عادي
الإمارات تعيد الأمل إلى مدارس عدن

واقع التعليم في اليمن.. الحوثيون يستبدلون رصاص الموت بكتاب القراءة

03:47 صباحا
قراءة 7 دقائق

صنعاء - «الخليج»:

يعيش الطلاب في اليمن أزمة مزدوجة تؤثر بشكل كبير في تحصيلهم العلمي، بخاصة في الأوضاع التي يعيشونها اليوم مع استمرار الحرب التي تشهدها مختلف مناطق البلاد، منذ استيلاء المتمردين الحوثيين على العاصمة صنعاء في مثل هذا الشهر من العام الماضي بدعم كبير من قبل الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وأنصاره في المؤسسات العسكرية.
ومنذ العام الماضي والحياة الدراسية في البلد تتأثر بإيقاع التطورات القائمة، إذ إن الحرب حرمت الملايين من الطلاب من مواصلة دراستهم، فضلاً عن استهداف العشرات من المدارس واحتلال بعضها من قبل المتمردين واتخاذها ثكنات عسكرية، كما حدث في العاصمة صنعاء وتعز وعدن ومأرب وغيرها من المناطق المختلفة في البلاد.
وقد كان تأثير الحرب العبثية كثيراً في التعليم الأساسي بشكل خاص، لا سيما في المراحل الأساسية والإعدادية والثانوية، إذ لم تقتصر الأضرار على مناطق النزاع، بل أيضاً على المناطق التي تعتبر آمنة نسبياً.
وتبخرت كل الجهود التي تحققت خلال السنوات القليلة الماضية في مجال التعليم، والتي تمت بجهود عربية ودولية، وبخاصة من منظمة اليونيسيف، التي دقت ناقوس الخطر بشأن المآل الكارثي للتعليم في اليمن، إذ إن ملايين الطلاب في البلاد صاروا خارج المنظومة التعليمية، منذ سنوات؛ فيما أحيت دولة الإمارات العربية الآمال إلى سكان عدن بعدما تكفلت بإعادة ترميم أكثر من 150 مدرسة دمرت بشكل كلي أو جزئي ووفرت للطلاب المستلزمات الضرورية للطلاب، مثل المقاعد والكتب الدراسية والحقائب المدرسية وغيرها.

اختلالات عميقة

كان العام الدراسي الماضي واحداً من أسوأ الأعوام الدراسية التي مرت على الطلاب خلال الأعوام القليلة الماضية، باستثناء عام 2011 الذي كان شبيها بهذا العام، حيث أنهاه طلاب الثانوية العامة والتعليم الأساسي تحت القصف والدمار من جراء المعارك بين أطراف الصراع. ويقول نائب وزير التربية والتعليم عبدالله الحامد إن الطلاب الذين لم يتمكنوا من تأدية الامتحانات للعام الدراس الماضي يمثلون ما نسبته 18% من الطلاب، موزعين على 7 محافظات، مشيراً إلى أن إجمالي الطلاب الذين دخلوا للامتحان 310 آلاف طالب وطالبة في المرحلة الاساسية و210 آلاف و588 طالباً وطالبة للمرحلة الثانوية، وأوضح أن طلاب 7 محافظات لم يتمكنوا من أداء الامتحانات فيها، أبرزها محافظة صعدة، التي تعتبر المعقل الرئيسي لجماعة الحوثي المسلحة، وتعز التي تشهد أشرس المعارك بين المقاومة الشعبية والانقلابيين.
وأعلن الحامدي ال 10 من شهر أكتوبر/تشرين الأول موعداً لبدء العام الدراسي الجديد، إلا أن الوزارة عادت وأعلنت تأجيل بدء العام الدراسي إلى العاشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، لأسباب تتعلق بأوضاع الحرب القائمة في مختلف مناطق البلاد، من بينها العاصمة صنعاء، إضافة إلى عدم قدرة الوزارة على طباعة الكتب الدراسية وغياب المعلمين، الذين فر الكثير منهم مع أطفالهم إلى الأرياف، إضافة إلى فرار الكثير من الطلاب مع أولياء أمورهم إلى خارج البلاد وبدء انتظامهم الدراسة في الدول التي يعيشون فيها، خاصة في المملكة العربية السعودية ومصر وماليزيا.

أرقام مخيفة

تشير مصادر حكومية إلى أن من أبرز تداعيات الأزمة الحالية على التعليم العام في اليمن تتمثل في ارتفاع نسبة الأطفال خارج المدرسة إلى 47%، ما يعني أن نحو 3 ملايين طفل خارج العملية التعليمية، مقارنة ب27.5% قبل الأزمة التي بدأ اليمن يعيشها قبل نحو أربعة أعوام عندما بدأت الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
وتؤكد التقارير الواردة من اليمن أن الحرب التي يعيشها اليمن منذ انقلاب الحوثيين على الشرعية العام الماضي ألحقت أضراراً كبيرة بقطاع التعليم، الذي كان يواجه مشكلات كبيرة منذ سنوات طويلة، تعود إلى ضعف البنية التحتية لهذا القطاع المهم في حياة الشعوب.
وبحسب التقارير الواردة من جهات مهتمة بشؤون التعليم في اليمن، فإن نحو 70% من المدارس تم إغلاقها في مختلف مناطق البلاد، أي نحو 3584 مدرسة، لأسباب متعددة، من بينها تحويل هذه المدارس إلى ثكنات عسكرية للمقاتلين أو تهدمها بفعل القذائف الصاروخية أو وقوعها في مرمى نيران المتقاتلين قبل نهاية العام الدراسي.
ويشير تقرير لليونيسيف إلى أن استخدام المدارس كمأوى للأسر المهجرة ليس بجديد على اليمن، فهذه ممارسة اعتادوا عليها خلال النزاعات المحلية التي شهدوها في السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي مثل تحدياً يعيق تعليم الأطفال المهجرين وطلاب المدرسة على حد سواء، وازداد الوضع سوءاً بسبب الأحداث الدائرة في اليمن منذ بضعة أشهر.
ويشير التقرير إلى أن «اليونيسيف» عملت وتعمل مع الجهات الخاصة للمساعدة في تنظيم حصص استدراكية للطلاب الذين انقطعوا عن الدراسة، وتشجيع أكبر عدد ممكن من الأطفال على العودة للمدرسة في السنة الدراسية الجديدة. ويؤكد مصدر في وزارة التربية والتعليم أن نحو 288 مدرسة تم تدميرها جزئياً، و95 مدرسة كلياً، واحتلال 29 مدرسة على الأقل من جانب جماعات مسلّحة، كما استخدمت 317 مدرسة لإيواء النازحين داخلياً، وأحياناً تحرق المقاعد والطاولات لاستخدامها حطباً للطهي، فضلاً عن تعليق الدعم التنموي المقدم من المانحين لقطاع التعليم، بما في ذلك برنامج الغذاء مقابل التعليم.
ودفعت هذه الظروف إلى عرقلة 1.84 مليون طالب عن مواصلة تعليمهم، وتأجيل استكمال العام الدراسي، وضياع شهرين دراسيين، وعدم الخضوع لاختبارات نهاية السنة، كما هو معتاد. وأعلنت وزارة التربية والتعليم أن أكثر من 600 ألف طالب في الصف التاسع من التعليم الأساسي والصف الثالث الثانوي، لم يتمكنوا من الخضوع لامتحانات شهادة التعليم الأساسي والثانوي في موعدهما المحدد، وجرى ترحيل الامتحانات من موعد إلى آخر أكثر من مرة، فيما قتل العديد من الطلاب والطالبات أثناء أدائهم الامتحانات، سواء داخل مدارسهم أو أثناء ذهابهم إليها.
يقول تقرير لمنظمة اليونيسيف أن نحو 600 ألف طالب لم يتمكنوا من تقديم امتحاناتهم بسبب إغلاق المدارس، وقد ساعدت اليونيسيف ووزارة التربية نحو 65% من الطلاب الذين يفترض أن يترفعوا للصفوف التاسع والثاني عشر على تقديم الامتحانات الوطنية، ومع تعطل نظام التعليم بسبب النزاع، كما تدخلت اليونيسيف لتوفر الدعم الفني واللوجستي الضروري، الذي تضمن من بين أشياء أخرى، طباعة وتوزيع أوراق الامتحانات والإشراف عليها.
وتلفت رئيسة مركز الطفولة الآمنة في اليمن هيام مبارك إلى وضع أسوأ مما يتم نشره في تقارير المنظمات الدولية عن حقوق الأطفال وتعليمهم، وأكدت أن واقع الأطفال في اليمن أسوأ بكثير مما تصوره تقارير المنظمات الدولية، حيث تشير إلى أن أكثر من مليون طفل محرومون من التعليم، وهو عدد يضاف إلى 1.6 مليون طفل آخرين لم يلتحقوا بمقاعد الدراسة أصلاً. وتشير إلى مأساة أخرى تتهدد الأطفال اليمنيين، وهي أن الكثير من مدارسهم دمرت، وما بقي منها استخدم من طرف النازحين كمأوى.

أوضاع نفسية

تشير التقارير الصادرة عن وزارة التربية والتعليم إلى أن الحرب ألحقت بالبلد الكثير من المآسي، ومنها ما يتعلق بالطلاب، الذين تأثرت أحوالهم النفسية بما يجري في البلاد، إضافة إلى تأثر الحالة النفسية للأطفال والمعلمين في مناطق الصراع، وزيادة نسبة الأطفال المشاركين في الصراع المسلح، ما يضيع مستقبلهم الدراسي ويعرضهم للإصابات أو القتل.
وتقول هيام مبارك إن المؤسسات الصحية طالها الدمار، ويصعب الوصول إليها من طرف الأطفال الذين يعاني أغلبهم سوء التغذية والصدمات النفسية جراء الحرب، مشيرة إلى خطر الألغام الذي يتهدد حياة الأطفال الذين بترت أعضاء عدد منهم بسببها. ويرى مراقبون للشأن التعليمي في اليمن أن وضع الطلاب في اليمن يعد امتداداً للوضع الإنساني المتردي في البلاد بشكل عام، خاصة أن أطفال اليمن يتم تجنيدهم واستغلالهم لأغراض عسكرية، كما حدث خلال الأشهر الماضية عندما جند الحوثيون أطفالاً للقتال في صفوفهم لخوض معارك عسكرية، وقطع وعود بأن يعملوا على مساعدتهم في استخراج شهادات نجاح، كما هو الحال عندما طالب قيادي في جماعة الحوثي وزارة التربية والتعليم باعتماد نجاح المئات من الطلاب باعتبار أنهم يقاتلون في الجبهات.
ويتهم حمزة الكمالي، وهو ناشط سياسي وحقوقي الحوثيين بالزج بالأطفال في الحرب الدائرة في البلاد والدفع بهم إلى الصفوف الأولى للقتال، واعتبر أن وضع الطفولة في اليمن نتيجة تراكمات ازدادت سوءاً بعد الانقلاب على الشرعية، وقال إن الأمر يتعلق بجيل بائس بالنسبة للذين ولدوا بعد العام 2002 لأنهم عاصروا عدداً من الحروب وويلاتها. وأوضح الكمالي أن أطفال اليمن يعانون سوء التغذية وفقر الدم والأمراض الخطرة، فضلاً عن انقطاعهم عن الدراسة بعد أن تعرضت مدارسهم للدمار نتيجة الحرب.

خير الإمارات

أخذت دولة الإمارات على عاتقها مهمة إعادة الأمل للطلاب الذين حرمتهم الحرب التي شنها الحوثيون وأنصار المخلوع صالح، من إنهاء امتحاناتهم للعام الدراس الماضي واستئناف دراستهم للعام الدراسي الحالي، بخاصة في مدينة عدن، حيث بادرت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي بتحمل كافة نفقات أعمال الصيانة وترميم جميع المدارس بالمحافظة البالغ عددها 154 مدرسة وتوفير جميع متطلبات العملية التعليمية.
وأوضح نائب أمين عام المساعدات الدولية بجمعية الهلال الأحمر الإماراتي حميد راشد الشامسي أن صيانة وترميم جميع المدارس بمحافظة عدن جاء بناءً على توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مؤكداً أنه ستتم إعادة بناء المدارس التي تهدمت كلياً وصيانة وترميم جميع مدارس المحافظة مع توفير كل مستلزمات العملية التعليمية للمدارس، وأن مشرفين ومهندسين يتابعون تنفيذ المشاريع مباشرة أولاً بأول.
وقبل أسبوعين دشن نائب رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء خالد بحاح وعدد من الوزراء استئناف العملية التعليمية وبداية العام الدراسي في عدد من مدارس المحافظة، حيث فتحت مدارس عدن أبوابها أمام آلاف الطلاب والطالبات في مختلف مديريات ومدن المحافظة بعد أن تم تأهيلها وإعادة ترميمها جراء تعرض الكثير منها للضرر بفعل ما خلفته آلة الحرب التي شنتها ميليشيا الحوثي وصالح الانقلابية على المحافظة.
وأكد بحاح في كلمة له الدلالة الإيجابية الكبيرة التي تمثلها عودة العملية التعليمية، وأشاد بشكل خاص بالجهود التي بذلت لتأهيل مدارس عدن وخصوصاً الهلال الأحمر الإماراتي وما قام به مكتب وزارة التربية والتعليم بالمحافظة من سعي حثيث لعودة تلك المدارس وفتح أبوابها من جديد.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"