عادي
اتجه نحو التعميم والتأصيل والتقعيد

أثر كتاب «الشعر» في النقد العربي

05:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة «الخليج»:

كتاب «الشعر» لأرسطو هو من أشد المؤلفات الأرسطية صلة بحياتنا الفكرية اليوم، فليس هو الكتاب الذي يدرس، كما تدرس التحفة الأثرية، تنحصر قيمتها في موقعها من التاريخ، بل هو كتاب يدرس لأن المسائل التي يثيرها في موضوع التراجيديا والكوميديا وشعر الملاحم لا تزال بالنسبة إليها مسائل قائمة تدب فيها الحياة، وذات صلة وثيقة بما يعرض لنا من مشكلات في هذا المجال، فلا غرابة إذاً إن رأينا طائفة كبيرة من أبرع النقاد تتناوله وتختلف في تأويله وشرحه.

هذا ما استهل به د. زكي نجيب محمود تقديمه لكتاب «في الشعر» لأرسطو طاليس، الذي نقله إلى العربية «بشرى متى بن يونس القنائي» من السريانية إلى العربية، وحققه مع ترجمة حديثة ودراسة لتأثيره في البلاغة العربية د. شكري عياد، وصدرت طبعته الجديدة من المركز القومي للترجمة.
نال د. شكري عياد درجة الدكتوراه عن هذا الكتاب، إذ أخذ يتعقب أثره في الثقافة العربية، مع أن مدار اهتمامه هو شعر الملاحم والتراجيديا، وقد خلت الثقافة العربية منهما، لقد ترجم بشر بن متى الكتاب ولخصه ابن سينا وابن رشد وغيرهما من فلاسفة المسلمين، لكن هؤلاء كانوا يعدونه جزءاً من المنطق، إذ عدوه صناعة ترمي إلى تسليم السامع بما يقول القائل، ومن ثم فهو لاحق بالجدل والخطابة ما يدل على بعد ما بين كتاب الشعر فيما قصد إليه أرسطو من جهة، وما فهمه فيه العرب من جهة أخرى.
أراد شكري عياد في هذا الكتاب أن يستوثق من الصورة التي فهم بها الكتاب بين فلاسفة العرب ورجال البلاغة، ليرى بعد ذلك أي الآثار ترتبت عندهم على هذا الفهم، واقتضى ذلك منه أن يحلل النص العربي ليستدل من هذا التحليل على ضعف المترجم في العربية، ضعفا ألجأه إلى ترجمة حرفية كانت تنتهي به في كثير من الأحيان إلى عبارات لا تفهم، فضلا على عدم إلمامه بالأدب اليوناني الذي عنه كتب الكتاب، بل عدم إلمامه بالثقافة العربية نفسها، وترجمته مملوءة بالمفردات العامة والمحرفة واليونانية والسريانية والفارسية، ما يجعل فهم النص متعذراً إذا لم يكن عند قارئه عدة إلا لغته العربية وحدها، ولذلك اضطلع د. شكري عياد بترجمة جديدة نقلها من الفن اليوناني، ليقارنها بترجمة متّى بن يونس جملة جملة.
وتناول د. عياد الملخصات التي وردت لكتاب الشعر عند الفلاسفة العرب، وهنا نجد محاولة جادة للفهم، فليس الأمر عندهم، كما كان عند بشر بن متّى، مجرد نقل سواء أجاء مفهوماً أم مستغلقاً على الفهم، بل حاولوا الفهم الجيد، حتى لقد حاول الفارابي أن يجري مقارنة بين الشعر العربي والشعر اليوناني فيما له علاقة بمادة الكتاب، وحاول ابن سينا أن يشرح فكرة التخييل «المحاكاة» شرحاً مستفيضاً ولم يكتف ابن رشد في عرضه لمادة الكتاب بأن يقدم صورة خاصة بالأدب اليوناني وحده، بل جاوز ذلك إلى التعميم الذي يصدق على أي أدب آخر.
كان الرأي من قبل أن الثقافة العربية لم تتأثر بهذا الكتاب، لبعد ما بين الشعر اليوناني والشعر العربي، أما د. شكري عياد فقد أخذ يتتبع أقوال البلاغيين العرب قبل ترجمة كتاب الشعر إلى العربية وبعد ترجمته، فإذا وجد فروقاً مما يجوز نسبته إلى مادة هذا الكتاب كانت تلك الفروق راجعة إليه.
وجد د. شكري عياد أن النقد العربي، إلى أوائل القرن الثالث، كان نقدا جزئيا ذوقيا على طريقة النقاد العرب الخلص، ثم أخذ النقد بعد ذلك يتجه نحو التعميم والتأصيل والتقعيد، وكان ذلك نتيجة للثقافة الفلسفية اليونانية التي شاعت بالترجمة والتلخيص، وقد تكون نتيجة لكتاب الشعر بالذات، فالجاحظ يتأثر بالمنطق في نظره إلى البيان على أنه نوع من الدلالة، وابن المعتز في كتابه «البديع» يحاول أول محاولة نحو التعميم، وقدامة في كتاب «نقد الشعر» تأثر بالفكر اليوناني تأثرا قويا ظاهرا، فلم يعد يعنى بما كان يعنى به الآمدي والجرجاني من السرقات الأدبية وإن يكن الآمدي يجمع في نقده بين التيار العربي الخالص والآثار اليونانية، واهتم عبد القاهر الجرجاني في كتابيه «أسرار البلاغة» و«دلائل الإعجاز» بفكرة «النظم» الذي يربط بين مفردات الجملة وهي فكرة شبيهة بفكرة «الوحدة» التي وردت عند أرسطو في كلامه عن التراجيديا. وتناول د. شكري عياد موضوعه من زاوية المسائل النقدية، لا من ناحية رجال النقد فرأى أن المسائل التي ظفرت باهتمام النقد لا بد أن تكون ذات صلة قوية بكتاب «الشعر» لأرسطو بصفة خاصة، وبالمنطق اليوناني والفلسفة اليونانية بصفة عامة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"