عادي
تبني قوة جوية ضخمة بحثاً عن عوائد سياسية تكفيها شر السؤال عن دعم الإرهاب

قطر تشتري صمت صنَّاع السلاح بصفقات صادمة

03:46 صباحا
قراءة 5 دقائق
تساءل موقع «ناشيونال انترست» الإلكتروني عن الأسباب التي تدعو قطر إلى التهافت على شراء مقاتلات من أحدث طراز من ثلاث دول غربية وبأبهظ الأثمان؟ وتساءل هل يتوافق ذلك مع الاعتبارات الاستراتيجية للدولة الخليجية الصغيرة، أم أن وراء الأمر دافعاً سياسياً على خلفية المقاطعة التي تعيشها قطر، والعزلة التي تجد نفسها فيها خليجياً وعربياً؟
فقد شرعت دولة قطر الصغيرة في بناء ضخم وواسع لقوة جوية لسبب غير واضح. وقد بدأت التطورات في هذه القصة في سبتمبر/أيلول المنصرم عندما وقع وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون ونظيره القطري خالد بن محمد العطية خطاب نوايا، بمقتضاه تشتري الدوحة من لندن 24 طائرة مقاتلة تايفون «يوروفايتر». وجاء ذلك في أعقاب إعلان قطر صفقة مع الولايات المتحدة لشراء 36 طائرة مقاتلة من طراز إف -15 (ايغلز المقاتلة المتقدمة متعددة المهام) التي تنتجها شركة بوينج الأمريكية، بقيمة 12 مليار دولار. وفي 2015 وقعت قطر صفقة بقيمة 7.5 مليار دولار مع فرنسا لشراء 24 طائرة مقاتلة من طراز داسو رافال، وصواريخ إم بي دي ايه، إضافة إلى طيارين ومدربين.
ما يجعل هذه الصفقات صاعقة، أن قطر تضاعف حجم ونوع المقاتلات في جيشها خاصة، أن هذه الزيادة كبيرة جداً بالمقارنة مع مدرجات سلاح الطيران القطري حالياً. فبالرغم من أن قطر تستضيف أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط، فإن الدوحة تعتمد أساساً على 12 طائرة معمرة من مقاتلات ميراج الفرنسية تعود إلى الأعوام 2000 -2005. وعلى هذا فإن 84 مقاتلة مختلفة الطرز تمثل زيادة بنسبة 7 أضعاف. وقد دفع ذلك الخبير توني اسبورن للتعليق في مجلة «افييشن ويك» بالقول: «مثل هذا النمو في قدرة القوة الجوية وسعتها، غير مسبوق بشكل واضح في السنوات القريبة الماضية. ولا شك في أن المؤرخين سيعودون إلى الوراء عند اندلاع الحربين العالميتين الأولى (1914 -1918) والثانية (1939 -1945) لرؤية مثل هذا النمو السريع للأساطيل الجوية».
وليس الكمية هي فقط المظهر المثير في معركة الدفاع عن الكرامة الجوية. فقد لاحظت مجلة جينز أن قرار قطر لإحلال الطراز الواحد لمقاتلاتها الجوية الذي كان سائداً بثلاثة طرز مختلفة مثير للفضول.
وبالنظر إلى قدرات المقاتلات قالت جينز: «إن إف 15 التي جرت عليها تحسينات مختلفة تتميز بإضافة موقعين للأسلحة تحت الجناحين يرفعان عدد المواقع إلى 11، ومساحة عرض واسعة في قمرة القيادة، والإقلاع والهبوط في مسافة قصيرة، ورادار «رايثون» و«ايسا»، والمحركات القوية من إنتاج جنرال إليكتريك، وخوذة الطيار الرقمية، وأنظمة الحرب الإلكترونية، إلى جانب التعزيزات الأخرى للطيران والقتال. ويمكن أن تجهز الطائرة لتكون مناسبة للعمل لتحقيق التفوق والسيطرة الجويين، أو كقاذفة مدمرة. وبالنسبة للمهة الأخيرة يمكن أن تحمل 16 صاروخاً متقدماً متوسط المدى جو -جو من نوع إيه إي إم -120 (امرام) و4 صواريخ قصيرة المدى جو -جو من طراز إيه إي أم - 9 إكس (سايدويندر)، وصاروخين فائقي السرعة مضادين للتبع الحراري أو الرادار من طراز (هارم).
أما ترتيب القاذفة فلا يتناسب إلا مع حمل عدد محدود من صواريخ «امرام» و»هارم»، إلى جانب 16 قنبلة صغيرة القطر (إس دي بي) والفي رطل من الذخيرة للهجوم المشترك المباشر، اضافة إلى انظمة تسلح اخرى.
ومقاتلة التايفون (يوروفايتر) هي مقاتلة ذات محركين من انتاج كونسورتيوم من الشركات الأوروبية من بينها ليوناردو الإيطالية، وإيرباص الفرنسية، و«بي ايه اي سيستمز» البريطانية. وأوضح الخبير روبرت فارلي أن هذه المقاتلة من الجيل الرابع، تتمتع بقدرات تتجاوز طائرات الجيل الرابع من دون طائرات «ستيلث» (الشبح) ألأحدث في الجيل الخامس. كما أن التايفون تصل سرعتها إلى 2 ماخ (سرعة الصوت)، وهو سقف عال في الخدمة، كما أنها نموذج رائع لتناسب الوزن والحمولة، وتمتلك قدرات عالية وفائقة على التحليق. والنسخة الحالية من «تايفون» تحمل آخر منظومة من الرادار الماسح الميكانيكي الذي يوضع على المقاتلات المتقدمة، رغم أن منظومات إلكترونية للمسح الراداري يمكن أن تحل في نهاية الأمر بديلاً عن المنظومات القديمة.
والقدرة العالية للمناورة في التايفون تجعلها المقاتلة المثالية في المعارك الجوية. كما أن لديها قدرات تغطي المدى الذي يفوق نطاق الرؤية المعتادة (بي في ار)، وتحمل صواريخ ايه اي ام -120 (ارام). ويتوقع أن تزود الطائرات التي اشترتها قطر بصواريخ مضادة للسفن (مارت اي ار).
أما الطائرة رافال فهي مقاتلة أخرى متعددة المهام، وتعود إلى عقد الثمانينات في القرن الماضي، عندما استخدمتها فرنسا لتحل مكان عدد من الطائرات المختلفة، وهي اصغر من التايفون ولكنها تحمل بعضاً من ملامح الجيل الرابع. ووفقاً لمجلة «الميكانيكا العامة» فإن الجناح الذي فيه 12 نقطة تحميل يمكن أن يتسع لتشكيلة من الصواريخ جو - جو، وصواريخ جو - ارض، وحساسات، ومخازن لإسقاط القنابل.
ورغم أن رافال يزيد عمرها على 30 عاماً، فان تحديثات مثل منظومة المسح الإلكتروني الراداري النشيط (ايسا)، وانظمة الاستهداف الدقيقة (دي تي بي)، وصواريخ جو - جو، وصواريخ كروز (سكالب)، جعلت المقاتلة تحتفظ بتنافسيتها مع مقاتلات الجيل الرابع الاخرى.
لكن رافال لم تتمتع بمبيعات عالية مثل التايفون. وبينما استخدمت يوروفايتر في المانيا واسبانيا وايطاليا والنمسا والسعودية وسلطنة عمان والكويت، فإن فرنسا كانت هي المستخدم الوحيد لطائرة رافال معظم الوقت. وقد بدا هذا بالتغير مؤخراً مع أول صفقة لقطر وتبعتها اتفاقات للبيع مع مصر والهند.
ليس من الواضح المهام العسكرية التي تراها قطر لهذا الخليط الواسع من القوة الجوية. فقد أظهرت الدوحة رغبة أكبر في السنوات القليلة الماضية للمشاركة بطريقة ما في التحالفات العسكرية الإقليمية، مثل التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش». لكن هذا السبب وحده ليس كافياً للإجابة عن السؤال: لماذا تشتري قطر الكثير من المقاتلات ومن أنواع مختلفة، الأمر الذي سيكون من الصعب على جيشها أن يتوافق معه، وان يتكامل مع قواته الجوية الصغيرة. وهناك تكهنات بأن قطر ربما تستخدم أجانب لقيادة المقاتلات الجديدة.
وتكهن الخبير العسكري توني اسبورن أن السبب المعقول قد يكون الدافع السياسي أكثر منه الاعتبارات الاستراتيجية. فقطر حالياً تتزايد عزلتها في الإقليم الخليجي خاصة بعد قطع 3 دول خليجية (السعودية والإمارات والبحرين) ومصر و6 دول عربية وإسلامية اخرى العلاقات مع قطر منذ يونيو/حزيران الماضي.
إن توقيع عقود ضخمة مع دول غربية قد يجعل من الصعب على هذه الدول الانضمام إلى مقاطعة قطر. ورغم الثمن الغالي لهذه الصفقات، فإن هذه الدولة الخليجية الصغيرة المساحة القليلة السكان والواسعة الثراء، تأمل أن يكون العائد السياسي لمصلحتها.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"