عادي
أكد أن تصريحات مسؤولي الخرطوم ضد المحكمة الدولية غير مسؤولة

الصادق المهدي لـ الخليج : نرفض تسليم البشير لـ “الجنائية” الدولية

04:31 صباحا
قراءة 7 دقائق

يستحوذ القرار المرتقب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير على اهتمام الشارع العربي بشكل عام والسوداني بشكل خاص، وينصب جزء من هذا الاهتمام على ترقب واستطلاع مواقف القوى والشخصيات السودانية المختلفة خاصة المعارضة منها من القرار وتأثيراته في الأوضاع في بلادهم، وفي مقدمة هذه الشخصيات يأتي رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب الأمة الحالي الصادق المهدي الذي التقته الخليج في محاولة لقراءة مستقبل ضبابي يلف الواقع السوداني والمنطقة بأسرها، وفي حديثه يؤكد المهدي ضرورة البحث عن طريق ثالث ينقذ الأوضاع في السودان، معلنا رفضه مجددا أن يتم اعتقال رأس الدولة السودانية، ومحذرا من خياري المواجهة أو الاستسلام اللذين قال إن الساحة السودانية والمجتمع الدولي ينقسمان حولهما الآن، وتالياً نص الحوار:

قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن الرئيس السوداني عمر البشير على الأبواب.. في رأيك كيف سيواجه حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه البشير الموقف؟

المؤتمر الوطني يقول إنه لا يعترف بالمحكمة أو قرارها ولا بالإجراءات التي قد تتخذها، ويستعد لمواجهة تبعات هذا الموقف بصورة متشددة وواضحة.

هل يمكن أن تجدي مثل هذه المواجهة؟

هذا الموقف سيجد أمامه عقبات، لأنه أولا لن يحوز على دعم عام من العناصر المكونة لحكومة الوحدة الوطنية، حيث الحركة الشعبية لتحرير السودان التي يتزعمها سلفاكير ميارديت النائب الأول للرئيس السوداني ورئيس حكومة الجنوب وأيضا حركة تحرير السودان التي يتزعمها ميني أركو ميناوي كبير مساعدي الرئيس السوداني لا يوافقون على موقف المؤتمر الوطني، وهو موقف كذلك لا يحظى بتأييد جماعي من الرأي العام السوداني، وسيكون بالتالي حوله انقسام داخل الحكومة وفي الجسم السياسي السوداني، وربما يقود ذلك إلى مواجهة، فضلا عن مواجهة أخرى محتملة مع الأسرة الدولية.

تصريحات مضرة

وهل تتوقع خسائر لمثل هذه المواجهات المحتملة في ضوء ظروف السودان المعلومة؟

في رأيي أن جميع ما مضى من مواجهات مع الأسرة الدولية أتت لأصحابها بخسران كبير، ولذلك اتعاظا بالدروس المستفادة مما حدث في العراق وليبيا وفي جهات أخرى كثيرة، فإني أرى أن في أي مواجهة محتملة في السودان أضراراً كبيرة، وهي مشروع فاشل، وأشير هنا إلى الكلام الذي صدر من بعض المسؤولين في السودان من أننا لن نستطيع حفظ الأمن والنظام وسلامة المواطنين الأجانب في حالة صدور هذا القرار فهذا كلام غير مسؤول، ويضر بالسودان ضررا بالغا، لأنه يعزز فكرة من يقولون إن السودان تحكمه حكومة غير مسؤولة وينبغي أن ينصب كل ما تقوله الحكومة في هذا الصدد على أننا قادرون على حفظ الأمن والنظام وحفظ أرواح المواطنين والأجانب، وأي كلام سوى ذلك يضر بالسودان ويعزز أطروحات أعدائه.

وكيف تنظر للرأي الذي يطالب البشير بتسليم نفسه للمحكمة الجنائية أو على الأقل التعامل معها؟

من يتحدثون عن تسليم البشير موقفهم هو موقف الاستسلام، وهو موقف خاطئ، أولا لأن المحكمة لم تقرر شيئاً بعد، فلماذا الحديث عن التسليم حتى قبل أن نسمع ماذا تريد المحكمة، كأنما في هذا الموقف استعجال لأمر قبل أن يحدث، وفي رأيي أنه قد ظهر تماما الآن أن هناك تناقضاً واضحاً في هذا النوع من المنظمات الدولية التي تقول إنها تسعى لتحقيق العدالة والاستقرار، ففي الكونجو وأوغندا على سبيل المثال تقف المحكمة الجنائية عائقا في سبيل تحقيق السلام، وهذا يعني أن هذه القضية تجعل هناك تناقضا بين هذا النوع من العدالة والاستقرار المطلوب.

وهذا الأمر يقتضي معه في رأيي البحث عن صيغة توفق ما بين العدالة المطلوبة وفي ذات الوقت الاستقرار المطلوب أيضا للسودان.

ضد تسليم رأس الدولة

وماذا سيكون موقفكم في حال أتى قرار المحكمة الجنائية بتوقيف البشير؟

نحن مع المحكمة الجنائية ومع القرار رقم ،1593 لكننا ضد تسليم رأس الدولة لأسباب عديدة، أولها أن تسليمه لن يتحقق من دون أن يؤدي إلى مقاومة، وهذه المقاومة قد تودي بكل الترتيبات الموجودة حاليا في السودان، وهذا الثمن غالٍ للغاية، وثانيا لأنه حتى إذا سلمنا بتجريم رأس الدولة، فهناك آخرون في المسرح الدولي جرائمهم موثقة ومعترف بها، ومنها جرائم الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أو لمرت، لكن النظام الدولي الحالي بما يتبعه من ازدواجية في المعايير لم يفعل شيئا في هذا الصدد، وهذا يعني أن التعامل مع رأس الدولة السوداني هو فقط جزء من مشروع استعلائي من الأقوياء على الضعفاء، وهذا لا يمكن أن يجد منا تأييدا، ولذلك نحن نتحدث عن صيغة فيها مساءلة لكي لا يكون هناك إفلات من العقوبة، لكن بآلية داخلية.

كيف؟

عبر محكمة هجين مكونة من قضاة سودانيين وعرب وأفارقة معروف عنهم استقلال الرأي، وهذه المحكمة الهجين ستطبق القانون الدولي الجنائي.

وهل هناك أمل في معالجة قضية المحكمة الجنائية؟

نعم أولا بتحقيق إجماع في الرأي السوداني من أجل حل مشكلة دارفور خارج سقوف اتفاقيتي نيفاشا وأبوجا، بما يستجيب لمطالب أهل دارفور وهي معروفة، وأيضا بتحقيق مشروع التحول الديمقراطي بصورة ترضي تطلعات الشعب السوداني، وفي رأيي أن مثل هذه المعالجة يمكن أن تكون محل إجماع القوى السودانية كلها، الحاكمة والمعارضة، وفي تقديري أيضاً أن القوى السودانية يمكن أن تصل لمثل هذا الاتفاق، والذي يمكن أن يكون مقنعا للأسرة الدولية، التي كلما أعطتها الحكومة الحالية شيئا تريد أشياء أخرى، وفي رأيي أن هذا هو الطريق الثالث وهو الطريق الحتمي، الذي ينبغي أن نسلكه مع استحالة كل من الطريقين الأول والثاني، المواجهة والاستسلام، وأرى أنه لا خيار عنه ولا بديل له وهو الطريق الصحيح، ونحن نسعى في حواراتنا مع القوى السياسية الأخرى لإقناعها بهذا الموقف، وكذلك نحن متصلون بكل قنوات الأسرة الدولية لإقناعها بذات الموقف.

وهل تؤتي هذه التحركات جدواها في رأيك؟

في رأيي أن كلامنا هذا لن نعرف حقيقة جدواه الآن، ونحن نتحرك حتى الآن بتحفظ إلى أن يصدر قرار المحكمة.

كان الناس يعلقون آمالا كبيرة على ملتقى أهل السودان بأن ينقل السودان لمرحلة جديدة يستطيع أن يقاوم فيها الضغوط.. لماذا لم يحدث ذلك؟

الآن نحن في مرحلة جديدة، والحديث عن المراحل السابقة الآن لم يعد مجديا، وكل ما حدث في ملتقى أهل السودان واتفاق التراضي الوطني بين حزبي المؤتمر الوطني والأمة وغيرها كانت مقدمات طيبة في التمهيد لنوع من التواصل بين الأطراف السياسية في السودان، ولكننا الآن أمام أجندة مختلفة.

قلت من قبل إن اتفاق التراضي الوطني اختطفه الصقور في حزب المؤتمر الوطني؟

لا أريد الكلام عن الماضي.

الخلافات العربية.. هل تلقي بظلالها على الحل المنشود في دارفور؟

الواضح الآن هو أن كل طرف من الأطراف العربية ما لم يشعر بأنه الوسيط والمسهل سيشعر بأنه معزول، وربما أدى هذا إلى عرقلة الحل المنشود في دارفور، وفي تقديري أن الحل أو الصفقة المطلوبة للحل بدارفور في نهاية المطاف يجب أن يعد في مطبخ سوداني، ويمكن بعد ذلك إخراج هذا الحل في منبر عربي أو إفريقي أو مشترك.

في رأيك إلى أي سبب تعود عرقلة الحل في دارفور؟

هناك ثلاثة عوائق تحول دون حل مشكلة دارفور، أولها هو السعي للحل ضمن صفوف مهترئة، نيفاشا وأبوجا، فيما يجب الاتجاه للحل دون التقيد بهذه السقوف التي كانت سببا في فشل المحاولات السابقة للحل، وثانيا لابد أن يكون الحل قائما على فهم حقيقي لتشخيص المشكلة، وللأسف فإن كثيرا من المبادرات كانت تنطلق من دون معرفة بالتشخيص الصحيح للمشكلة، ولذلك كانت تتخبط، فنحن بحاجة إلى التشخيص الصحيح، وقد ظلت كثير من هذه المبادرات موهومة بالبحث عن توحيد الفصائل الدارفورية وهذا سراب، فالفصائل الدارفورية تمزقت بصورة سوف تتزايد في المرحلة القادمة، لوجود عوامل الطموح الشخصي والنزاع الاثني، ولوجود عوامل اختراق من جهات خارجية، ولذا نجد الآن بعد أكثر من عامين ونصف العام من إبرام اتفاقية أبوجا في مايو/ أيار عام 2006 قد تضاعفت هذه الحركات في الجملة من حركتين أو ثلاث إلى عشرين، وهذا يعني أن البحث عن وحدة الفصائل جرى وراء سراب، ولذا يجب أن يكون الكلام عن وحدة الهدف بمعنى المطالب المشروعة لأهل دارفور، والتركيز على هذا الأمر سيجعل كل القوى الدارفورية إما أن تستجيب لهذا الموقف الذي يحقق مطالب أهل دارفور المشروعة وإما أن يعزلوا أنفسهم عن أهل دارفور، وفي اعتقادي أن الأقرب أنهم سيستجيبون، ونحن نحتاج في حلنا لقضية دارفور أن نعرف لماذا أخفقت المحاولات السابقة، وضرورة أن تكون المحاولة الجديدة في إطار الإجماع السوداني.

كيف تنظر لاعتقال الدكتور حسن الترابي مؤخرا على خلفية موقفه من المحكمة الجنائية؟

اعتقال الترابي هو جزء من المساجلة بين الخطين الأول والثاني، وطالما المواجهة قائمة ستحدث هذه المساجلات، ونحن نروج الآن للخط الثالث، في رأيي هذا الخط العقلاني سيفرغ الموقف من احتمالات المواجهة الداخلية والخارجية، التي ليست في مصلحة السودان، وفي حال حدوثها سيدفع السودان ثمنا غاليا، وللأسف هذا ما يريده الأعداء الاستراتيجيون للسودان، ويجب ألا نعطيهم الفرصة لتحقيق أجندتهم المدمرة للسودان.

أخيرا.. كيف ترى الموقف العربي بشأن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة؟

كان الموقف بشأن غزة دليلا آخر على حيوية الشعوب العربية، وأعتقد أن هناك دلائل كثيرة حدثت مؤخرا تثبت هذه الحيوية منها ما حدث في لبنان من مقاومة للعدوان، ثم يأتي ما حدث في غزة مطابقا لما حدث من قبل في لبنان، مع الفرق أن أهل غزة كانوا محاصرين وتحت الاحتلال المباشر، وأي كلام عن أن إسرائيل انسحبت من غزة هو غير صحيح، فقد انسحبت على المستوى الشكلي فقط، لكن على المستوى الفعلي كانت تحاصر غزة حصارا استمر 20 شهرا، وقد استطاع الشعب الفلسطيني في غزة بقيادة فصائل المقاومة وأهمها حركة حماس أن يثبتوا هذه الحيوية، وهي في رأيي تبشر الشعوب العربية بخير كثير، وفي نفس الوقت فإن أحداث غزة كشفت هشاشة وضعف وتهافت النظام العربي الرسمي، وهذا لا يليق بقيادات تقود شعوبا بهذه الدرجة من الحيوية، وهذا هو ما بدا للناس إلى أن يثبت عكسه.

_

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"