عادي

خليل النعيمي: السفر يعلّم الديمقراطية

04:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

خليل النعيمي روائي سوري يقيم في باريس منذ أكثر من عشرين عاماً، حيث يعمل طبيباً، وهو مغرم بالمكان وسرد تفاصيله من خلال مجموعة من الأعمال السردية منها الرجل الذي يأكل نفسه الشيء القطيعة تفريغ الكائن مديح الهرب دمشق 77، وله أيضاً في أدب الرحلة أعمال عدة منها مخيلة الأمكنة كتاب الهند .

* أنت مغرم بالرحلة والتجوال فماذا أعطاك السفر وماذا أخذ منك؟

- موقف من الوجود، وهو كتاب الكون الذي نقرأه بمتعة، يجعلنا السفر نتعرف إلى ذواتنا وعوالمنا، ويفتح أعيننا على مساوئ النظرة الأحادية للعالم، وأكاد أقول إن من لا يسافر سيصاب بالعمى، لأنه لا يرى إلا نفسه، ولا أفهم جدوى التشبث بالأمكنة، لأننا عندما نسافر نتخلص من الجمود المسيطر على حياتنا الداخلية وعلى أبصارنا، والأهم من هذا كله، هو أننا نغدو ديمقراطيين عندما نسافر، لأن الاختلافات العظمى بين الكائنات تحيلنا على الفور إلى قبول الآخر المختلف عنا، وإلى النظر إليه بإيجابية .

بالنسبة إليّ فالسفر جزء من تاريخي الشخصي، لأنني ولدت في بادية، وعشت مرتحلاً، وتعلمت من الأسفار منذ الصغر، وأدركت أن الحياة بين موئل وموئل وبين إقامة وسكنى، تختلف جذرياً وتصبح من هذه الزاوية بعداً إنسانياً لا غنى عنه .

* أنت مشغول برصد التفاصيل الإنسانية الصغيرة داخل رواياتك . . كيف ترى قدرة هذه التفاصيل على صنع سرد مغاير؟

- السرد المغاير يأتي من التصور الشخصي للعالم حينما يكون مغايراً، لأن السرد المغاير ليس تكنيكاً وتقنية روائية، ولا هو تفاصيل ولا عموميات، إنه وعي السارد عندما يواجه العالم، وأقصد بالعالم هنا ذاته الشخصية، أو عالمه الشخصي، وعالمه الأوسع الذي يحيط به، وبالطبع لا نستطيع أن نحدث سرداً مغايراً باعتمادنا على العموميات، كل ما نعرفه من عموميات هو مشترك بين الناس، ما هو مختلف جذرياً هي تجربتنا الشخصية، وهذه التجربة لا تعمم، وإنما تستحق أن تكتب بالخصوصية نفسها التي عشنا فيها .

الإشكالية الثانية في هذا الموضوع هي اللغة، أقصد مدى استجابة اللغة لموضوع السرد، بمعنى كيف يسيطر الكاتب على عامل اللغة، ويكيّفها مع تفاصيله الصغيرة، ليعطيها بعداً ملحمياً يستحق القراءة، لأن القراءة فعل إنساني عظيم، وليست للتسلية، وتاريخ الإنسانية الحديث كله هو تاريخ القراءة وليس تاريخ الكتابة .

* هناك حس فلسفي نابع من خاصية التأمل التي تسيطر على عوالمك السردية، فما المنابع الأساسية المُشكّلة لهذا الحس؟

- لها منبع واحد فقط هو الحياة، وكل ما يأتي سيكون من قبيل التفاصيل، لكن التأمل هو حالة ما قبل الوعي النهائي عند الكاتب، لأن الحياة اليومية تأخذنا في طوفانها، فلا نكاد نعثر على علامات مميزة فيها، مع أنها مملوءة بالعلامات، ونحن نحتاج إلى قدر من التأمل لكي نكتشف ما لم نكتشفه عفواً .

* في روايتك الأخيرة لو وضعتم الشمس بين يدي تتحدث عن رؤية مختلفة للواقع الآني وعلاقتك بالآخر، فما أهم هذه التجليات؟

- الكتابة دائماً رؤية مختلفة إلى الآن، والأساس في الكتابة الأدبية هو مقدار هذا المختلف، هذه الرواية في تصوري تعبير آخر من جملة التعبيرات الكتابية التي مارستها، ومازلت أمارسها منذ عشرات السنوات، وفي كل مرة تسمح لي الكتابة بأن أتقدم خطوة أخرى على طريق الوعي الشخصي، أو بتحديد أكثر علاقتي الأساسية مع الأمكنة والكائنات .

* يتحدث البعض عن وجود فجوة هائلة بين المثقف والجمهور . . من وجهة نظرك ما الآليات المطلوبة لتجسير هذه الفجوة؟

- دور الكاتب ليس هو المماثلة ولا الانقياد ولا التعميم، والكاتب بقدر ما يكون خصوصياً يبتعد عن الأفكار السائدة، وعليّ أن أوضح أن هذا لا يعني احتقاراً للحياة العامة، وإنما هي ضرورة الكتابة والكاتب، لا أفهم تجسير الفجوة، بمعنى الاتصال والعلاقات مع الناس، أفهمه بمعنى تجسير الفجوة في الوعي، وهذا غير ممكن إذا كان ثمة تمايز بين وعي الكتاب والجمهور .

* هل عبرت عن الثورة من خلال الكتابة؟

- لا أومن بزج الكتابة والإبداع الفوري في المحن الإنسانية، مع أن هذا ممكن، لأن الرواية ليست قصة عاطفية، ولا مقالاً صحفياً، ولا رأياً شخصياً عابراً، إنما هي هذا كله وأكثر منه بكثير، ونحن لا نكتب تحت الطلب ولا على الفور، لأن الكتابة ليست ملاحقة لأحداث الواقع، الكتابة هي نحن، هي حياتنا الشخصية في فترات أخرى، وللأسف كثرت في الآونة الأخيرة في صحف عربية رصينة الدعوة إلى إنجاز أدب ثوري، يربط الأدب بالثورة، وهذه طفولة أدبية لن يستجيب لها أحد .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"