عادي
بحكم التاريخ والاقتصاد

الإمارات والهند.. من التعاون إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة

05:03 صباحا
قراءة 8 دقائق
تحقيق: ميرفت الخطيب

بحكم التاريخ والاقتصاد، تعتبر العلاقات الإماراتية الهندية نموذجاً للعلاقات الثنائية المتميزة، وقد عكست الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الهندي إلى الإمارات رغبة القيادة في البلدين في تعزير وتطوير آفاق هذه الشراكة سياسياً وتجارياً وثقافياً وعلمياً وتكنولوجياً، خاصة في ظل سعي دولة الإمارات نحو التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني القائم على العلم والمعرفة. فمن تجارة اللؤلؤ التي عنونت مرحلة الخمسينات والستينات، مروراً بالمد التاريخي وما تضمنه من سفر الإماراتيين إلى الهند للحصول على الطبابة والعلاج وأيضاً العلم، وتأثر الرعيل الأول من الأدباء الإماراتيين والعرب بهذا البلد الذي كان، وحتى في تلك الأزمنة يمتلك مطبعة عربية ومجلات عربية ومدارس تعلم اللغة العربية، وصولاً إلى الاتفاقات الدولية اليوم، والتي توجت بزيارة رئيس الوزراء الهندي إلى الإمارات لعقد المزيد من الاتفاقات.

كل هذا المناخ أوجد علاقات استثنائية بين الإمارات والهند، دفعت بالكثير من الأسر الهندية إلى اختياره ملاذاً آمناً لها ولأحفادها، حتى أن الكثير من هؤلاء يقيمون في الدولة منذ أكثر من 40 عاماً.
ماذا يقول خبراء التاريخ والسياسة والاقتصاد والتراث في شرح هذه العلاقة... في السطور المقبلة نقرأ الإجابة:

عين الهند على الخليج

الدكتورة فاطمة الصايغ أستاذ مشارك، قسم التاريخ والآثار، جامعة الإمارات العربية المتحدة أستاذة التاريخ، تشير إلى أنها قد قامت بإجراء بحث بعنوان الأبعاد الثقافية للعلاقات الخليجية الهندية، لما لهذا الموضوع من أهمية في التعرف إلى بعض الملامح التاريخية للدولة، وقالت إن علاقة الهند مع الخليج تمتد إلى آلاف السنين، وأول ما تفتحت عين الهند على التجارة الخارجية كانت منطقة الخليج هي الجهة المستهدفة منها، وفي المقابل فإن حركة التجارة الأولى لتجار منطقة الخليج بشكل عام كانت صوب الهند، وفي ما يتعلق بالإمارات والتي لم تكن يومها دولة، فإن تجارتها مع الهند كانت نتيجة للوجود البريطاني بالمنطقة، والذي كانت تديره من مقرها في الهند، وبالتالي كان ممنوعاً أو محرماً على منطقة الخليج والإمارات أن يوقعوا اتفاقيات تجارية إلّا مع الهند، ما يعني أن الهند كانت الدولة الوحيدة التي يُسمح بالتعامل معها والتبادل التجاري. لذا تطورت العلاقات بين البلدين ولم تكن اللغة عائقاً بين التجار بل على العكس فإن الكثير من المواطنين كانوا يتكلمون اللغة الهندية الأوردو بطلاقة.

وتستطرد قائلة كان الخليجيون يعتبرون بومباي «باريس الشرق»، كونها كانت مصدراً للكثير من البضائع، وكذلك للثقافة والفنون، ناهيك عن العلم حيث إن معظم التجار كانوا يرسلون أولادهم للتعلم في الهند، والتي كانت سباقة في هذا المجال وأيضاً لقربها من الإمارات، وكذلك تأثروا ونقلوا الزينة الهندية والملابس والأقمشة حتى الزخرفات والنقوش التي كانت على الملابس كلها من الهند، كونها المورد الوحيد المتاح أمامهم. ما أدى إلى تطور العلاقات بين البلدين. ومن البديهي بعد مرحلة الاستعمار أن يكون خيار الإمارات الطبيعي هو الهند، لتوفير العمالة كونها على علاقة سابقة بها. فاستفادت الإمارات من العمالة الرخيصة، واستفادت الهند من الأموال التي كانت تحول إليها من العاملين بالإمارات.
وعلى صعيد آخر شهدت هذه العلاقة التاريخية العديد من الزيجات ما أدى إلى انتقال الأنماط الاجتماعية من الهند وإلى الإمارات وخاصة عادات الزواج وتربية الأولاد وأيضاً الإتيكيت، وهذا يعود إلى أن الهند كانت لديها عناصر التحضر قبل الإمارات.
والجدير بالذكر كما تقول فاطمة الصايغ، أن الهند أثرت بالكتاب والأدباء والمثقفين الخليجيين والعرب أيضاً، فإضافة إلى أن الكثير منهم تعلم في المدارس الهندية، والتي كانت بالمناسبة تدرس اللغة العربية، وتوفر المجلات بالهندية أيضاً، والتي كانت ترسل إلى الإمارات. ومن الذين تأثروا من الأدباء الثعالبي والتونسي ومانع بن راشد، والذي كان أول من ألف كتاباً عن اللؤلؤ بعنوان خرائط اللؤلؤ في الخليج، متأثراً بالثقافة الهندية. ومعظم الأدباء في مرحلة الثلاثينيات درسوا في الهند، إضافة إلى أن المثقفين كانوا يلجؤون إلى الهند لطباعة كتبهم، حيث توجد عندهم مطبعة للكتب العربية، ولم تكن متوفرة في منطقة الخليج.

شراكة خاصة

الدكتورة فاطمة الشامسي نائب المدير للشؤون الإدارية لجامعة باريس السوربون أبوظبي، والأمين العام السابق لجامعة الإمارات العربية المتحدة وأستاذ في علم الاقتصاد، أشارت إلى أن العلاقة التاريخية بين الإمارات والهند تجمعها البعد التاريخي، والتي تمتد إلى ما قبل 3 آلاف سنة. ما نتج عن المنافع العديدة على مستوى الدولتين. والتي بدأت بصور بسيطة عبارة عن عمليات استيراد وتصدير، لتتطور مع مرور الزمن إلى علاقة مؤسسية في بداية السبعينات، حيث وقعت أول اتفاقية بين الدولتين عام 1975، ومن ثم بدأت مذكرات التفاهم التي تنظم هذه العلاقات التجارية والاقتصادية بشكل رسمي.

وعن رأيها باستمرار هذه العلاقة تاريخياً وأسباب الاستمرار أجابت الشامسي: يعود إلى نقطة في غاية الأهمية وهي أن حجم التبادل التجاري بين الإمارات والهند كبير جداً، وتصل قيمته إلى حوالي 60 مليار دولار، إضافة إلى وجود أكثر من 50 شركة هندية في الإمارات مقابل شركات استثمارية وغيرها إماراتية تعمل في الهند.
ناهيك عن أن الجالية الهندية بالإمارات تشكل مليون هندي. وما يؤصل العلاقة بين البلدين هي أن الإماراتيين كانوا ومنذ القدم يتوجهون إلى الهند للعلاج والطبابة، إضافة إلى تجارة اللؤلؤ، ما أوجد هذه العلاقة الممتدة والودية بين الشعبين. والشعب الهندي يتمتع بشخصية ودودة ونظيره الإماراتي يستوعب الآخر، ويتقبله بغض النظر عن انتمائه الديني أو لغته. كل هذه الأمور وغيرها خلقت التواصل والروابط بين الهند والإمارات، والتي زادت مع مرور الزمن والتطور الذي شهدته الإمارات. وفي المقابل فإن الهند تمر اليوم بمرحلة تطور تقني واقتصادي، وهذا مؤشر جديد لخلق روابط أكثر بين الدولتين، وعمل الكثير من الاستثمارات والمشاريع المشتركة بين البلدين.
وتُعقب بالقول، وهناك أيضاً تطور تقني ممكن للإمارات الاستفادة منه ويكون بمثابة قاعدة أساسية لشراكة إنتاجية خاصة في ظل التوترات الإقليمية ما يستدعي مزيداً من التعاون والشراكة في مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية... إلخ.

استقرار للعديد من الهنود

الدكتور محمد المطوع أستاذ علم الاجتماع السياسي، الذي أشار إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار إلى أن العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة والدولة الهندية، وإلى ما قبل قيام الدولة الاتحادية كانت العلاقات التجارية مزدهرة خاصة تجارة اللؤلؤ ورحلات الغوص التي كانت تستمر لفترات زمنية طويلة.

وأضاف أن وجود الهنود في منطقة الخليج العربي ليس بالأمر الجديد وليسوا حديثي المجيء إلى هنا، بل إلى عقود طويلة من الزمن، وقدموا إلى الإمارات منذ سنوات طويلة، حتى أن الكثير من العائلات هي اليوم في طور الجيل الثالث لها في الإمارات، أي إلى ما قبل زمن الاتحاد، وقبل التطور الذي حصل مع قيام الدولة على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والمغفور له الشيخ راشد، رحمهما الله، والكثير من أبناء الجالية الهندية يعتبرون أن الإمارات هي بلدهم لأنهم خُلقوا على أرضها هم وأهلهم.
واستطرد بالقول: إن العلاقة بين الإمارات والهند كانت مبنية في البداية على التبادل التجاري، ولم يكن هدف الهنود الإقامة أو العمل في الإمارات سابقاً، إلّا أن العلاقات تطورت مع قيام الاتحاد، ومع وجود قانون اتحادي ينظم موضوع الإقامة والعمل، بدأ توافدهم على الدولة للعمل، وفي المقابل كانت الإمارات بفترة النهوض والتقدم والتطور وكانت حاجتها إلى الأيدي العاملة مُلحة، والتي كانت الهندية منها رخيصة، فاستعانت الدولة بهم في الكثير من المشاريع والمجالات، وكانت هذه الخطوات بمثابة استقرار للعديد من الهنود الذي أمنته دولة الإمارات العربية المتحدة لهم. وأيضاً وجود علاقات ودية واجتماعية مع الشعب الإماراتي، خاصة أن الشعب الهندي ودود بطبعه وليس عدوانياً، وليست الإمارات مثل بعض الدول التي تتعامل مع الوافدين على أرضها بعنجهية. ويلقى الهنود معاملة طيبة من الإماراتيين ويقدرون الأمن والأمان الذي يعيشون به، لذا نراهم قد افتتحوا إلى جانب مشاريعهم وشركاتهم التجارية نوادي ومدارس وأيضاً ملاعب لممارسة رياضاتهم المفضلة «الكريكت» والتي أخذوها عن الإنجليز. وختاماً، وبحكم وجودهم على أرض الإمارات فقد ألموا بالكثير من عاداتنا وتقاليدنا وأيضاً بقوانيننا، وهم لا يحاولون الإقدام على أي من المشاكل التي قد تضر بالدولة.

العلاقات الإماراتية الهندية

في تقرير نشرته «أخبار الساعة» عن العلاقات الإماراتية الهندية جاء فيه: إن دولة الإمارات تعتبر من أهم الشركاء التجاريين للهند، حيث تشير التقديرات إلى أن حجم التبادل التجاري بين الدولتين بلغ نحو 60 مليار دولار في العام الماضي، وبلغ عدد الشركات الهندية التي تعمل في الدولة نحو 50 ألف شركة تعمل في المجالات الصناعية والتكنولوجية والصحية كافة، ويعمل فيها نحو مليون هندي وفق إحصائية لسفارة الهند في أبوظبي.

وأضافت النشرة: أن الدولتين وقعتا عدداً من الاتفاقات ومذكرات التفاهم منذ عام 1975 تضمنت مجالات عدة مثل: التعاون الثقافي والطيران المدني وتجنب الازدواج الضريبي والتعاون القانوني والقضائي في المسائل المدنية والتجارية وغيرها الكثير.
وآخر هذه الاتفاقيات في عام 2014، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال الطاقة المتجددة، فضلاً عن الدور الإيجابي الذي قامت به اللجنة المشتركة على مستوى وزراء الخارجية في الدولتين في تطوير هذه العلاقات من خلال جلساتها التي ناقشت مظاهر التعاون الثنائي في المجالات كافة.

علاقات تجارية ناجحة


عبدالستار الغزاوي، خبير آثار، أشار إلى أن الإمارات كانت الهند الأقرب إليها جغرافيا، وكانت البضائع تصلها من الهند، ثم يعاد تصديرها، من هنا كانت العلاقات التجارية ناجحة بين البلدين واستمرت لغاية اليوم.

وقال إنه صحيح، كان هناك تأثر الحلي والمأكولات وحتى الأقمشة والملابس، ولكن فيما يتعلق بالجانب العمراني، لم يكن هناك تأثر ملحوظ أو استعانة بالهند لاستيراد مواد البناء، لأن كل المواد التي كانت تستخدم في المباني الدفاعية والقلاع والحصون والبيوت كانت من البيئة الإماراتية المحلية.
وذكر أن مسجداً واحداً في الشارقة، وهو مسجد عبيد بن عيسى يوجد فيه خشب مستورد من الهند، استخدم في صنع أعمدة المسجد ويميزه لونه الأحمر، إضافة إلى وجود رسوم من النقوش والزخارف عليه.
واستطرد قائلاً كان يتم استيراد الأخشاب من إفريقيا وتحديداً زنجبار، وكانت تستخدم دعوماً لأسقف المنازل وكانت تعرف بخشب الجندل.


زخم في العلاقات بين البلدين


قالت نشرة أخبار الساعة: لهذا فإن زيارة رئيس الوزراء الهندي الأخيرة للإمارات تضيف زخماً قوياً لهذه العلاقات وتعزز الشراكة بينهما في المجالات كافة، خاصة في مجالات الطاقة وصناعة التكنولوجيا، ولاشك في أن التقدم الكبير الذي تشهده صناعة التكنولوجيا والبرمجيات في الهند يوفر فرصاً مهمة لتعميق علاقاتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي تبدي أهمية كبيرة لقضية التكنولوجيا، في إطار سعيها نحو تنمية مستدامة واقتصاد قائم على المعرفة، وأوضحت أن ما يعطي العلاقات بين الدولتين أهمية خاصة، أن هناك إدراكاً مشتركاً بأهمية هذه العلاقات وضرورة تطويرها.

فالهند من جانبها تبدي اهتماماً كبيراً بالانفتاح على دولة الإمارات وتوسيع علاقاتها معها في المجالات كافة، وقد أشار إلى ذلك بوضوح رئيس الوزراء الهندي قبل أيام في تصريحات نقلها موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت، قال فيها إن التقدم الاقتصادي الذي حققته الإمارات جدير بكل إعجاب وتعد الإمارات قصة نجاح اقتصادي عالمي حيث استقطبت البشر من دول العالم كافة، إضافة إلى صعودها كمركز لوجستي مهم، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن الهند تنظر بتقدير كبير إلى دولة الإمارات، وتتطلع إلى الاستفادة من تجربتها الناجحة في التنمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"