عادي

إفريقيا تعاني هجرة الأدمغة

02:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
سيزار شلالا

إفريقيا هي اليوم قارة حيوية تشهد نمواً متسارعاً لاقتصاداتها، إلا أنها لا تزال تعاني مشكلات عديدة - مشكلات تتفاقم بسبب هجرة الأدمغة.
بدأت أسافر إلى إفريقيا في مهمات مرتبطة بالصحة العامة في بداية الثمانينات. ومنذ البداية، أسرت إفريقيا اهتمامي ومخيلتي. وهي، في النهاية، القارة التي ولد فيها والدي - عندما ذهب جدي اللبناني إلى العمل في مجال تزويد عمال منطقة الترانسفال (في جنوب إفريقيا) بالمؤن الغذائية. وفي 1981، بدأت أزور العديد من بلدان العالم في مهمات مرتبطة بالصحة العامة. ولكن السفر إلى إفريقيا كان أكثر ما أثار اهتمامي، حيث أتاحت لي تلك الرحلات الذهاب إلى مواقع ورؤية أوضاع لا يراها السياح عادة.
ومنذ البداية، أدركت أن هناك إفريقيتين: واحدة تصفها عادة وسائل الإعلام كأرض فقر وأمراض وحروب، وثانية كقارة حيوية ونشطة يعمل فيها رجال ونساء بكد، قارة أطفال وشبان وشابات جميعهم يشعّون فرحاً، قارة كياسة وأمل.
واليوم، ست من الاقتصادات العشرة الأسرع نمواً في العالم موجودة في إفريقيا. ولكن رغم التقدم، لا تزال هناك مشكلات كبيرة مثل بطالة الشبان. ويقدر أن 70% من سكان إفريقيا المدارية (جنوب الصحراء) هم دون الثلاثين من العمر، وأن 60% من العاطلين عن العمل هم أيضاً شبان. ويجب بلورة سياسات جديدة من أجل استيعابهم في قوة العمل. ومن أجل تحقيق ذلك، من المهم تدريبهم على المهارات الأساسية التي تمكنهم من كسب ما يستحقون وما يحتاجون. وقد أوصت منظمتا العمل الدولية واليونيسكو بأن تبلور الحكومات، والجهات المانحة الدولية، والقطاع الخاص سياسات متكاملة من أجل توفير وظائف للشبان وتسهيل الانتقال من المدرسة إلى سوق العمل.
ولكن هجرة المهنيين والشبان لها تأثير ضار في اقتصادات بلدان إفريقية. وقالت الدكتورة لالا بن بركة، المسؤولة في اللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة: «في غضون 25 سنة، ستفرغ إفريقيا من الأدمغة». وهناك بعض الوقائع التي تؤيد هذا التأكيد: فمنذ 1990 وإفريقيا تخسر 20 ألف مهني سنوياً. وفي الولايات المتحدة وحدها، هناك علماء ومهندسون أفارقة أكثر مما يوجد منهم في كل القارة الإفريقية. وحسب الأمم المتحدة، فإن «هجرة المهنيين الأفارقة إلى الغرب هي واحدة من أكبر العوائق أمام تنمية إفريقيا».
وفي مجال الصحة، تحقق تقدم كبير في مكافحة مرض نقص المناعة «الإيدز»، ولكن تحديات أخرى تبقى قائمة. ويقدر أن أكثر من مليون طفل دون عمر الخمس سنوات مصابون بعدوى «الإيدز»، في حين أن هناك أكثر من 12 مليون يتيم مصابون ب «الإيدز» ويشكلون ضغطاً هائلاً على الخدمات الاجتماعية.
غير أن «الإيدز» ليس داعي القلق الوحيد. إذ إن انتشار وباء الإيبولا يؤكد مشكلة نقص الأطباء، وكذلك ضعف أنظمة الرعاية الصحية في عدد لا بأس به من البلدان المتأثرة. وعلى الجانب الإيجابي، الخدمات الصحية في عدة بلدان تحسنت بدرجة كبيرة.
وتعاني بلدان إفريقية عدة معدلات مرتفعة لأمراض خطرة مثل السل، والإسهال، والملاريا، والحصبة، والأمراض التنفسية وسوء التغذية. وتشكل هذه الأمراض خطراً كبيراً على الأطفال.
والهجرة المستمرة للأطباء والممرضين إلى البلدان الصناعية تفاقم المشكلات الصحية في إفريقيا. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن 23 ألف شخص من المتخصصين في الرعاية الصحية يغادرون إفريقيا كل سنة.
وحسب دراسة نشرتها «المجلة الطبية البريطانية» عام 2011، فإن الاستثمارات الضائعة نتيجة لهجرة الأطباء المتخرجين محلياً إلى أستراليا، وكندا، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة تبلغ 2.2 مليار دولار سنوياً. وحسب منظمة الصحة العالمية، يعاني 57 بلداً في العالم - منها 36 في إفريقيا المدارية - نقصاً حاداً في العاملين في مجال الرعاية الصحية. وبالإضافة إلى هؤلاء العاملين، يهجر إفريقيا أيضاً كثيرون من المهنيين والفنيين المتخصصين في مختلف المجالات الأخرى.

مستشار دولي في شؤون الصحة العامة وكاتب أرجنتيني من أصل لبناني - موقع «كاونتر بانش»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"