عادي
الشعر مدونة المكان

«النهر الخالد» لحسن إسماعيل.. النيل أيقونة الطبيعة

02:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
الشارقة:عثمان حسن

المكان شكل وجغرافيا وذكرى ورائحة، هو موطن الأسرار والحكايات، وهو هو بحر ممتد شامخ، وقد يكون نهراً أسطورياً وخالداً، كما هو نهر النيل، هذا الذي تغنى به أكثر من شاعر، كأمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته «النيل نجاشي» التي لحنها محمد عبد الوهاب، ومنها: «النيل نجاشي حليوة أسمر / عجب للونه دهب ومرمر / أرغوله في إيده يسبح لسيده / حياة بلدنا يا رب زيده / قالت غرامي في فلوكة وساعة نزهة ع المية / لمحت ع البعد حمامة رايحة على الميه و جاية / وقفت أنادي الفلايكي تعالى من فضلك خدنا / رد الفلايكي بصوت ملايكي قال مرحبا بكم مرحبتين دى ستنا وانت سيدنا»..
هذه القصيدة الحوارية بين الحمامة والملاح التي تحكي، كما لو أنها أسطورة شجية تؤجج عذب الألحان والمسرة والحياة التي تستحق أن تعاش.
غير أن أشعار المياه -إذا جاز التعبير- التي تسرد مثل هذه الملاحة، أو هذه المسرة، التقطها شاعر مصري آخر، هو محمود حسن إسماعيل «1910 - 1977» في قصيدته الشهيرة «النهر الخالد» التي تغنى بها كبار المطربين، ولد في قرية النخيلة بمحافظة أسيوط، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي فيها، ثم في مدارس القاهرة، و تخرج في دار العلوم / جامعة القاهرة عام 1936، وقد اكتسب ثقافة واسعة فعمل محرراً بالمجمع اللغوي، ومستشاراً ثقافياً بالإذاعة المصرية، كما عمل في الصحافة، وقد حصل على عدة جوائز وأوسمة، وظل نشيطاً وحاضراً في المحافل الأدبية والشعرية حتى وفاته.
من المهم ونحن نتحدث عن النيل، أن نؤكد بأنه نهر أسطوري بكل ما للكلمة من معنى، فهذا التنوع الجغرافي والسكاني على ضفتي النهر حيث جمال الطبيعة يليق بالشعر وبالشعراء، فالنيل هوثاني أطول أنهار الأرض، وهو يمخر عدة أراض وبلدات ومدن في إفريقيا.
لنتأمل مطلع القصيدة «مسافر زاده الخيال/ والسحر والعطر والظلال/ ظمآن والكأس في يديه/ والحب والفن والجمال» الذي يفتح شهية الشعر على الطبيعة ومكوناتها حيث السحر على ضفتي النهر، الذي يخلب ألباب زواره في الليل والنهار، هذه المشهدية من الصور والجماليات، هي دليل على عتاقة هذا النهر، وما ينطوي عليه من أسرار وحكايات، تغوص في البعيد وارتبطت بتقاليد وعادات عند قدماء المصريين، وما زالت هذه الأسطرة مرتبطة بالنهر. هذا النيل كما يصوره حسن إسماعيل، محل «فخامة» وشموخ كأنه قطعة من الجنة التي يهيم في ظلالها كل ما هو جميل وأنيق ومليح، فالنيل كل ما فيه يسحر، موجه وضفافه وناسه وتقلبات الليل والنهار، وربما تغير لونه على مدار الساعة بحسب إسقاطات أشعة الشمس عليه، كما يحرص حسن إسماعيل على أن يزين قصيدته الرائعة بقفلة (يا نيل يا ساحر الغيوب) والغيوب جمع غيب، وهي قفلة تتكرر في القصيدة مرتين.
يستمر الشاعر في مناجاة النهر، الذي يسقي الحب والأغاني، في سردية تتواصل مع عظمة هذا الموصوف، وهو في كل حكاية ينسجها مع هذا النهر الخالد، أو كل حوارية، إنما يؤكد على صفة السحر، هذه الميزة التي لا يمكن تخيل ما فيها فتنة وجمال.
يا واهب الخلد للزمان
يا ساقي الحب والأغاني
هاتي اسقني واسقني ودعني
أهيم كالطير في الجنان
يا ليتني موجة فأحكي
إلى لياليك ما شجاني
وأغتدي للرياح جارا.
وأحمل النور للحيارى
فإن كواني الهوى وطارا
كانت رياح الدجى نصيبي
آه على سرك الرهيب
وموجك التائه الغريب
في المقطع الذي يلي، ثمة حكاية ما بين الريح والنخيل، التي تتسع لتشمل الطير، طير يغني أو هو يرتل فيشرح الحب للخميل، في كلمات منسابة تتميز ببساطة لغتها، وجمال مبناها، وكل ذلك ينفتح على مشهدية من الأغصان والخمائل والصبايا والأمواج، وهي كلها في نهاية المطاف، إنما تشرق وتزدهر وتنضج في حضن هذا النهر، الذي يطرزها بالكمال، كما يزينها بالسحر بوصفه «أيقونة» آسرة تخلب الفؤاد.
سمعت في شطك الجميل
ما قالت الريح للنخيل
يسبح الطير أم يغني
ويشرح الحب للخميل
وأغصن تلك أم صبايا
شربن من خمرة الأصيل
وزورق بالحنين سارا
أم هذه فرحة العذارى
تجري وتجري هناك نارا
حملت من سحرها نصيبي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"