عادي
مخرجه إماراتي وكاتبه أمريكي وفريق ممثليه عربي

"المختارون"رسالة تستشرف الآتي على وقع "الإرهاب" الحاضر

01:24 صباحا
قراءة 5 دقائق
مارلين سلوم
بعض الأفلام لا تكتفي بمشاهدته بعينيك، ولا بالتفاعل معه بمشاعرك الآنية، بل تخرج منه بأسئلة كثيرة يحثك على البحث عن إجابات لها، والبعض يذهب أبعد من ذلك، فيكون كالجرس الذي يدق تاركاً طنيناً مدوّياً في أذنيك، يحذرك من خطر قائم وآت.. «المختارون»، هو من هذا النوع الذي يبقى عالقاً بكل تفاصيله في ذهنك، والجرس يقول لك: «انتبه». فيلم ندعو كل الكبار لا الأطفال لمشاهدته، والأسباب كثيرة.
أول ما يشدك إلى الفيلم الإماراتي العالمي «المختارون»، تلك الصورة التي توحي لك بأنك أمام فيلم «غير عادي»، فيه الكثير من الغموض والمغامرات. ويزيد من تشويقك إليه أنه يعرض بأحدث التقنيات السينمائية، رباعية الأبعاد، التي لم تُعرض بها أفلامنا العربية الطويلة بعد. ثم تأتيك تأكيدات أخرى على أن الفيلم لا بد أن يكون جيداً، فهو يحمل توقيع المخرج الإماراتي المميز علي مصطفى، وأسماء نجوم عرب بأدوار البطولة، مثل الدكتور حبيب غلوم، وسامر المصري، وغيرهما.. والإنتاج لشركتي «إيمج نيشن»، و«توفور54»، وشركاء آخرون، والقصة للكاتب الأمريكي فيكرام ويت.
تتوقع أن تشاهد فيلماً جيداً، فهذه عادة علي مصطفى في تقديم صورة سينمائية عالية، لكنك لا تتوقع أن يقدم هذه المرة فيلماً بمستوى سلسلة «هانغر غيمز»، أو «ألعاب الجوع» الأمريكية المشهورة. يقترب منها كثيراً في الشكل، والإثارة، والتشويق، واللعب على الغموض لخلق الدهشة وجذب الجمهور من اللقطة الأولى وحتى آخر نفس، في آخر مشهد. ينجح في قطع أنفاسنا، يبقينا مشدودين متوترين حتى نعرف مصير كل فرد من أبطاله القلائل الذين يتناقصون ليبقى منهم ثلاثة فقط. الصورة قاتمة، لأن القصة تتناول واقعاً رمادياً، وتفرض مستقبلاً يميل إلى السوداوية إذا لم ننتبه إليه منذ الآن. هل هي نظرة فلسفية؟ بل هي نظرة واقعية جداً، ترى الآتي على وقع الحاضر، لا تتنبأ بقدر ما تفتح دفاتر سطوره واضحة لمن يشاء أن يقرأ ويفهم، ولمن يريد أن يبدأ بالتغيير قبل أن يصل ذلك المصير.
يبدأ الفيلم بمجموعة من الأشخاص، مسلحين، يحصرون أنفسهم خلف أسوار حديدية محكمة الإغلاق بأغلال لا يملك مفاتيحها سوى المسؤول عن هذه المجموعة، «شعيب» الذي يؤديه سامر المصري. يسكنون ما يشبه المدينة المهجورة، خارج أسوار المبنى الذي يحتلونه دمار، حطام، ركام، جماد بلا أي حياة. مع شعيب ابنه عيسى (محمود الأطرش)، وابنته مريم (راكين سعد)، وذراعه اليمنى قيس (صلاح حنون)، وريا المشوهة الوجه (ربى بلال)، وغيرهم.. الفيلم يضم نحو 14 شخصية، ولا وجود للكومبارس. الكل بطل ولو ظهر بمشهد قصير، والكل مرهون بحياة الآخر.
إنها مدينة مجهولة في زمن غير محدد، لكنه المستقبل غير البعيد، ويقال إنه نحو العام 2030. المتبقي من الناس قلة، نجوا من حرب شرسة، ونفهم من الأحداث أنها «حرب المياه». تلك المجموعة الناجية عثرت على خزان للمياه فعاشت في ما يشبه المصنع المهجور، تحمي نفسها من أي عدو خارجي. وذات مساء قصدتهم امرأة باكية مستجدية عطفهم، وحين خرج شعيب لمساعدتها أدرك أنها فخ نصبه لهم رجل، وخلف الرجل مجموعة. تدور معركة ويتم إنقاذ شعيب من قبل غريب آخر، ومعه امرأة يقول إنها كردية لا تفهم العربية، ولا تتكلمها، اسمها غولبين (ميسا عبد الهادي)، وهو موسى (سامر اسماعيل). يستضيفهما شعيب، ويبيتان وسط مجموعته، إلى أن يتبين غدر موسى وشره، فيقتل شعيب وتتوالى الأحداث بوتيرة عالية من التشويق المتصاعد.
كالدمية الروسية، يخرج المجرم من خلف البريء، طوال أحداث الفيلم، والمفاجآت موصولة. فيكرام ويت كتب سيناريو محبوكاً، تفهم باطنه بوضوح، ورسالته التي تتنبأ بقدوم الدمار إن استمر الحال على ما هو عليه، وأن الحرب المقبلة هي القديمة، حرب المياه، والإرهاب المتخفي خلف أقنعة عدة سيزداد شراسة وإجراماً.
إنه الفكر «الداعشي» الإرهابي الذي يتسلل بزي البراءة والطيبة ليقتل الأبرياء، حاملاً معه الفكر العنصري الذي يدعي أن المنتمين إليه هم الصفوة، أو «المختارون». يختبرهم ويختارهم ليقتل الباقين لأنه «لا حاجة لبقائهم على قيد الحياة»، و«لأنه هو الألف والياء» بإيحاء بأنه «هو البداية والنهاية». صحيح أن القتل كثير في الفيلم، والأجواء قاتمة، لكنها تحمل الكثير من الواقع المجبول بالخيال، والمستقبل المهدد بالظلام إن لم ننتبه إليه. فيه الفن، والشعر، والحب، والألم. رسائل بشرية ملغومة يرسلها الإرهابيون لتهديد الناس وبث الرعب في النفوس فيستسلمون.
الفنان الإماراتي الدكتور حبيب غلوم يظهر كضيف شرف، وفي المشاهد الأخيرة من الفيلم، لكنه يحمل مفتاح اللغز، وحضوره يجيب عن كل التساؤلات التي نحملها في أذهاننا طوال العمل. يثبت غلوم أن النجم الحقيقي يتعامل بجدية وحرفية مع دوره ولو كانت إطلالته معدودة الدقائق، ويتألق فتتمنى لو أنه يظهر أكثر.
سامر إسماعيل، يكشف عن طاقات عالية في التمثيل، هو الذي ظهر نجمه في مسلسل «عمر» ثم غاب، يؤكد بدور موسى في «المختارون» أنه بطل قادر على تحمل مسؤولية فيلم سينمائي طويل، وقد استطاع أن يجسد كل الشر، فيشعر الجمهور بأنه إرهابي شيطاني، ماكر، مدمِّر. وفي الجهة المعاكسة له يقف الشاب محمود الأطرش بدور عيسى، هو وجه الخير والأمل، شاب يناضل ويتحدى الإرهاب الذي يترك علامة في نفسه، وعلى جسده، ويجبره أن يكون أحد أفراده. الأطرش يستحق أن يكمل مشوار «المختارون» وأن يكون بطلاً سينمائياً. كذلك تتألق راكين سعد، وربى بلال بأداء قوي.
أما علي مصطفى، فهو مخرج بمستوى عالمي، نتوقع منه المزيد من الإبهار، والأعمال العالية الجودة والصناعة إذا ما توفر له النص الجيد والإنتاج السخي. نحتاج إلى هذه النوعية من أفلام الأكشن المحبوكة بفكر هادف، وقصص إنسانية وواقعية وافتراضية، لا بالخيال العلمي فقط. يصور مصطفى أحداثه في رومانيا، متعمداً الابتعاد عن أي مدينة معروفة الملامح لجمهوره، ويقودنا إلى نهاية مفتوحة على احتمالات جديدة وآمال كثيرة، نحب أن نرى امتدادها على الشاشة في جزء جديد من «المختارون»، خصوصاً أنه يتناول قصة افتراضية عن واقع حقيقي، ومستقبل قد نصل إليه، إذا ما تمادى الإرهاب وبقي «داعش» وغيره من التنظيمات تعيث في الأرض فساداً.

الشبّاك يقول

يخطف الأضواء عالمياً، تتحدث عنه الصحف، يشهد له النقاد.. وكأن كل تلك المعايير لا تعني للجمهور العربي شيئاً، فيصم الآذان ويغلق العيون عن المنتَج العربي. حتى الأفلام المصرية لا تشهد الإقبال الذي يعرفه أي فيلم أجنبي. لماذا؟ هل ننتظر من الجمهور الغربي أن يقبل على أفلام شبابنا كي يشجعهم؟ هل جمهورنا لا يؤمن بقدرات وطاقات شبابنا؟ أو كما يقولون «عقدة الخواجة» ما زالت تتحكم بالعقول؟
سألنا المخرج علي مصطفى إن كان هناك جزء ثان من «المختارون»، كما أوحت لنا النهاية، فقال إنه يتمنى ذلك، لكن الجمهور لا يشجعه على اتخاذ هذه الخطوة. علماً أن العمل سيبدأ عرضه قريباً في مصر، لكن يبدو أن ذلك ليس مؤشراً طيباً، فهناك يحصل العكس؛ إذ كل فيلم مصري مرغوب، وكل ما عداه منبوذ. يأتي إلى الصالات ويذهب أي فيلم غربي أو عربي ضيفاً خفيفاً نظيفاً، لا يجد إقبالاً جيداً، وكله في نظر الجمهور «أجنبي».
الجمهور لا يدعم السينما العربية، ويطالب بإنتاج، ويحاسب صناع الأفلام ويقارن بينها وبين ما يأتيه من الغرب، دون أن يكون عادلاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"