مشروع إقامة المتاحف حتى لو أتى في البداية على نطاق محدود وبمقتنيات محدودة هو مشروع حضاري السمة، وفيه يتجسد تاريخ البلد وتاريخ الأمة، وإقامة المتحف في أي بلد أحد الأدلة على أن البلد قد بلغ شأواً مدنياً وبعداً ثقافياً تعددياً ويواصل السير نحو الاتجاه الصحيح .
وفي مدينة دبي ذات الثقافة المتنوعة التي لا يلمس المرء مثلها إلا في مكان قطع شوطاً في المدنية، نجد أن هذه المدينة التي تمثل القلب الاقتصادي النابض لدولة الإمارات العربية المتحدة، هي الأولى في إقامة المتاحف كما هي الأولى في أي مشروع تنموي وحضاري . وقد أقامت دبي أو بلدية دبي متحف حصن الفهيدي في الربع الأول من عام ،1970 هذا الحصن الذي بُني في أواخر القرن السابع عشر أي في عام 1790 ليكون مقراً للحكام وعنواناً على قوة المدينة القديمة في حراسة سكانها وشموخهم، ومن يطلع على خريطة مدينة دبي التي أعدها الملازم ر . كوجان في عام 1819 ونشرها في عام ،1822 يجد أن السكان يحيطون الحصن ببيوتهم إحاطة السوار بالمعصم .
وبعد ذلك يجد المرء بيوتاً من غرب هذا الحصن ترمز إلى الفن العمراني العربي الاسلامي في فريج البستكية، بأشكالها الهندسية الجميلة، رغم إزالة أعداد كبيرة من هذه البيوت المتحفية نتيجة لزحف العمران الحديث الذي جاء متعسفاً في الشكل والطراز المكرر .
كذلك هناك على بعد خطوات من حصن الفهيدي او متحف الفهيدي، نجد الحوانيت والدكاكين القديمة المحاذية لدائرة الجمارك والموانئ القديمة، وسوق البانيان والمستودعات القديمة التي مازالت تعج بالرائح والغادي من الناس . ومن يتذكر منا المسجد الكبير الذي أقامه الشيخ أحمد بن دلموك رحمه الله في مستهل القرن الماضي بقبابه ونوافذه وابوابه الضخمة الجميلة المصنوعة من خشب الصاج ومن القضبان النحاسية المستوردة من الهند، يأسف ويحزن لهدم هذا المسجد بشكل تعسفي وإحلال طراز معماري جديد في مكانه لا يشبع جوع المولعين بالقديم الفريد، تلك الفرادة التي تميزت بها دبي بين أقرانها من مدن الخليج قديماً وحديثاً .
وكان افتتاح متحف المرأة في قلب ديرة القديمة يوم 6 ديسمبر الجاري، من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، لفتة كريمة من سموه لتشجيع الاستمساك بالتاريخ وجعله مدخلاً للبروز الحضاري للإمارات، ففي هذا المتحف تجلت روح الأصالة لدى صاحبة المتحف الدكتورة رفيعة غباش التي بذلت من الجهد الشيء الكثير للعمل على تواجد كل ما من شأنه الاشارة إلى المرأة الإماراتية من صور ومستندات وكتابات شعرية ونثرية وحليّ وغيرها، بشكل تنظيمي جيد مما يثير الاعجاب والتقدير لدى أي زائر لهذا المتحف الذي يعد إقامته ووجوده عاملاً من عوامل الاضافة للنشاط الثقافي الذي تشهده الإمارات .
