عادي
الحزن يكمن في التفاصيل الدقيقة

«أوفيليـا» لميليـه.. البـراءة تلجأ إلى المـاء

02:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

الشارقة: أوميد عبدالكريم إبراهيم

لطالما كانت مسرحيات وليام شكسبير، مصدر إلهام للكثير من الرسامين، والشعراء، والأدباء، وغيرهم، من بينها شخصية «أوفيليا» بطلة مسرحية «هاملت» ، وإحدى أهم روائع شكسبير على الإطلاق، والتي ألهمت الفنان الإنجليزي جون إيفيرت ميليه، ودفعته إلى رسم لوحة بعنوان «أوفيليا»، استوحاها من تلك المسرحية، وتُصوِّر اللوحة النهاية التراجيدية المؤلمة للفتاة الحسناء التي نال منها اليأس، وتسللت الكآبة إلى نفسها، فقررت وضع حدّ لحياتها بعد أن قُتل والدها على يد حبيبها «هاملت»، فأغرقت نفسها في جدول ماء.

«أوفيليا» التي اختارها الرسام الإنجليزي محوراً للوحته؛ هي إحدى الشخصيات الرئيسية في المسرحية، وكانت مغرمة ب«هاملت»، الذي اكتشف أن والدته دبّرت مكيدة، مع عمه، لقتل أبيه، لكي يتزوج عمه من والدته، ويُصبح بذلك ملك الدنمارك، عوضاً عن هاملت الذي كان يُعتبر الوريث الشرعي للعرش، وقد جعلت هذه الحادثة هاملت يفقد ثقته بالنساء جميعاً، كما قرر الانتقام لمقتل أبيه، فضلاً عن عزوفه عن الزواج من «أوفيليا»، وإقدامه على قتل والدها الذي كان مغرماً بوالدة هاملت، فلم تتحمل «أوفيليا» تلك الصدمات مجتمعة، وقررت الانتحار.

دلالات نفسية

تعتبر لوحة «أوفيليا» التي رُسمت بالزيت على القماش بين عامي 1851 و1852، والمعروضة في متحف «تيت موديرن» في لندن، أشهر أعمال ميليه، وأكثرها براعة وجمالاً، وفيها يُبرز الرسام الإنجليزي الطبيعة البِكر، بكل ما تحتويه من تناقضات تزيدها جمالاً، إلى جانب تركيزه على الجمال البشري، وإظهار أدق التفاصيل، بما في ذلك ملامح الحزن والكمد التي تبدو جليّة على وجه الشابة «أوفيليا»، فضلاً عن إيلاء اهتمام بالغ بالمشهد الطبيعي من حول الجسد الغارق في الماء، وتشير التقديرات إلى أن رسم النباتات والأزهار وحدها استغرق أكثر من 4 أشهر.

ويُجمع نقاد ومؤرخو الفن على أن الورود التي تطفو على الماء حول جسد الفتاة الغارقة، ليست لمجرد الزينة، ولإضفاء جمالية على اللوحة، بل إن لكل وردة أو نبتة منها انعكاسات ودلالات نفسية مختلفة عن الأخرى، وتُجسّد الطبيعة البشرية بمختلف معانيها الحسِّية، والوجودية، فالبنفسج مثلاً يرمز إلى الإخلاص والموت في سنّ مبكرة، ونبات الخشخاش يرمز إلى الموت، في حين ترمز شقائق النعمان إلى الحب، والخيبة، والأقحوان يعكس السذاجة.

ويؤخذ على هذا العمل الفني وجود بعض المفارقات في الخلفية، حيث لا يوجد انسجام بين الشقّين الأيمن، والأيسر للوحة، من حيث الشكل والألوان، إلى جانب غياب التدرج في التلوين.

تناغم الملامح

شخصية «أوفيليا» رُسمت على يد الكثير من الفنانين في مراحل متباعدة، إلا أن اللوحة التي رسمها ميليه اعتُبِرت من أفضل اللوحات التي صوّرت مشهد انتحار الفتاة الحسناء؛ حيثُ تحاكي الأحداث الواردة في مسرحية «هاملت»، من حيث دقة تفاصيل المنظر الطبيعي المحيط بالفتاة، فضلاً عن ملامح وجه «أوفيليا» التي وصفها نصُّ مسرحية هاملت بأنها كانت تغني أثناء إغراق نفسها في جدول الماء، فعَمَد الرسام الإنجليزي إلى جعل الملامح متناغمة مع هذا السرد المسرحي، وترك فمهما مفتوحاً، وكذلك عيناها، فيما تظهر ملامح الاستسلام جليّة على وجه الفتاة، وتبدو أشبه بملاك مستلق على صفحة ماء.

مذهب

اعتُبرت لوحة «أوفيليا» أكثر اللوحات إبرازاً لمذهب «ما قبل الرفائيلي» في الرسم، والذي أسسه جون إيفيرت ميليه، برفقة فنانين كبار من أمثال وليام هانت، وجابرييل روسيتي، وغيرهما، علماً بأنه كان في مقتبل عمره آنذاك، إلا أن موهبته الاستثنائية أتاحت له فرصة دراسة الرسم في المدارس الملكية البريطانية عندما كان في الحادية عشرة من عمره، وبالتالي، الاحتكاك بعظماء الفن، وقد كان مذهب «ما قبل الرفائيلي» الذي ظهر عام 1848، يتبنى إظهار الجمال البشري، إضافة إلى جمال الطبيعة البِكر بمختلف تناقضاتها، كما كان ينادي بإعادة اللُّحمة بين الفن البريطاني من جهة، وبين الطبيعة والشاعرية، وكذلك الرمزية والدين والواقع، من جهة أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"