عادي
يستكمل رحلة الحقيقة والخيال مع «الحب والمصير»

الكنز2 فيلم عن التاريخ.. وللتاريخ

04:22 صباحا
قراءة 4 دقائق
مارلين سلوم

تأخر في العودة إلى الشاشة منذ عرض فيلم «الكنز» سينمائياً عام 2017، ونحن نعلم أن هناك تكملة جاهزة بانتظار الوقت المناسب للخروج إلى الصالات، وكنا نعد أنفسنا بمشاهدتها بعد عام لا أكثر، إلا أن توقعات الجمهور لا تتوافق أحياناً مع حسابات صناع الفيلم. «الكنز 2» جاء بعد عامين ليستكمل رحلة «الحقيقة والخيال»؛ إنما هذه المرة تحت عنوان «الحب والمصير»، بنفس مجموعة أبطاله وفريق عمله. الفيلم الذي يعرض حالياً في الصالات، قدمه شريف عرفة في عرض أول في افتتاح مهرجان العين السينمائي قبل أشهر قليلة.
تتحمس لفكرة مشاهدة فيلم غير مألوف يمشي عكس أمواج ورياح الفن السابع في هذا العصر؛ لمَ لا؟، فهل تفتح هوليوود أبوابها للصناعة المختلفة ولأفلام تارنتينو مثلاً، وتغلقها هوليوود الشرق في وجه مخرج من وزن شريف عرفة؟
مبدع هو، يقترب من الجمهور فيبسِّط الأفكار حيناً ويرفعها حيناً دون أن يخشى عزوف هذا الجمهور وعدم إقباله بكثافة كبيرة على العمل، مرتقياً في كل وقت بالصناعة والإخراج إلى المستوى الذي يليق باسمه وبالفن العربي. قدم «الكنز» وهو يُدرك جيداً أنه لنوعية خاصة من المشاهدين ولن «يكسِّر» الشباك كما يقولون. صحيح أنه حقق إيرادات جيدة قبل عامين، لكن الجمهور اعتبره من الأفلام «الخاصة»؛ أي تلك التي تتطلب منك إعمال عقلك والتركيز وملاحقة الشخصيات كي لا تفلت منك خيوطها، لاسيما أن القصة تربط بين ثلاث مراحل زمنية وتتفرع إلى أربع قصص لا تلتقي إلا بأمر من الكاتب عبد الرحيم كمال.
هذا المؤلف المجازف يضعنا من جديد أمام اختبار «التغيير». أبهرنا في الجزء الأول من «الكنز» بقدرته على الجمع بين أزمنة تاريخية مختلفة، وأحياناً متباعدة، وكأنه ينسج قصصنا من خلال هذه الشخصيات ورمزيتها، وأدخلنا في منطقة جديدة من السرد للتاريخ، واكتشاف أسراره وكنوزه من خلال شخصية الشاب حسن بشر (أحمد حاتم) الذي يسعى لمعرفة ماضي أبيه وأصوله، ومن خلاله يعرّج على حقب من التاريخ تبدأ بالفراعنة وتصل إلى السبعينات.
حتشبسوت (هند صبري) وعلي الزيبق (محمد رمضان)، وحبيبته زينب (روبي) ابنة صلاح الكلبي (عباس أبو الحسن) الذي سبق أن قتل رأس الغول والد علي، والمغنية نعمات (أمينة خليل) التي أحبها بشر لكنها وقعت في حب شقيقه الأصغر مصطفى (هيثم أحمد زكي) فتزوجها أثناء وجود أخيه أسيراً في السجن، إضافة طبعاً إلى مساعد بشر المخلص الوفي عبد العزيز (أحمد رزق)، الذي يخبئ الكثير من المفاجآت والأسرار ويلعب دور الراوي إلى حد ما، ومالك مفاتيح الحكايات التي يسردها لحسن فينطلق منها هذا الأخير لاكتشاف المزيد.
عبد الرحيم كمال كرر تجربة اللعب على أوتار التاريخ والتنقل برشاقة بين حقب الزمن المختلفة أيضاً في بداية العام الحالي؛ إنما هذه المرة درامياً وليس سينمائياً، من خلال مسلسل «أهو دا اللي صار» الذي لاقى نجاحاً كبيراً واعتبرناه محطة مختلفة في الدراما العربية، فيه انتقل الكاتب عبر الأزمنة ليعرض قصص الحب والمجتمع المصري خلال 100 عام، منطلقاً أيضاً من الزمن القريب إلى البعيد.
والمعروف عن عبد الرحيم كمال، أنه لا يرسم شخصياته اعتباطياً؛ بل يحمّل كلاً منها أبعاداً ورموزاً، فتجدها ثرية حتى وإن كان حجم دورها صغيراً.
بماذا يختلف «الكنز 2» عن الأول؟ طبيعي أن تكون في بداية العمل الجديد تذكرة سريعة لما شاهدناه في الأول، لكنك تشعر بأنك أمام تكملة لما سبق، ولست أمام عمل جديد مختلف، أو أنه ملحق بني على إثر نجاح ما. في العملين روح واحدة، وامتداد للوقت والبحث عن التاريخ والكنز الحقيقي. تستكمل أيضاً رحلة الجمال مع الديكور والأزياء والتصوير والدقة المتناهية للمخرج شريف عرفة في التفاصيل التي تبدو صغيرة، لكنها مهمة جداً وتلفت الجمهور والنقاد، وتسحب من رصيد العمل بل وتؤخذ على المخرج إن لم ينتبه لها. عرفة دقيق في عمله؛ لذا تدخل أي فيلم يحمل توقيعه وأنت مطمئن ومتأكد من وجود البصمة المميزة، والجودة العالية، والثراء في الفكرة، والمتعة في المشاهدة والصورة المبهجة؛ أي باختصار، تطمئن مسبقاً إلى أنك أمام من يحترم عقلك وذكاءك ووقتك ومالك.
«الكنز 2» يختلف عن الأول في أنه لا يثير فضول الجمهور لاكتشافه، فمن يعرفه إما أن يكون ممن ينتظره لاستكمال الحكايات معه، ومتابعة رحلة الإبهار في الإخراج المتقن، وإما أن يعرض عنه؛ لذا قد لا يكون الرقم واحد في شباك التذاكر والإيرادات حالياً، لكنه فيلم يحكي التاريخ ليدخل تاريخ السينما العربية ويبقى مسجلاً في دفاترها كأحد أعمالها الباقية لتشاهدها الأجيال المتعاقبة.
أداء الممثلين جيد، ما زال محمد سعد خارج ثوب الكوميديا أفضل بكثير، ومحمد رمضان يؤدي دوراً يشبه شخصياته المازجة بين خفة الظل والحركة، هند صبري معبّرة كعادتها وإن لم تكن في قمة قدراتها، روبي تكمل سيرها صعوداً، أما أمينة خليل فإطلالتها هادئة شديدة الرومانسية، تليق بزمن الماضي الجميل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"