي المدهون .

لماذا اخترت السيدة من تل أبيب عنوانا لروايتك؟

يرتبط العنوان بقلب الرواية، ولا أرى ضرورة لأن يكون معبرا عن مجمل العمل الروائي، لأن هناك عناصر أخرى في العمل تكمل الإجابة، فالسيدة من تل أبيب عنوان مثير للحيرة والدهشة والإرباك والاستنفار والتحفز، لأنه يمتلك جاذبية كبيرة، ثم إنه يقع في سياق مغامرة التجريب، الذي قد يكسر ظهر الكاتب، إذا اهتزت أدواته الفنية، أو يأخذ عمله إلى عوالم إبداعية أبعد، إن أحسن الإمساك بها .

ولكن يلاحظ أن الغلاف الخارجي للرواية لا يمت بصلة للعنوان ما تفسيرك؟

العنوان دال على نص ومسار سردي، فرضته تفاعلات درامية، هي المصادفة، تماماً كإسرائيل الطارئة، المصادفة التي تشكلت في ظروف وعوامل تاريخية معينة، مثلما فرضت دانا أهوفا بطلة الرواية نفسها على السرد، كما فرضت إسرائيل على أرض فلسطين، فألقت بظلالها على مجمل النص .

أما بصدد الغلاف فثمة عناصر تشكيلية أخرى، وبداية الغلاف ليس شكلاً مجرداً، أو غطاء لوعاء السرد، بل جزءاً من بنية السرد نفسه، فهو يقدم مفاتيح رئيسية للقارئ، حيث نجد صورة لمؤلف على مقعد مهموم، بجوار عنوان السيدة من تل أبيب بينما يفكر في الرواية الملقاة إلى جانبه على المقعد، لرواية أخرى عنوانها ظلال لبيت واحد لمؤلف يدعى وليد دهمان هذه ثلاثة عناصر (الكاتب الصورة الرواية) تشكل بمجملها عنوان الرواية الحقيقي، هذا سرد يختصر الرواية من دون أن يجيب عما تتركه من تساؤلات .

ما المغزى من اختفاء وليد دهمان في نهاية الرواية؟

النهاية مفتوحة على مسارات عدة، واحتمالات كثيرة، وهذا واحد من الاحتمالات، ربما لأن الراوي يريد أن يخبرنا بأن القضية الفلسطينية لم تحل بعد، فترك لنا عبارة موجزة تختم الرواية، وتقول إن وليد دهمان ودانا أهوفا لم يلتقيا في ذلك المسار .

لماذا تركت نهاية الرواية مفتوحة ولم تضع لها نهاية محددة؟

هناك قارئ يشارك في كتابة النص، وهو ذو حضور على امتدا الرواية، يتابع تطور أحداث ومسار ثلاث روايات: رواية ربعي المدهون، وتمتد على مدار 45 صفحة، وهي حكاية وليد دهمان، ثم رواية وليد دهمان التي تتناول حياة عادل البشيتي، ثم حكاية دانا أهوفا . واستكمالا لهذه التقنية تركت المسارات مفتوحة، لكي أؤكد عاملين: الأول هو ترك القارئ يضع النهاية، التي يرغبها، والخاتمة التي تتوافق مع قراءاته لمجمل الرواية، والثانية هي دفع القارئ للتفكير بمسارات الصراع على الأرض المفتوحة بدورها على العديد من الاحتمالات .

لماذا جردت الأم في الرواية من الترميز الفني؟

لكي أخرجها من أسر الرمز، وأعيدها إلى الأم في صورتها الواقعية، ففي الرمز تتساوى الأمهات، وهي في الواقع لها كيان خاص، ولها مكانتها الخاصة في سياق أم واقعية بعيداً عن التجريد والترميز .

استخدمت الريبورتاج الصحافي في الرواية ألم يؤثر ذلك في فنيتها؟

وليد دهمان كاتب وصحافي تعرض للاحتجاز تسع ساعات على معبر إيرتز واستخدام تقنية الريبورتاج الصحافي كان في رأيي خياراً أكثر ملاءمة للسرد حيث يتغلب الواقع على المتخيل، لكن ذلك لا يعني التخلي عن متطلبات الرواية التي تقع أساسا في المتخيل، ولهذا استخدمت مختلف التقنيات في تناسق وتداخل وتقابل، حيث يكتب وليد بصيغة أقرب إلى التحقيق الصحافي .

هل يمكن قراءة الرواية على أنها نوع من أنواع التاريخ لصراع استمر لأكثر من 60 عاما؟

يمكن قراءة الرواية ضمن هذا المسار، وفقا لهذا التقدير، فهي في نهاية الأمر تتعامل مع عناصر الصراع، وتلتقط شخصياتها وسط معطيات في سياق التاريخ .

كيف استحضرت شخصيات روايتك؟

لم تكن لدي خطة رواية أو رسم مسارات واضحة المعالم للشخصيات ولا أحب أن أضع مخططا كهذا، إذ منذ البداية غامرت بالتجربة، تاركا لفكرة الرواية أن تفرز مسارات تراكمها الخاص، عملية بناء بطيئة تنمو خلالها الشخصيات، وتتطور تباعاً وفق مسارات تنبع من ذاتها، وليس من مخطط وضعت تفاصيله مسبقاً، كانت هناك رحلة واقعية إلى إسبانيا، تنطوي على الكثير من المخاوف المشتبعة بالقلق والتوتر، والكثير من التوقعات لاحتمالات المراهنة على المصادفة: فلسطيني وإسرائيلي على مقعدين متجاورين في طائرة، ماذا يفعلان في وضع كهذا؟ هويتان متقابلتان، متجاورتان، متناقضتان، الأنا والآخر يلتقيان مصادفة في رحلة، تحت أنظار الكاتب والقارئ، فهما يتعرضان لاختبار في الفضاء، معلقان على أعمدة من وهم، ماذا لو سقطت الطائرة؟! اختبار يجري في الفضاء، بعيدا عن أرض الصراع، وهناك قدر من العبثية إذ نجد مناقشة عن الصراع في طائرة معلقة في الفضاء وفي الوقت نفسه نتابع مصير هذا الثنائي الذي شاءت المصادفة أن تجعله موضع اختبار .

كثيرون كتبوا عن الرواية فما تعليقك على الجدل الذي أثير حولها؟

هذا برأيي أفضل ما في الرواية بالنسبة لي، ويعكس في تقديري ما طرحته من تساؤلات ويقدم في الواقع إجابات مختلفة، تضيء جوانب عديدة في الرواية وتقدم قراءات استباقية ومختلفة للقارئ وفي هذا إثراء للجدل وإغناء لمسار الكتابة الروائية بشكل عام وقد أفادني كثيراً .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"