عادي
تؤلف الأغاني وأدت ما يقارب 1000 أغنية

رقية الدمسيرية حولت مأساتها لفن أمازيغي

05:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
الرباط - يوسف حمادي:
تعتبر "الرايسة" رقية الدمسيرية واحدة من رائدات الأغنية الأمازيغية في المغرب لأكثر من أربعة عقود من الإبداع النابض الفن الجميل، ألفت خلالها مجموعة من القصائد الرقيقة، وغنت ما يقارب الألف أغنية، التي فرت من أجلها من بين فجاج جبال منطقة درعة، إلى الجنوب المغربي، لتعانق حرية الفن في الدار البيضاء وباريس وبروكسيل ونيويورك، وهناك ستغني للهم والسعادة، والحب والألم، والانتصار والانكسار .
تعد الدمسيرية، واسمها الحقيقي رقية شوال، من الفنانات المخضرمات من جيل "الروايسات" الأمازيغيات إلى جانب أخواتها الفنانات العربيات، فهي من جيل الرائدات، ولدت عام 1948 بدوار اديغيس زاوية تامرورت منطقة دمسيرة التابعة لمحافظة شيشاوة، المتاخمة ل "إيمنتانوت" التي نظمت بها "إمارات الخير" أياماً استشفائية لمعالجة مرضى العيون، وهي منطقة معروفة بإنجابها للفنانين الموهوبين، ومن أشهرهم الراحل محمد الدمسيري والرايسة صفية . لم يكتب للدمسيرية أن تعيش طفولة سعيدة حيث فقدت أمها وعمرها لا يتجاوز 4 سنوات، وعانت الحرمان وسوء المعاملة من زوجة أبيها، لدرجة بلغت حد تأثير الزوجة في الوالد، والضغط عليه لتزويجها وهي صغيرة لرجل أرادها راعية ماعز بين أشجار "أركان" المنتشرة بكثرة في المنطقة، مما دفع رقية إلى الهروب لمدينة الدار البيضاء وعمرها آنذاك لا يتجاوز أربعة عشر عاما، وهناك احترفت الفن باستوديوهات تسجيل الأغاني التي كانت أسطوانات .
كانت دروب الدار البيضاء، أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي، عميقة ومظلمة، ومع ذلك صبرت الدمسيرية وتحملت أذى الأيام وشرور الأشرار، وما أكثرهم في ذلك الزمن الذي كانت المرأة فيه، خصوصاً الأمازيغية، لا تقدر حتى على رفع صوتها، ومع ذلك غنت رقية ل "تايري وتنير"، للحب والقمر .
لم تترك هذه الفنانة الذكية، التي التقتها "الخليج" في مدينة مراكش، باباً من أبواب الفن الأمازيغي إلا وطرقته، خصوصاً إذا علمنا أن الفنون الأمازيغية متعددة، ولها أساليب "الروايس" الخاصة، ورقصات "الأحواش" المتنوعة وأهازيج الأفجاج العميقة لجبال الأطلس وسهول منطقة "سوس ماسة درع" الكثيرة، حيث يصل صدى الصوت رقيقاً من حنجرة الرايسة رقية الدمسيرية ممزوجاً بحنحنات آلة الرباب، وهي تنشد باللهجة الأمازيغية:
"هموم الدنيا أبعدتني مع بلدتي التي ولدت فيها وركضت في الطريق، كالنحلة التي ساقتها أجنحتها في البحث عن الزهور، لكن ما إن يسقط الثلج أو تتحرك الرياح حتى تصبح عرضة للبرد و العراء . . إن قصتي أطول بكثير من تلك التي يسمونها ألف ليلة و ليلة" .
كانت الهموم والمعاناة حافزاً مقوياً على العمل لإيجاد الذات الحرة الرافضة للذل والمهانة في مسار ولادة فنية للفنانة رقية الدمسيرية التي استطاعت ترجمة تجربتها إلى كلمات وأغان، حكت عن طفولتها وغنت بها للحب ونبذ الكراهية، للقاء وذم الفراق، لحب الوطن ومعاناة الغربة، للصدق ورفض الكذب، وكتبت سيرتها الذاتية من خلال قصائد جمعتها في ديوان سمته "كتاب الحياة" . احتكت الفنانة في بداياتها الأولى بعباقرة الفن الأمازيغي من أمثال المرحوم محمد بونصير، والرايس عبد الله بن إدريس المزوضي، الذي كانت فرقته نقطة انطلاق المسيرة للفنانة الدمسيرية، لتنتقل بعدها إلى العمل إلى جانب الرايس المرحوم محمد الدمسيري، الذي اشتغلت معه في العديد من الأشرطة التي خلفت صدى طيباً لدى الجمهور وعشاق الفن الأمازيغي في المغرب وأوروبا، وهي إلى اليوم مازالت تتربع على أريكة الفن الأمازيغي الأصيل، محاطة بما أنتجته من روائع أغان أمازيغية جديرة بالتذوق الفني والفهم العربي لما تحمله من تجربة حياة فنانة عربية الأفكار أمازيغية اللسان .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"