عادي

اختطاف الثورة .. الحلقة الثانية

05:21 صباحا
قراءة 11 دقيقة
تأليف: عاطف الغمري
تشابكت الخيوط، وساحت الوقائع في بعضها وانزاحت الفواصل، بين ما كان قد سكن العقل، وبين ما تلتقطه العين، وما يلح على الأذن، فتشتت الأفكار، وتعددت الرؤى وتناثرت الروايات، وحلت الشكوك محل اليقين، إلى أن بدأ الكل يرتاب من الكل . وخيمت على مرمى البصر، كتل داكنة من سحابات، لم ينحصر أثرها في ضبابية الرؤية، بل تعداها إلى حيرة العقل، عن استيعاب ما يتدافع أمام النظر، وفي مواجهته، من أشياء، تقبلها البعض بحسبانها حقائق، وتعامل معها آخرون، كأنها زيف وضلالات .
ذلك كله خلق جدلاً تواصل في عامي 2013 و،2014 حول ثورة 25 يناير ،2011 وهل كانت ثورة حقيقية؟ ووصل الحال بالبعض، إلى أن يصمها، بأنها صناعة أمريكية، تلحق بها في التصنيف ذاته، بقية الثورات في دول عربية أخرى، كان الغرب أول من أطلق عليها تسمية انتفاضات "الربيع العربي" (Arab spring uprising) . وتجاوزت الشكوك حدود النظرة التي كان ملؤها الريبة من البعض تجاه البعض، إلى أن أصبح منهم من يكاد يشك في نفسه!
الجدل الدائر يكاد يطوي الصفحة المضيئة والزاهية لما جرى في 25 يناير، كونها صحوة وطنية، بعثت في نفوس المصريين شعوراً دافقاً بقيمتهم، وقدرتهم على تغيير واقعهم وإصرارهم على أن تستعيد مصر روحها، وأن ينفضوا عن أنفسهم وصفاً ألصق بهم طوال عشرات السنين . بأنهم شعب لا يثور، مستسلم لواقعه البائس، حتى ولو كان رافضاً له في أعماقه .

البرقيات الثماني السرية للسفيرة الأمريكية في القاهرة

كانت الوثائق الأمريكية التي تسربت إلى بعض الصحف الأمريكية، تتحدث عن أن الخطط التنفيذية لتغيير النظام في مصر، جزءاً من التحرك على الأرض للتغيير بنفس الطريقة وذات الأدوات في بقية الدول العربية، وأنها بدأت تتخذ شكلاً جدياً في عام ،2010 عقب الانتهاء من المذكرة السرية، التي كلف أوباما كبار مساعديه بإعدادها . وكانت التحركات التحضيرية لها، قد بدأت في مصر منذ عام ،2008 طبقاً لما كشفت عنه البرقيات الثماني السرية، المرسلة من السفيرة الأمريكية في القاهرة إلى وزارة الخارجية في واشنطن . إلا أن طرح الفكرة سبق ذلك بكثير، وبالتحديد في عام ،2001 عندما كلفت الإدارة الأمريكية مايكل لادين أحد أبرز الخبراء والمفكرين السياسيين، والعضو البارز في "معهد أمريكان انتر برايز"، بإعداد خطة تطبق على مدى عشر سنوات، لتغيير العالم العربي كله من داخله . ثم تأكد هذا التفكير في عام ،2003 على لسان الرئيس جورج بوش وهو يعلن قبل أسبوع من غزو العراق، وفي كلمة له أمام "معهد أمريكان انتر برايز"، عن تصوره للهدف الأبعد مدى من حرب العراق، وهو أن يكون العراق بعد تغييره، نموذجاً يطبق في بقية دول المنطقة .
هذه الخطوات هي حلقات في تتابع زمني، لسلسلة واحدة مترابطة، كانت تضع نصب عيني المسؤولين عن تنفيذها، الوصول إلى التغيير في مصر في 25 يناير 2011 .
أي بعد عشر سنوات بالتحديد من وضع خطة التغيير من الداخل .
كانت الخطة الأمريكية لهذا اليوم تحمل اسم الخطة "A"، لكن الأحداث اتخذت لنفسها مساراً آخر أحبط كافة خطوات الخطة "A"، بعد نزول حوالي عشرين مليوناً من المصريين إلى الشوارع، فكان ما كان هو ثورة جماهيرية متكاملة الأركان . لها تصور يخصها، وتوجه يعبر عنها فانقلبت الحسابات الأمريكية رأساً على عقب وأصيبت إدارة أوباما بالارتباك، ودب الانقسام في صفوفها .
وبنهج تآمري، بدأت تفكر في وسائل أخرى، للاستحواذ على المشهد البادي أمامها في مصر، لتنتقل بعدها إلى الخطة "B" . وهو ما سوف نعود إليه بالتفصيل .

مذكرة أوباما السرية في 2010

هنا نتوقف أمام المذكرة السرية . ففي أغسطس/آب 2010 أصدر أوباما تعليمات، بإعداد مذكرة سرية حول أي احتمالات لحدوث اضطرابات، وعدم استقرار في الدول العربية إذا لم تتحقق إصلاحات سياسية . هذه المذكرة نشرتها في عام ،2011 مجلة "نيويوركر"، ووصفتها بأنها من 18 صفحة . وحددت تعليمات أوباما، المطلوب من المذكرة وهو استعراض التوجهات السياسية لكل دولة على حدة، وتحديد المكاسب والخسائر، التي ستترتب على الموقف الذي ستتخذه الولايات المتحدة من هذه الأحداث .
وإلى جانب هذه المذكرة تكونت ما سميت "مجموعة عمل عن مصر"، وكانت مستقلة عن الحكومة، لكن دنيس روس مستشار أوباما للشرق الأوسط، كان حلقة الوصل بين الجانبين، الرسمي وغير الرسمي . وبعد عرض المذكرة على أوباما اتضح عدم رغبته في مساندة الثورة، اقتناعاً منه بأن ذلك سوف يهدد مصالح أمريكا الحيوية، لكن تداعيات الأحداث ونجاح الثورة دفعاه إلى تغيير موقفه .
في 28 يناير/كانون الثاني 2011 نشرت صحيفة "ذا تلغراف" البريطانية تقريراً وصف بأنه سيكون مفاجأة للذين يتابعون السياسة الخارجية الأمريكية، عبر مراحل تطبيقها على مدى 300 سنة . وذلك عندما كان التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والتحريض على القلاقل في المجتمعات، وتغيير الأنظمة، وتأييد الانقلابات العسكرية، والحكام الدكتاتوريين، واغتيال زعماء، وإثارة حروب أهلية، هي نماذج لحلقات متصلة في سلسلة ممارسات السياسة الخارجية الأمريكية . والذين تابعوا تقرير "ذا تلغراف" على ضوء هذه الخلفية التاريخية قالوا إن تعبير القوة الذاكيةSmart Power الذي استخدمته هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، يطبق الآن في مصر، إضافة إلى تونس والأردن، ويحتمل أن يحدث في غيرها .
قالت ذا تلغراف في تقريرها، إن الوثائق السرية الأمريكية، أوضحت أن الحكومة الأمريكية دعمت سراً عناصر مصرية لتلعب دوراً محركاً من وراء انتفاضة المصريين في يناير ،2011 ولتشارك في خطط لتغيير النظام، وهو الدور الذي بدأته هذه العناصر من الشباب في عام ،2008 أي قبل ثلاث سنوات من أحداث 2011 . كما أن السفارة الأمريكية في القاهرة ساعدت أحد هؤلاء الشباب بصفة خاصة على السفر إلى الولايات المتحدة وحضور مؤتمر للنشطاء والسياسيين برعاية أمريكية عقد في نيويورك، وحرصت السفارة على إخفاء شخصيته عن المصريين: وعند عودته من الولايات المتحدة إلى القاهرة في ديسمبر/كانون الأول ،2008 أبلغ هذا الناشط دبلوماسيين أمريكيين، أن تحالفاً من جماعات معارضه، قد رسم بالفعل خطة لإسقاط نظام مبارك، وقيام حكومة ديمقراطية في عام 2011 .
وذكرت الصحيفة البريطانية أن قوات الأمن المصرية ألقت القبض على هذا الناشط، لصلته بالتظاهرات التي بدأت في مصر عام 2011 . ولم تكشف الصحيفة عن اسمه في تقريرها . هذه المعلومات سبق أن كشفت عنها برقيات دبلوماسية سرية أمريكية، كانت وثائق "ويكيليكس" قد سربتها، وتكشف عن ممارسة مسؤولين أمريكيين ضغوطاً على الحكومة المصرية، للإفراج عن بعض هؤلاء النشطاء .
كان من المعروف أن الولايات المتحدة، تؤيد نظام حكم مبارك . ولكن الوثائق التي سربت، أظهرت المدى الذي وصلت إليه الإدارة الأمريكية في تقديم المساعدة لبعض النشطاء السياسيين المعارضين لمبارك .
واحدة من هذه البرقيات الدبلوماسية السرية، أرسلت في 30 ديسمبر/كانون الأول ،2008 من السفيرة مرغريت سكوبي، وقالت بالنص إن جماعات من المعارضة، وضعت خططاً سرية "لتغيير النظام"، وحددت تاريخاً للتنفيذ في سبتمبر/أيلول من نفس العام . وهناك مذكرة أرسلتها السفيرة سكوبي إلى وزيرة الخارجية في واشنطن، وعليها كلمة "سري للغاية" ويقول عنوان البرقية ناشط من حركة 6 إبريل يزور الولايات المتحدة وتغيير النظام في مصر" .
وقالت إن هذا الناشط وهو من حركة 6 إبريل، أبلغنا أن قوى متعددة معارضة، اتفقت على الإسهام في وضع خطة مكتوبة، لانتقال السلطة في مصر، تتضمن إيجاد رئاسة ضعيفة، ورئيس وزراء وبرلمان يتمتعان بسلطات أقوى، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في 2011 .
وتساءلت سكوبي في برقيتها عما إذا كانت مثل هذه المؤامرةPlot غير الواقعية، يمكن أن تنجح، أو أن يكون لها وجود . ومع ذلك فإن هذا "الناشط" الذي كان على اتصال بالدبلوماسيين الأمريكيين، قد تلقى دعماً واسعاً من مسؤولين في واشنطن لحملته من أجل الديمقراطية . وساعدته السفارة في القاهرة على حضور مؤتمر لشباب النشطاء في نيويورك، نظمته وزارة الخارجية في واشنطن .
ونصحت السفارة في القاهرة، المسؤولين في واشنطن بعدم الكشف عن هوية الناشط القادم من مصر، لأنه قد يتعرض للعقاب لدى عودته للقاهرة . وتضيف "ذا تلغراف" إن التظاهرات التي قامت في مصر وشاركت فيها حركة 6 إبريل، والتي برز اسمها من خلال "الفيس بوك"، قد جذبت إليها أعضاء من الشباب المتعلمين المعارضين لحكم مبارك .
وقالت وثائق "ويكيليكس" إن المسؤولين بالسفارة الأمريكية كانت بينهم وبين هؤلاء النشطاء، اتصالات منتظمة طوال عامي ،2008 2009 . وكان الدبلوماسيون الأمريكيون يعتبرونهم ضمن أكثر مصادر المعلومات التي يعتمدون عليها، عن انتهاكات حقوق الإنسان .

تشويه صورة شباب الثورة

إن الوثائق الثماني السرية المرسلة من السفيرة الأمريكية في القاهرة مرغريت سكوبي، تكشف مجتمعة عن بعض ما كان يجري وراء الستار، من اتصالات، ولقاءات للسفيرة، مع عدد من الذين اعتلوا المشهد السياسي في 25 يناير ،2011 وقدموا أنفسهم كنشطاء سياسيين، لعبوا أدواراً قيادية في ثورة المصريين في 25 يناير . وهو ما كان من أسباب التشوش الذي لحق بالصورة العامة للشباب المشاركين في أحداث هذا اليوم العظيم، بعد أن اختلط الحابل بالنابل، وصار الكثيرون يتساءلون: من هم الثوار الحقيقيون الذين نزلوا إلى الشارع والميادين بدافع من نوايا خالصة ووطنية صادقة، وكيف يمكن تمييزهم وسط هذا الخصم، الذي امتلأ بالأدعياء، المجهزين سابقا، لأداء دور يخدم في النهاية الخطة الأمريكية، وليس القضية الوطنية المصرية؟ وبعد أن فضحتهم الوثائق، وكشفت عن أن بعضهم كان على اتصال مستمر بالسفارة، ينقل إليها معلومات عن الحراك السياسي في مصر في هذه الفترة . ولما كانت البرقيات السرية للسفيرة الأمريكية هي وثائق رسمية، لم تجرؤ أي جهة رسمية أمريكية على تكذيبها، فإنني فضلت نشرها بنصها .
* الوثيقة الأولى: أرسلت من السفارة الأمريكية بالقاهرة يوم 28 يناير ،2011 إلى واشنطن تكشف عن المدى الذي وصل إليه التأييد الأمريكي لعدد من النشطاء ليندسوا وسط انتفاضة المصريين . وتعبر الوثيقة عن ارتياحها لاشتراك ناشط من حركة 6 إبريل (حذف اسمه) في اجتماعات ائتلاف قمة الحركات الشبابية في الفترة من 3 -5 ديسمبر في نيويورك، وحضوره بعد ذلك اجتماعات مع المسؤولين بالكونغرس، ومع أعضاء في مراكز البحوث في واشنطن . وقد تحدث هذا الناشط عن كيفية اعتقاله في القاهرة من قبل جهاز أمن الدولة فور عودته إلى مصر، ونحن قد ضغطنا من أجل إطلاق سراح اثنين من أعضاء حركة 6 إبريل كان قد تم اعتقالهما .
* الوثيقة الثانية: إن الناشط من حركة 6 إبريل "حذف اسمه"، أعرب عن ارتياحه لانعقاد مؤتمر ائتلاف قمة الحركات الشبابية في 3 - 5 ديسمبر في نيويورك، مشيراً إلى أنه تمكن من الالتقاء مع نشطاء من دول أخرى، وشرح لهم أهداف حركته للتغيير في مصر . وأبلغنا هذا الناشط أن النشطاء الآخرين (من دول أخرى) في هذا الاجتماع، عرضوا تنظيم تظاهرات عامة في بلادهم، تأييداً للتغيير الديمقراطي في مصر .
* الوثيقة الثالثة: الناشط المصري "حذف اسمه" أبلغنا أن رجال أمن الدولة احتجزوه، وقاموا بتفتيشه بمطار القاهرة عقب عودته من الولايات المتحدة يوم 18 ديسمبر . وإنهم صادروا وثيقتين كانتا في حقائبه، ومذكرة عن مشاركته في اجتماع نيويورك . وتتضمن المذكرة شرحاً لمطالب حركة 6 إبريل، للانتقال الديمقراطي في مصر، وتفاصيل لقاءاته بالكونغرس .
* الوثيقة الرابعة: وصف فيها الناشط "حذف اسمه" اجتماعات في واشنطن بأنها كانت إيجابية، وذكر أسماء الذين التقاهم "حذف أسماؤهم" . وإنه دعي للتحدث في يناير/كانون الثاني الماضي، أمام جلسة استماع بالكونغرس عن الحريات الدينية والسياسية في مصر . وأن الناشط أوضح لنا اهتمامه بهذه الدعوة، ولكنه ذكر إنه ليس متأكداً، مما إذا كان يستطيع توفير التمويل اللازم للقيام بهذه الرحلة .
الوثيقة الخامسة: شرح الناشط "حذف اسمه" كيف أنه حاول إقناع الذين تحدث معهم في واشنطن، بالضغط لتنفيذ إصلاحات أساسية في مصر من خلال التهديد بالكشف عن الحسابات غير القانونية لرجال مبارك في الخارج، وتجميد هذه الحسابات .
* الوثيقة السادسة: ذكر الناشط "حذف اسمه" إن عدداً من قوى المعارضة من أحزاب الوفد، والناصريين، والكرامة، والتجمع، وأيضا كفاية، والإخوان المسلمون، وحركة الاشتراكيين الثوريين، قد اتفقوا على دعم خطة غير مكتوبة للانتقال إلى الديمقراطية البرلمانية، ووجود رئيس بسلطات أكبر، قبل موعد الانتخابات الرئاسية .
وتعليق للسفارة يقول: ليست لدينا معلومات تؤكد أن هذه الأحزاب والحركات، قد اتفقت على الخطة التي أبلغنا بها الناشط . . . . .
* الوثيقة السابعة: قال الناشط "حذف اسمه" إن الحكومة اعتقلت مؤخراً عدداً من أعضاء حركة 6 إبريل . وأن الحركة تنوي الدعوة للإضراب يوم 6 إبريل 2009 . وإن كان هذا يبدو صعباً بسبب تدخل أمن الدولة . وأشار إلى أن الدولة دفعت قيادة الحركة إلى التحرك السري، وأن أحد قياداتها "حذف اسمه" كان مختبئاً خلال الأسبوع الماضي .
"هذه الوثيقة توضح أن اتصالات قيادة 6 إبريل كانت قائمة من قبل 25 يناير 2011"
* الوثيقة الثامنة: تعليق من السفارة: لم يقدم الناشط ( . . . .) أي خطوات محددة لخريطة طريق، نحو هدف 6 إبريل غير الواقعي، باستبدال النظام الحالي، بديمقراطية برلمانية قبل إجراء الانتخابات الرئاسية عام 2011 . وإن معظم أحزاب المعارضة، ومنظمات العمل المدني، تعمل من أجل إصلاح تدريجي، وواقعي، في إطار النظام السياسي الحالي، وإن كانوا متشائمين تجاه فرص نجاحهم . وأن الرفض التام من جانب الناشط ( . . . .) لمثل هذه التصورات تضعه خارج المسار الرئيسي للناشطين والسياسيين المعارضين .

التمكين للإخوان

أثناء مرحلة وضع أفكار التغيير على الورق، وطرحها للمناقشة داخل الأجهزة المختصة . بدأت تظهر بعد مجيء جورج بوش إلى الحكم، ومعه أقطاب حركة المحافظين الجدد، الذين يقودون سياسة الخارجية، خطوط استراتيجية تمهد لإعادة هيكلة الخريطة الإقليمية للشرق الأوسط . ومثلما سبق أن قال ويليام كيلر الذي كان رئيساً لتحرير صحيفة "نيويورك تايمز"، إن "إسرائيل" موجودة دائماً في مركزية تفكير المحافظين الجدد، حينما يخططون لقرارات السياسة الخارجية، فقد أكدت هذا المعنى صحف كبرى في الولايات المتحدة عندما نشرت تسريبات لجنرالات من البنتاغون، كانوا معارضين للحرب في العراق، قالوا إن الهدف من الحرب ليس العراق في حد ذاته، بل إعادة رسم الخريطة الإقليمية للمنطقة بكاملها، بما يضع "إسرائيل" في قلب هذه الخريطة لتكون الدولة المحورية في المنطقة .
وبعد أيام من غزو العراق، كتب تشارلز كراوتهامر أحد أبرز مفكري ومنظري حركة المحافظين الجدد مقالاً، قال فيه صراحة إن الهدف لم يكن العراق فحسب، بل أن يكون ما يجري في العراق نموذجاً يحتذى لتغيير دول المنطقة بكاملها من داخلها، وفق عمليات تغيير شاملة سياسياً، واقتصادياً واجتماعياً . . . وتوالت الأضواء الكاشفة على المخطط .
الجنرال ويسلي كلارك الذي كان أحد المتنافسين في سباق الحزب الديمقراطي، لاختيار المرشح المنافس للرئيس بوش في انتخابات ،2004 وكان من قبل قائداً لقوات حلف الاطلسي في أوروبا، صدر له كتاب عنوانه: "كسب الحرب: العراق، والإرهاب، والإمبراطورية الأمريكية" قال فيه: إنني كنت في البنتاغون في نوفمبر/تشرين الثاني 2001 (بعد شهرين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر) وقال لي أحد الزملاء من كبار الضباط: إننا لا نزال على الطريق للقيام بعمل ضد العراق، لكن هناك المزيد . وهذا أمر جرت مناقشته كجزء من حملة عسكرية مدتها خمس سنوات، ستنفذ في سبع دول بالمنطقة . وفي هذه الفترة كذلك، كانت هناك تحولات دولية، وتغيرات استراتيجية عالمية، تصاعدت في فترة إدارة أوباما، دفعته نحو الإسراع باستكمال حلقات سلسلة المؤامرة . كانت إدارة أوباما تشعر بالقلق من تراجع قدرتها على السيطرة على الأحداث في المنطقة . وتتحدث عن هذه الحالة، الدراسة التي حملت عنوان:- "الأعمدة الخمسة الاستراتيجية أمريكا في العالم" المنشورة في نوفمبر/تشرين الثاني ،2012 للبروفيسور بول ميللر .
وقد شرح فيها أن مركز أمريكا في الشرق الأوسط، وجنوب آسيا، أصبح أضعف منه في أوروبا وشرق آسيا . وإذا ثبت أن الربيع العربي هو بداية فجر للتحرر الوطني في المنطقة، فإن هذا أمر يحتاج إلى مراقبة تطوراته . وإن الربيع العربي سيظل لجيل كامل خارج قدرة أمريكا على السيطرة عليه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"