عادي

حب خارج النمطية

02:46 صباحا
قراءة دقيقتين
محمدو لحبيب

أن يكون للحب عيد، يقتضي أن تكون الكلمات التي تعبر عن ذلك الحب غير نمطية، وغير عادية، ولا تقال كل يوم، إنه رهان صعب على الكثيرين ربما، لكن هكذا تقتضي فلسفة الحب إن كان للحب فلسفته.
فحين نريد الحديث عن الحب، عن فلسفته تحديداً، يطرح السؤال التالي نفسه: هل نحن نمطيون حين نعبر عن حبنا؟، هل تكفي كلمة «أحبك» لكي تحيط بكنه ذلك الشعور الذي يصعب على الوصف، والذي يعصف بنا ذات لحظة التقاء أرواح معينة في ملكوت الله؟.
الكلام عن تعبير غير نمطي عن الحب، لا بد أن يكون خارجاً عن حدود الكلمة ثلاثية الأحرف، متسامياً نحو عوالم أكبر من إطار الكلام نفسه.
هذا بالضبط ما حاوله الأديب الفرنسي فيكتور هوجو قبل أكثر من مئتي سنة، حين كتب لحبيبته جوليات دروي: «كم هو عقيم هذا الحب، إنه لا يكف عن تكرار كلمة واحدة هي «أحبك»، و كم هو خصب لا ينضب: هناك ألف طريقة يمكنه أن يقول بها الكلمة نفسها !...، دعيني أدهشك وأجرب معك ألف طريقة لقول الكلمة الواحدة نفسها في الحب، دعيني أسلك إليك الطرق المتشعبة، وأعشقك بالعواطف المتناقضة، وأنساك وأذكرك، بتطرف النسيان والذاكرة. أخضع لك وأتبرأ منك، بتطرف الحرية والعبودية، بتناقض العشق و الكراهية، دعيني أكرهك بشيء من الحب».
وقديما اهتم عربي أندلسي بتأويل الحب و البحث له عن معنى غير نمطي و خارج عن مألوف العادة.
لقد حاول ابن حزم الظاهري في كتابه «طوق الحمامة» أن يضع نظرية للحب بربطه بالجمال، بالانطلاق الذي ترمز له الحمامة، بالبحث عن قيمة جمالية مرتبطة بذلك الطوق الذي يكلل عنقها.
والمسألة التي تستدعي النظر المباشر هنا هي: هل للبيئة الأندلسية الخلابة تأثير على اختيار ابن حزم ذلك الربط بين مفهوم الحب ومفهوم الجمال؟.
يرى طه حسين أن من يقرأ كتاب طوق الحمامة، سيلاحظ أن الحب لم يكن يشغل الفقيه والفيلسوف ابن حزم وحده بل كان يشغل إسبانيا المسلمة آنذاك كلها.
هذا البحث الجمالي عن معنى أعمق للحب من مجرد تعبير سطحي متكرر يبعث بمرور الوقت على السأم، هو بالضبط ما بات متلاشياً، هلامياً، ضبابياً في عصرنا الحالي.
فأن تقول الآن كلمة أحبك يشبه أن نتناول «فاست فوود» من دون أي إحساس بها، إنه أمر معتاد لدرجة أنه يمر من دون تفكير أو تدبر، هو بطريقة ما قتل للروح التأملية في أعماق قلوبنا، اغتيال للفلسفة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"