عادي

أشجار القرم العمانية غابة تزخر بالحياة

02:04 صباحا
قراءة 4 دقائق

القرم أو المانجروف، نوع من أنواع النباتات الشاطئية التي تعيش على الماء المالح ويوجد منه عدة أنواع ويكثر على شواطئ جنوب شرقي آسيا، كما يوجد بوفرة في منطقة الخليج وتحديداً في سلطنة عمان التي حباها الله بسواحل ممتدة لأكثر من 3165 كم تتميز بوجود غابات كثيفة من أشجار القرم التي كان التجار العمانيون منذ القدم يتاجرون بأخشابها وبذورها في رحلاتهم البحرية مع دول العالم كافة، للمزيد عن هبة الطبيعة العمانية كان لنا التقرير التالي:

كلمة القرم لا تعني بحد ذاتها مسمى لنبات معين، بل هي تسمية عامة لمجموعة من النباتات المزهرة التي تعيش في مناطق المد والجزر في البيئات الساحلية ذات المناخ الاستوائي أو شبه الاستوائي، وتعتبر من الأنواع الخشبية الصلبة التي تتميز بمقاومتها العالية للتحلل والتعفن، كما تعتبر بعض أنواعها مقاوماً للملوحة حيث طور نفسه ليتحمل البيئة المالحة بوجود غدد ملحية خاصة تمتص الأملاح وتخزنها في أوراق القرم التي تتساقط لاحقاً، ويعتبر شجر القرم مفيداً للبيئة البحرية والبرية حيث يساعد في تثبيت التربة ويشكل مأوى طبيعياً للأسماك والكائنات البحرية إضافة إلى كونها مأوى لتعشيش الطيور ومصدات للرياح .

وفي إطار اهتمام الحكومة العمانية بالبيئة وصون مواردها الطبيعية ابتداء من أوائل سبعينات القرن الماضي، أصدرت الحكومة مجموعة من القوانين والتشريعات التي تحافظ على أشجار القرم إيماناً منها بأهميتها الكبيرة لحفظ التوازن البيئي لكونها مناطق حضانة لعدد من الأسماك ذات القيمة التجارية، إضافة إلى كونها ذات مناظر طبيعية جذابة يمكن الاستفادة منها في صناعة السياحة .

يسود في سلطنة عمان نوع واحد من أشجار القرم وهو المعروف باسم أفيسينيا مارينا AVICENNIA MARINA والذي يتأقلم بكفاءة مع البيئة العمانية ذات الطقس الحار وشح المياه العذبة، ويتوزع هذا النوع في مناطق ساحلية عدة امتداداً من منطقة الباطنة شمالاً، مروراً بالعاصمة مسقط والمنطقة الشرقية والمنطقة الوسطى، وصولاً إلى محافظة ظفار جنوباً، وتبلغ المساحة الكلية التي تغطيها أشجار القرم في عُمان قرابة ألف هكتار، وقد أثبتت الحفريات الأثرية في محمية القرم الطبيعية في مسقط وجود أشجار القرم في هذه المنطقة واستغلال الصياديين لها منذ ما يزيد على أربعة آلاف عام مضت، وإلى جانب حديقة القرم تنتشر هذه النوعية من الأشجار بكثافة في بندر الخيران وقريات في مسقط، وخور القرم الكبير وخور القرم الصغير في محافظة ظفار، وولايات شناص ولوى في منطقة الباطنة، وخور صور وجراما وجزيرة مصيرة في المنطقة الشرقية وولاية محوت في المنطقة الوسطى .

وتستوطن هذه المحميات حسب أحدث الدراسات ما يزيد على 40 نوعاً من القشريات، و200 نوع من الطيور وأكثر من 80 نوعاً من الرخويات، إضافة إلى ما يزيد على100 نوع من الأسماك والكائنات البحرية الأخرى .

ونظراً لأهمية هذا النوع من الأشجار، أطلقت وزارة البيئة والشؤون المناخية في العام 2000 بالتعاون مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي ما سمي بمشروع استزراع أشجار القرم وتأهيل الأخوار الذي بدأ بتأسيس أول مشتل في محمية حديقة القرم الطبيعية في مسقط، والذي أنتج بعد ستة أشهر 17250 شتلة جاهزة للزراعة، والتي تمت زراعتها بالفعل في خور السوادي في منطقة الباطنة التي تشكل اليوم غابة طبيعية هائلة تعد من أهم موائل الأحياء الحرية في المحافظة والتي حققت نمواً جيداً خلال سنوات قليلة فقط، لاحقاً تم استزراع القرم في ولاية صور لينتج غابة جديدة ورائعة، كما تم في العام 2003 تدشين المشتل الثاني في حديقة القرم بقدرة إنتاجية وصلت إلى 22500 شتلة سنوياً، إضافة إلى مشتل في خور البطح في صور وآخر في خور القرم الكبير في ظفار ينتج كل منهما ما يصل إلى 70 ألف شتلة سنوياً، وقد استطاع مشروع الاستزراع أن يغرس ما يقارب نصف مليون شجرة قرم خلال 10 أعوام من انطلاقه ما يعد إنجازاً كبيراً على طريق حماية وصون هذا المورد الطبيعي بالغ الأهمية لسلطنة عمان .

ولا نستطيع أن نتحدث عن أهمية نباتات القرم كثروة طبيعية من دون أن نشير إلى أهميتها كنظام بيئي يتفاعل مع المنظومة البيئية العالمية، وكمصدر حيوي لإنتاج الأكسجين، لأن كل شجرة من أشجار القرم هي بمثابة مصنع لإنتاج الأكسجين، كما أنها تعمل في الوقت نفسه كجهاز تكييف يرطب أجواء المناطق التي تحيط بها، والتي عادة تكون في أشد الحاجة إلى هذه المكيفات الطبيعية، نظرا لارتفاع درجة الحرارة، وتقف هذه النباتات التي تنمو على السواحل البحرية في المياه المالحة على الحد الفاصل بين اليابسة والماء تقاوم انجراف التربة وتآكلها، لأنها بكثافتها تعمل كمصدات للأمواج التي تتكسر عليها، فتعود ثانية إلى جوف البحر دون أن تضر بالتربة القريبة من الساحل، كما أن نظام امتداد الجذور من هذه الأشجار، والذي يأتي من أسفل إلى أعلى ويبدو بازغاً من التربة كالأوتاد أو العصي مشكلاً سياجاً حامياً للتربة يقاوم موجات البحر عدا عن دورها كعامود فقري للنظام البيئي الذي تقوم عليه، لأنها تمثل في هذا النظام محوراً رئيسياً للحياة الفطرية التي يعج بها من كائنات حية دقيقة لانراها وكائنات حية بحرية تأوي إليه وتعيش في كنفه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"