عادي
مقامها عظيم وخطرها جسيم

الفتوى من غير المختصين قول بغير علم

03:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

متابعة:جيهان شعيب

للقول مصداقية، يجب الالتزام بها حين التفوه به، هذا بشكل عام، أما إذا كان متعلقاً بإجابة سؤال، أو استفسار، أو توضيح أمر ما، فلا بد أن يكون مستنداً لعلم، وقائماً على معرفة تامة وشاملة، فما بالنا هنا بالفتاوى التي أضحى بعض من هب ودب يفتي بها، عن انعدام دراية، أو علم شرعي متمكن منه المرء، أو تفقه، ووعي كامل، وأسانيد موثوقة، وموثقة.
فالمؤسف أن البعض أصبح يفتي في ما يجهله، وذهب الكثيرون إلى استقاء الفتوى من هذا أو ذاك من غير أهل التخصص، دونما اختيار صحيح للمتمكن علماً وتأهيلاً وقدرة فعلية على إعطائها، بحيث تأتي الأعمال وتبنى على فتاوى صحيحة، منبثقة من مصادر شرعية لا شك فيها ولا تشكيك.
وحرمة الفتوى المضللة هنا، والتي أضحت تنتشر نسبياً، لا تختلف عن الأفعال الجرمية، التي تسن عليها عقوبات مشددة، لأن التضليل يوقع في الخطأ دنيوياً، ويؤثم عليه الفرد في آخرته، لذا، وحول وجوب تحري الفتوى من أهلها، وخطورة انتشارها من غير المختصين قال د. سالم ارحمه الشويهي الباحث الشرعي: الفُتيا مَقامُها عظيمٌ، وخطرُها جسيمٌ، ولذا قال تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، وفي الآية دليل على وجوب الرجوع إلى أهل العلم في ما أشكل من مسائل الدين، فالفتوى إخبار عن حكم الله تعالى فلا يستهان بها ويجب عدم السؤال عن الحكم الشرعي إلا للعلماء، ف»المفتي موقع عن رب العالمين، والواسطة بين اللَّه وخلقه في بيان الحلال والحرام لمن استفتاه»، وفي الأثر: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم».
لذلك هاب الفتوى أكابرُ العلماء على الرغم من علمهم الوفير، ولم تدفعهم شهرتهم الواسعة إلى التجرُّؤ على الفتوى.

أعظم المحرمات

فكل هذه النصوص والآثار وغيرِها دالة على خطر التّهور والتسرُّع على الفتيا والقول على الله بغير علم، فإن ذلك من أعظم المحرمات؛ لما فيه من جرأة وافتراء على الله، وإغواء وإضلال للناس، وهو من كبائر الإثم، لقول الحق تبارك وتعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون.
وفي عصرنا تنافس أناس بالفتيا في المجالسِ، وفي القنواتِ الفضائية، ومواقع التواصل، فعجَّت ومجَّت بكل متعالمٍ وجاهل، فتكاثرت على أسماعنا الأباطيل والأعاجيب، وأصبحت الفتوى مرتعا لكل من هبَّ ودبَّ.

تضحك الثكلى لفتواه

والناظر في أمر الفتيا، وحال الإفتاء يجد فوضى عريضة، وتناقضات غريبة، وتعالماً مزرياً، وجرأة عجيبة؛ فهذا يهدم بفتياه أصلاً شرعياً مقرراً، وذاك يتقدم ليفتي في نازلة وما هو لها بأهل، وثالث يفتي فتضحك الثكلى لفتواه، وكل ذلك أخبرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «سيكونُ في آخِرِ الزَّمانِ ناسٌ مِن أمَّتي يُحدِّثونَكم ما لم تسمَعوا أنتم ولا آباؤُكم فإيّاكم وإيّاهم»، فلا يجوز للناس أن يستفتوا عن أحكام رب العباد إلا أهل العلم والديانة، ولا يصح استفتاء أهل الجهالة والغباوة، ولو تَصدَّروا أو صُدِّروا، فمجالات الطب والهندسة، وغيرها من العلوم لا يتكلم فيها إلا المتخصصون، والأحرى في دين الله ألا يتكلم فيه إلا المتخصصون والعالمون به، فقمة الإجرام في دين الله، الكلام عنه بغير علم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"