عادي
قراءة في كتاب «تأملات في السعادة والإيجابية»

درس محمد بن راشد في السعادة والإيجابية

04:33 صباحا
قراءة 6 دقائق
كتب:يوسف أبولوز
عندما يجمع القائد بين فن الإدارة وتحويلها إلى منتج إيجابي خلاق، وبين الرؤية الإبداعية المستقبلية، ومعهما عمق التأمل والاستفادة من التجارب الميدانية والخبرات والثقافات العالمية.. فهو يجمع في الوقت نفسه بين المثال والنموذج والاستثنائية القيادية، وهذا الجمع القائم على روح معنوية عالية يتوفر في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وسموه إشعاع فكري يتمثل في تبنيه الموصول لمفهومي السعادة والإيجابية، وهما المفهومان اللذان ينبني عليهما كتابه الجديد، وجاء تحت عنوان «تأملات في السعادة والإيجابية»، ويقوم الكتاب على 24 فصلاً مركزها جميعاً التفكير والتأمل في ثنائية السعادة والإيجابية بلغة سهلة القراءة، عميقة الأفكار وقريبة من روح القارئ الذي يبحث عن البساطة والعمق معاً، عندما يطالع نصاً تأملياً حكمياً وإنسانياً في الوقت نفسه، يساعده، بالتالي، على النظر إلى ذاته وكينونته الإنسانية بإيجابية عملية تأخذ به إلى التفوق والنجاح والمستقبل الأجمل.

أي كائن بشري سوي ومعافى في عقليته وتربيته وسلوكه الاجتماعي والثقافي يبحث عن السعادة، ويحب دائماً أن يكون سعيداً، والسعداء هم أصحاب بصيرة ناجحة وفكر إنتاجي عملي، ولكن.. لماذا السعادة؟.. هذا السؤال السريع الموجز توقف أمامه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ويعود في الإجابة عنه إلى مفهوم السعادة لدى أرسطو قبل 2400 سنة «.. غاية السياسة هي تحقيق السعادة». وسموه بعد تأمل وقراءة هادئة لسؤال.. لماذا السعادة، يتوصل إلى أن.. «السعداء ينتجون أكثر، ويعيشون أطول.. ويقودون تنمية اقتصادية بشكل أفضل وفق دراسات عدة..»، والقائد الذي تتمحور رؤيته الفكرية والثقافية حول هذه المحصلات لمفهوم السعادة يسعى لإسعاد الناس، وفي ضوء ذلك يقول سموه.. «.. الإيجابية هي طريقة تفكير، والسعادة هي أسلوب حياة»، وبلغة حكمية بليغة يضيف سموه.. «ليس ما تملكه أو ما تفعله هو ما يجعلك سعیداً، بل كيفية تفكيرك بكل ذلك..».
نتعلم من هذه الرؤية الحاجة إلى التفكير، وتوظيفه نحو كل ما هو إيجابي، وكل ما هو تفاؤلي ومستقبلي، وهي كما يشار دائماً مكونات أو مفردات قاموس محمد بن راشد الذي لا يعرف الإحباط، والانسحاب من الحياة، والركون إلى اليأس. هذه اللغة ليست موجودة مطلقاً في سياقات سموه، وفق هذا التفكير ووفق هذه الثقافة المتفائلة جعل من دبي، اقتصاداً وإدارة وإنتاجية واستثماراً، إمارة جاذبة لكل ما هو مشرق وباعث على السعادة.. المفهوم الذي يركز عليه سموه، وبالتالي، حوله إلى فكر وإلى ثقافة مجتمعية عامة.
يربط سموه بين السعادة والشعور بالأمن والأمان، وتوفر العلاج والفرص والتعليم والبنية التحتية، وكل ذلك كما يقول سموه «جزء من السعادة المجتمعية، وهو أمر يمكن أن يكون للحكومة فيه دور كبير..».
ما من مشروع قيادي أو إداري أو اقتصادي أو تنموي إلا ويواجه بعض التحديات أو الكثير منها، ولكن في رؤية القائد الفارس.. «..التحديات هي في الحقيقة فرصتنا لإبداع حلول جديدة، وللتفكير بطريقة مختلفة..»، وهنا ومرة ثانية، وليست أخيرة يقرن سموه بين الإيجابية والتفكير.. وبالطبع التفكير المستند إلى القدرات والمهارات والعمل اليومي البناء.
يستند صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في فهمه أو تعريفه للإيجابية إلى قراءات من الكتب، وهي بالنسبة إلى سموه تتلخص في تعريف موجز نابع من الطبيعة المتفائلة لسموه.. «.. الإيجابية هي النظارات التي يضعها الإنسان فوق عينيه عندما يشاهد العالم..»، وإن كان من بناء آخر على هذا التعريف فهو أن الإنسان المتفائل يرى العالم جميلاً، والإنسان المحبط المشحون بطاقة سلبية يرى العالم معتماً وضيقاً، وباختصار، سموه قائد وشاعر.. كل ما يحيط به متفائل ومتفائلون.
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يبني كتابه الجدير فعلاً بالقراءة أكثر من مرة على قصص ولقاءات مع صحفيين ومسؤولين وكتّاب.. يأخذهم إلى مواقع العمل، ويشير إليهم إلى المكان وتحولاته وإنجازاته.. رجل عملي ينطلق في فكره ورؤيته في هذا الكتاب من الواقع العملي على الأرض، وليس من النظريات التي تبقى قابعة في العقول ولا تجد من يحولها إلى عمل وإنتاج. رجل يستمد قوته وقيادته من رمزين مؤسسين: زايد وراشد المثالان الأكبر على الإيجابية المبكرة في تكوين الثقافة الإماراتية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. يقول سموه.. «.. تخيلوا لو أن زايد وراشد كانا قائدين سلبيين، أين ستكون دولة الإمارات اليوم..»، ولكن زايد وراشد كانا أول من أسس لفكر العمل والإنتاج والريادة والذكاء والمعرفة على قاعدة طبيعتهما الاجتماعية المتفائلة.. فكانت الإمارات اليوم دولة الحداثة والتسامح والأمن والأمان والصحراء الخضراء والناطحات المعانقة لوجه الغيوم.
يعطي سموه درساً في القيادة والإدارة بكلمات مبسطة، واضحة، قوية.. «لا شيء أسوأ من أن يهتز يقين القائد برؤيته، ويتردد في عمله، ويتشاءم من مستقبله..»، هذه حكمة محمد بن راشد وأسلوبه وقناعاته التي وضعت دبي في قلب خريطة الاقتصاد الناجح، وفي مركز إعجاب العالم.
يرى سموه أن الموظف الإيجابي هو المتفائل والواثق بقدراته «لا يقف ولا يتردد، ولا ينتظر غيره»، وفي إطار الإيجابية والتفاؤلية أيضاً ينصح سموه: «.. دائماً انظر لفريق عملك بإيجابية، واعمل على تحقيق السعادة لهم ليحققوا السعادة للمجتمع من حولهم..».
يولي سموه اهتماماً كبيراً للفرد وللفريق، يعول سموه على الطاقة الإيجابية المنتجة في الإنسان المفرد، وفي الجماعة، ويعتقد بإنسانية عالية أنه لا يوجد شخص غير مهم وفكرة غير مهمة.. وإننا إذا تأملنا فكراً كهذا لقائد وفارس وشاعر نعرف أن للإنسان قيمة عظمى لا يعرفها جيداً إلا العظماء الذين يصدرون في أفكارهم عن ثقافة تمجد الإنسان الذي بنى الأرض، وصعد إلى القمر ودائماً هو ذلك الإنسان الإيجابي المتفائل.
يثق سموه بالإيجابية المتأصلة عند العرب، ويعيدها إلى جذرها التاريخي والمرجعي، كما يثق سموه بالتاريخ العلمي عند العرب، ويرى بإيجابية قائد عربي أن «الحضارات الغربية الحديثة استفادت منا ومن علمائنا في علوم الطب والفلك والكيمياء والرياضيات، وهذه طبيعة الحضارات..».
يرى سموه تشابهاً لغوياً ووظيفياً بين كلمتي القائد والقدوة.. «.. علاقة الكلمتين هي علاقة مقدمة ونتيجة، لا يوجد قائد حقيقي من دون أن يمثل قدوة حقيقية لمن حوله، قدوة في أفعاله وأقواله وأفكاره، بل أستطيع القول إن ما يبقى من القائد القدوة هي الأقوال والأفعال والأفكار..»، وأقوال سموه وأفعاله وأفكاره نقلت دبي إلى مدينة قدوة، ومثال قدوة ينظر إليها العالم بوصفها الأنموذج والجذب والنجاح.
إن تجليات السعادة على وجه الإنسان هي الابتسامة، هذه الروح القلبية الباسمة، هي في الواقع من المكون الاجتماعي والنفسي لأهل الإمارات، ومن أجمل ما قال سموه في هذا السياق.. «.. يمكن للإنسان أن يقاوم خروج دمعة من عينيه، ولكن لا يمكن أن يقاوم ابتسامة صادقة أمامه دون أن يبتسم لها..».
لا يفكر القائد الإيجابي بأن أي أزمة هي نهاية العالم، بل بداية عالم جديد من الإبداع والإنجاز، وهذه الفكرة تعيدنا مرة ثانية إلى ما تحدث به سموه عن التحديات وكيفية تحويلها إلى عمل ونجاح.
لا تنتظر الحظ بل اصنعه.. هذا ما نتعلمه من كتاب سموه «.. وأكبر حظ حصلنا عليه هي الروح القتالية وروح التحدي التي تسري فينا..»، هذه رؤية القائد الشاعر للحظ، أي العمل ثم العمل، والإنتاج ثم الإنتاج.
مرة أخرى، نضع يدنا على قيمة التواضع والمحبة والعائلية في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد.. تلك قدرته على شكر شعبه وشكر فريق عمله.. هذه في الواقع تحية فارس نبيل.. «.. لا يوجد قائد لا يشكر الناس، ولا يجوز أن يكون قائداً من لا يشكر فريق عمله..».
ماذا نتعلم أيضاً من كتاب «تأملات في السعادة والإيجابية»؟ نتعلم التعويل على طاقة الشباب.. «.. لدينا 200 مليون شاب عربي، هم بين خيارين: أن يفقدوا الأمل بمستقبل أفضل وحياة أفضل، ليصبحوا فريسة للفكر المتطرف ووقوداً للصراعات المذهبية والطائفية والعرقية في منطقتنا، أو أن يكون لديهم أمل حقيقي في المستقبل..».
هذا غيض من فيض هذه التأملات التي تبعث على الأمل، وتكرس ثقافة الخير والسعادة والإيجابية، والعمل والإنتاجية البشرية الحرة والحيوية.. كتاب يعلمنا فن الحياة، ويأخذنا برفق ومحبة إلى السلام والطمأنينة الداخلية، والكتاب في مجمله يشبه السور الفكري الأخلاقي الذي يحمي الإنسان من الذات المتطرفة، ويعلم الطيبة والتواضع والنجاح.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"