عادي
مدونة الفنون الإسلامية

الملابس تحكي سيرة التمدن

01:38 صباحا
قراءة 3 دقائق
الشارقة - محمد أبو عرب:

شكلت الملابس في مختلف حضارات العالم علامة واضحة لقراءة تاريخ النهوض المعرفي والمدني للحضارات، فكما شكل المعمار والبناء صورة لمستويات الحضارات القديمة، مثلت الملابس صورة حية لقراءة تاريخ الثقافات، فالحضارة القائمة في البلدان الباردة لها تاريخها في الثياب التي غالباً ما تستند على الفراء والجلد، وحضارات البلدان الصحراوية لها تاريخها مع الخيط والنسيج والثياب المتخففة.
لذلك يمكن تتبع سيرة الثياب في الحضارة الإسلامية العربية خلال الألف وخمسمئة عام الماضية، والكشف عن التحولات التي مرت بها الحياة العربية الإسلامية في كل مرحلة من مراحلها، فالثياب تعد الصورة الأوضح والأكثر مباشرة على مشروع المدنية التي مرت بها الثقافة العربية، وحالة التداخل والتأثر التي اختلطت فيها الثقافة العربية مع مختلف الحضارات المجاورة، إذ يجد العائد إلى تاريخ الثياب عبر العصور الإسلامية أنها بدأت بصورة متقشفة بسيطة وأخذت دورتها لتصبح منسوجة على الأيدي وبأفخر أنواع القطن والصوف، ومزخرفة بالحلي والذهب والفضة.
ويذكر كتاب «تاريخ الأزياء العربية منذ فجر الإسلام إلى العصر الحديث» ل ي. ك ستيمان: «غلب طابع البساطة وعدم التعقيد على الملابس في صدر الإسلام، سواء في ألوانها أو خطوطها وزخارفها، فمن المعروف أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد ارتدى ملابس من ألوان عدة وأصول مختلفة، كما لو كان يبين أن الإسلام سوف يصل إلى أصقاع عرقية كثيرة، ولم يرد أن له لباساً خاصاً، بل يلبس ما تيسر من غير أن يتكلف، وقد لبس عليه الصلاة والسلام الضيق من الثياب والواسع منها، وكذلك الصحابة والتابعون، إلا أنه كان يفضل اللون الأبيض، ويرفض الأقمشة الفاخرة».
ويضيف: «نجد نوعين من الملابس يرد ذكرهما كثيرا في الأحاديث النبوية وهما الرداء والإزار أو المئزر وهو ثوب داخلي يحيط بالنصف الأسفل من البدن، وهو لباس للمرأة والرجل، وقد لبس النبي الإزار وكان له إزار من نسيج عمان طوله أربع أذرع وشبر في ذراعين وشبر، كما ورد في طبقات ابن سعد، ويشبه الإزار نوعاً آخر من الملابس كان منتشرا في تلك الفترة هو الشملة وكان يلف بها الجسم، كما لبس الرسول البردة بألوان مختلفة، وهي كساء مخطط يلتحف به».
التحول في الثياب ينكشف مع التحول الذي أصاب الدولة بأكملها، إذ مع بداية العصر الأموي دخلت الدولة الإسلامية بمشروع الدولة المدنية، فانتشرت الملابس الفاخرة البعيدة بصورتها عن التقشف والبساطة، وهذا جاء نتاج حالة التماس مع الحضارات المجاورة التي عرفت فنون اللباس منذ وقت مبكر، فانتشرت الملابس الباذخة الموشاة بالذهب والفضة وتكشفت أشكال التطريز الزخرفية، وظهرت للمرة الأولى ما يعرف ب«دار الطراز»، أي مصانع النسيج الخاصة بالخلفاء.
وتشير الدراسات إلى أن العرب أخذوا نظام الطراز من الفرس على الرغم من أن هذه الصنعة عرفتها الدولة البيزنطية، و«أول من اتخذ الطراز من الأمويين هو هشام بن عبدالملك سنة 108ه، وكتب إلى سائر الأمصار للعمل بذلك، وعمل في أيامه الخز والرقم وغيره، وهو نسيج ناعم يصنع من الحرير، وكان يغلب عليه اللونان الأحمر والأصفر، كما اشتهر أيضا الخليفة سليمان بن عبدالملك بالملابس الفاخرة المطرزة من الحرير، من أردية وسراويل وعمائم وقلانس».
يمكن القول إن العصر العباسي شهد أكثر مستويات التحول في اللباس العربي الإسلامي، فانتشرت السراويل والجوارب والقلانس بشكل واضح، وكان عادة الخلفاء لبس القلنسوة سوداء، و«كانت ملابس الخليفة تتكون من القباء الأسود الذي يصل إلى الركبة، وكان يلبس فوق القفطان، ولبس القضاة القلنسوة وتميزوا بها، وكانت عادة تلبس مع الطيلسان وهو نوع من القماش يلبس على الكتف، واستحدث في عصر أبي جعفر المنصور سنة 153ه لبس القلانس الطوال».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"