عادي

كارل بوبر فيلسوف المجتمع المفتوح

02:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»

يعد كارل بوبر (1902 - 1994) في طليعة فلاسفة العلم والمنهج العلمي وأصول التفكير العلمي، خرجت من رحابه بشكل أو بآخر مجمل التطورات الراهنة في فلسفة العلوم، وكان «بوبر» بتعدد جوانب فلسفته واتساقها، وانعكاسها في مجتمع مفتوح للرأي الآخر، واحداً من أهم فلاسفة النصف الثاني من القرن العشرين المعبرين عن طابعه والمستشرفين لآفاقه، تحمل فلسفته التجديدية الثرية العميقة، أنضج نظرية للعلم، وتتشابك أطرافها المترامية ذات الطابع النقدي مع التيارات المميزة للفكر العلمي في القرن العشرين.
كارل بوبر أصلاً دارس للرياضة والطبيعة، بجانب الفلسفة بالطبع، ثم إنه مدرس لها، ويستند في فلسفته للعلم إلى خلفية صلبة وأرض ثابتة من الإلمام الأكاديمي الواسع بالعلم ذاته، إنه كما قال العالم الفيزيائي الكبير هنري مارجينو، على خلاف معظم معاصريه، فقد أخذ على عاتقه دراسة موضوع تفلسفه، أي الفيزياء المعاصرة، وهو رغم سعة إلمامه بالعلم وفلسفته، ليس من قبيل الفلاسفة الذين بهرهم هذا العلم، فذابوا معه وراحوا ينكرون أدنى فعالية لشتى ضروب الأنشطة العقلية، بل إنه من خلال العلم ذاته ينظر بعين الاعتبار لسائر تلك الضروب، وعلى رأسها جميعاً الميتافيزيقا.
وهو أحد المعاصرين القلائل، إن لم يكن الوحيد بعد رحيل راسل، الذين تتميز بحوثهم بالسمة شبه الموسوعية، لا نجد ميداناً من ميادين النشاط العقلي لم يسهم فيه بوبر، له بحوث في العلم، لاسيما الفيزياء البحتة ونظرية الكوانتم، ونظريات في فلسفته ومناهج بحثه، وهو مجدد في المنطق ونظرية المعرفة، ومبدع في الميتافيزيقا، أما نظريته السياسية فهي من أشهر ما اشتهر به، وقيل إن كتابه «المجتمع المفتوح وخصومه» من أهم منجزات القرن العشرين في مجال الفلسفة السياسية والاجتماعية.
وعلى رغم ذلك فكارل بوبر في كل مناسبة، يؤكد أن اهتمامه الأساسي هو فلسفة العلوم الطبيعية، وفلسفة بوبر برغم قوتها وصرامتها ، تتخطى الحدود الأكاديمية وتؤثر تأثيراً فعالاً في الحياة العملية، فنجد مثلاً أن العلماء التجريبيين الحاصلين على جائزة نوبل، يؤكدون أنهم وصلوا إلى تلك النتائج العلمية الباهرة بفضل اتباع تعاليم بوبر المنهجية، وكانت نصيحة أحد هؤلاء العلماء للآخرين هي أن «يقرؤوا ويتأملوا كتابات بوبر عن فلسفة العلوم، وأن يتخذوا منها أساساً للعمل في حياة الفرد العلمية» ولم يتبن هذا الرأي العلماء التجريبيون فقط، فأحد علماء الفلك قال: «ببساطة ليس العلم شيئاً أكثر من منهجه، وليس منهجه شيئاً أكثر مما قاله بوبر»، فأثر بوبر إذ امتد ليشمل كل العلماء التجريبيين وعلماء العلوم البحتة.
يذهب البعض إلى أن نقد بوبر للماركسية يمثل أخطر ما قد وجه لها من نقد حتى الآن، لكن الغريب أنه لا يتمتع بالشهرة الكافية، ولا يلقى ما يستحقه من تقدير، خصوصاً في عالم الدراسات الفلسفية العربية، إذ لا يتبين الكثيرون فلسفته بوضوح، فضلاً عن أنه شبه مجهول لمثقفي العربية العاديين.
ولد كارل بوبر في فينيا في 28 يوليو 1902 لأسرة نمساوية خليقة بأن تنجب فيلسوفاً، فكان الأب أستاذاً للقانون في جامعة فينيا، وكانت الكتب تملأ أركان البيت، وكان حريصاً على تنشئة ابنه على قراءة الكتب الفلسفية الكلاسيكية، ومن ناحية أخرى فقد نشأ كارل بوبر شديد التعاطف مع مظاهر البؤس والحرمان والشقاء، وكانت منتشرة في أحياء فيينا الفقيرة، وحينما شب عن الطوق ورث عن أبيه العمل الاجتماعي من أجل الأطفال المهملين والأيتام.
ولما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها ترك منزل والديه كي يستقل بنفسه، فعمل في عيادة الطبيب النفساني ألفريد آدلر، وكان يأكل قليلاً ويرتدي رث الثياب، وكانت متعته الوحيدة هي التردد إلى حفلات الموسيقى، وبخلاف ذلك كان مهتماً بالفلسفة السياسية، وكان يحضر محاضرات في الفيزياء وعلم النفس والأدب والتاريخ، لكن سرعان ما ترك هذا، وقصر حضوره على محاضرات الفيزياء النظرية والرياضة البحتة، وفي عام 1946 رحل إلى إنجلترا واستقر في إحدى ضواحي لندن، وفي عام 1965 منح رتبة شرف في المجتمع الإنجليزي لقب «سير» حتى بلغ سن التقاعد في عام 1969.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"