عادي
مركز الخليج للدراسات يعقد ندوة «المعاجم اللغوية العربية... سبل النهوض»

جهود سلطان دعمت اللغة العربية ومشروع المعجم التاريخي

05:08 صباحا
قراءة 13 دقيقة

أدار الندوة:صالحة غابش
أعدها للنشر: هاني عوكل
تصوير: حيدر فؤاد

أشادت ندوة «مركز الخليج للدراسات» عن «المعاجم اللغوية العربية.. سبل النهوض»، بدعم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، للغة العربية، وتوجيه سموه بالعمل على مشروع المعجم التاريخي للعربية، ودعت إلى تنسيق وجمع الجهود الإنتاجية المجمعية للمعاجم، وكذلك نشر معاجم إلكترونية خاضعة للرقابة والتدقيق والتطوير المستمر، وإعادة صياغة العلاقة بين المعجم والمجتمع، ووضع آلية داعمة لثقافة استعماله، وتأتي هذه الدعوة في ظل الاحتفال ب«اليوم العالمي للغة العربية»، الذي يصادف 18 ديسمبر/كانون الأول من كل عام، بعد أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم (3190) في ديسمبر عام 1973، الذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، ولغات العمل في الأمم المتحدة.
رحبت صالحة غابش رئيسة المكتب الثقافي والإعلامي في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، بالمشاركين، وقالت: «إنه منذ أيام كنا نجلس على طاولة الحوار؛ لقراءة تقرير أعدته وزارة الثقافة وتنمية المعرفة عن مستقبل اللغة العربية في أبوظبي، وقبلها كان هناك مؤتمر للنشر التعليمي نظمته جمعية الناشرين الإماراتيين، وكان لمناهج اللغة العربية نصيب من الطرح، وما قبل ذلك وما بعده يظل الحفاظ على اللغة العربية هاجس العرب وكأننا خلقنا لحراستها وحمايتها، وتكمن أهمية المعاجم في كونها تحافظ على اللغة العربية وتوثيقها وتطويرها، ومرت علينا الكثير من المعاجم التي درسناها، والتي تعد مصادر مهمة للدارسين، وهناك معاجم الألفاظ؛ مثل: معجم العين للفراهيدي؛ ومعاجم المعاني وابن سيده، وكذلك مصطلحات ومعاجم لها علاقة بكل ما يتعلق بالألفاظ والمفردات، ناهيك عن المعاجم المتصلة بتفسير القرآن الكريم، وهذه المعاجم تقف خلفها جهود كبيرة، لكن أظن بأن علينا صياغة المعاجم اللغوية الموجودة سواء بتبسيطها أو اختصارها حتى تلبي الصغار والكبار».


1500 معجم


وتطرق د. خالد توكال أستاذ بجامعة الوصل إلى العدد الكبير من المعاجم التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، وهناك تقديرات تصل إلى 1500 معجم، والكثير منها فيه مشكلات عديدة وكبيرة في العرض والتفسير، وتحديد ما يختص بالجذر اللغوي، وأيضاً هناك مشكلة في الإكثار من الاشتقاق والتشعب في المعاجم، ومشكلة أيضاً في طريقة الترتيب داخل المعاجم، فضلاً عن كتب كبيرة وأجزاء من لسان العرب وغيره من المعاجم من الصعب على طالب العلم أن يقتنيها. وعليه نحتاج إلى معجم إلكتروني من مزاياه أن يكون ناطقاً، ويمكن تسجيل صوت عليه، ويقدم معلومات صرفية ودلالية، وغني بالوسائل الموضحة، ويضم معجماً للمصطلحات والتعبيرات الاصطلاحية، والأخطاء الشائعة، وأجد من المهم نشر الفكر المعجمي بين الطلاب، ولابد أن تعي وسائل الإعلام ضرورة اللغة العربية، وأدعو إلى أن تكون هناك رقابة لغوية عليها، وحملة إعلانية لرجل الشارع بخصوص التمسك باللغة الفصحى.


تجسيد المشكلات


من جانبه، تحدث د. عبد الفتاح أبو السيدة أستاذ اللغويات في جامعة الشارقة، عن أحد المعاجم التي صدرت مؤخراً؛ وهو معجم اللغة العربية المعاصرة، والعيوب الموجودة فيه هي خير تجسيد لطبيعة المشكلات التي تواجهها صناعة المعاجم في العالم العربي، على سبيل المثال الخلط بين القديم والحديث، والمعجم يدعي بأنه للغة العربية المعاصرة، ويعتقد القارئ أنه سيقتصر على ذكر المفردات الواردة في اللغة العربية، وهناك خلط بين المفردات القديمة، وكذلك خلط بين اللهجة المصرية، ونلحظ الكثير من الألفاظ باللهجة المصرية أدرجت باعتبارها كلمات عربية فصحى، وواضعو المعجم حددوا منهجية جميلة؛ لكن المعضلة أنه لم يتم الالتزام بها، وهناك بعض التجاوزات على سبيل المثال المعاني المجازية، وأذكر أنني أجريت دراسة على كلمة «تسونامي» وخلال شهر وجدت أنها بدأت مجازياً وهذا مغيب إلى حد كبير، والوحدات اللفظية التي تتجاوز المفردة اللغوية قسم كبير منها غائب.
وهناك ظاهرة لغوية تنعكس في المعاجم الإنجليزية؛ وهي ظاهرة التصاحب اللفظي، ولم أجد في معجم اللغة العربية الاهتمام الكافي بظاهرة التلازم اللفظي، رغم أن الكلمة تعرف بسياقها أي بجيرانها من الألفاظ الأخرى. فيما يتعلق بإنتاج مجامع اللغة العربية، أتساءل لماذا لا يوضع على الشبكة الدولية «الإنترنت»، علماً بأنه يمكن تحديثه بسهولة؟
كما أننا بحاجة إلى مدونة عربية كافية من ناحية إحصائية، وأدوات بحث لها، ولا يمكن إنتاج معجم يعكس حقيقة اللغة العربية دون وجود مدونة أساسية وشاملة. ولا أرى غضاضة في مسألة الاهتمام باللهجات العامية؛ كونها أدوات تواصل، وأنا مع ما يستخدم من قبل الناطقين في اللغة، وهو جزء من اللغة.


مفردات لغوية


أما د. ماهر أحمد المبيضين رئيس قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشارقة، فقد قال: إن المعاجم القديمة في زمانها وتعاملها مع المفردات اللغوية؛ من حيث المنهج المتبع لتتشكل مشكلة كبيرة، وكذلك المدارس التي جاءت بعد خليل بن أحمد الفراهيدي لم تكن في زمانها مشكلة كبيرة؛ لكن المشكلة تكمن في عصرنا الحاضر؛ لأننا بحاجة إلى معاجم تيسيرية، كما نقول تيسير الصرف والنحو العربي، والمشكلة تعود إلينا في منهجية التعليم في المدارس والجامعات، وظهرت طبعة جديدة لمعجم لسان العرب، واعتمدت هذه الطبعة الحديثة الترتيب الألفبائي، ليس على نظام الباب والفصل، وإنما على الحرف الأول، وهذا يعد خطوة ممتازة من حيث التيسير، ومشكلة الخلط التي أشير إليها سابقاً بحاجة إلى تصويب الآن؛ لظهور معاجم تستدرك ما فات السابقين، وما يمكن إضافته في هذا الزمن. ويقع على عاتق المعاجم اللغوية العربية الدور الرقابي، وأقصد الرقابة على المعاجم التي تظهر بين الفترة والفترة؛ لأننا نرى معاجم فيها مشكلات كبيرة ومخالفات، وهناك كتب ومعاجم تؤلف بدون رقابة ولا تُحكّم. وأوصي أن يكون للمجامع اللغوية العربية الدور الأساسي في الرقابة على كل ما ينشر في هذه المعاجم اللغوية، بالتنسيق مع دور النشر، كما أننا بحاجة إلى معجم حاسوبي ناطق، والأهم مراقبة لكل ما ينشر ورقياً وإلكترونياً.


تطوير منهجي


واتفق د. عيسى صالح الحمادي مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج بالشارقة مع بعض المشاركين، بأن المعاجم تحتاج إلى دعم وتطوير منهجية إعداد المعاجم، وفي السنوات الأخيرة دعم صاحب السمو حاكم الشارقة، أكبر وأضخم معجم؛ وهو المعجم التاريخي، وهناك حراك قوي في السنوات الأخيرة لتطوير المعاجم، وفي القلب منها: المعجم التاريخي، الذي بُذل فيه الجهد الكبير، وإذا تحدثنا في المنظور التربوي فإننا بحاجة إلى معجم تربوي عربي شامل لجميع الدول العربية، يتم فيه جمع كل كتب اللغة العربية التي تدرس للمراحل الدراسية على مستوى الوطن العربي، ويتم تحديد الألفاظ؛ بحيث يستفيد منه الجميع؛ مثا: «الإلكسو»، وهذا يحتاج إلى دعم من قبل المؤسسات، وأتوقع أن نجد من يدعم هذه الفكرة، ونريد ألفاظاً معينة تتوافق مع الموجود في الكتب التربوية. والحقيقة أننا أصدرنا معاجم تربوية للمراحل من الصف الأول إلى الثاني عشر، وهناك جهود كثيرة في هذا المجال؛ لكننا بحاجة إلى منصة للمعاجم، وعلى أن يشارك فيها الجميع، وآلية لتطوير وتفعيل مدى الاستفادة من هذه الجهود والمعاجم، وإعداد معايير؛ لاعتماد المعاجم، وجهةً معتمدةً.


إعادة الهيكلة


فهد علي المعمري مدير قسم الكتابة والنقد بهيئة دبي للثقافة والفنون، اتفق هو الآخر مع المشاركين؛ من حيث كثرة المعاجم اللغوية، وقال: ينبغي الاستفادة منها، وإيرادها في معاجم مبسطة، وأقصد أنه من المهم إعادة هيكلة المعاجم، وتبسيطها للجيل الجديد؛ لأن ذلك سيشكل قيمة مضافة إلى اللغة.
الإحساس باللغة
أما أمل فرح (كاتبة أطفال وناشرة) فقد ربطت بين مشكلة المعاجم، ومشكلة ثقافة اللغة وغياب الحركة النقدية، وعلى سبيل المثال المعجم الوسيط استخدمت فيه ألفاظ عامية على أنها صريحة، وإن ذلك يتعلق بحداثة اللغة، ولم يرهقوا أنفسهم في المجمع اللغوي للوصول إلى الجذر اللغوي الأصلي لمنبع الكلمة؛ لذلك نحن بحاجة إلى الإحساس بلغتنا وثقافتنا، ونحتاج إلى وعي نقدي حقيقي على المستوى الجمعي والإبداعي والتصنيفي، ونحتاج إلى احترام تاريخي للأداء، والاعتراف بإنتاج معاجم حديثة تمثل حصيلة لغوية لمراحل عمرية متفاوتة. وأتمنى أن يتوفر المنتج الورقي الميسر أكثر من الإلكتروني.


العرب سباقون


وخالف د. أمحمد المستغانمي الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة، أحد المشاركين بخصوص أن الكثير من المعاجم اللغوية تحمل مشكلات، وقال: إن العرب كانوا من السبّاقين في إعداد المعاجم، وما يزال التأليف المعجمي بخير في العصر الحديث، ولدينا معاجم في شتى العلوم الاصطلاحية، ومكتب تنسيق التعريب في الرباط أشرف على إنتاج أكثر من 55 معجماً متخصصاً في الفيزياء والجيولوجيا والأحياء والموسيقى والفنون التشكيلية، كما أنتج اللبنانيون ومكتبة لبنان «ناشرون» معاجم في النحو والصرف والاستعمال اللغوي، وإيميل يعقوب الرجل المعجمي قدم للعربية ما لم يقدمه الكثير، وقد تكون في بعض المعاجم مشكلات؛ لأن الصبغة الموجودة في التأليف المعجمي فردية؛ لكن الواقع بخير، ونحتاج إلى جمع جهودنا. ثم إن المجامع اللغوية العربية تنص في لوائحها الداخلية على خدمة المعجم العربي، والفرق أنه ليس لكل المجامع مخصصات مالية تسعفها وتنجدها في تحقيق ما تأمل به، وثمة عوائق ولكل جهة أسبابها، ويكفينا مثلاً أن مجمع القاهرة أنشأ المعجم الوجيز والوسيط والمعجم الكبير قيد الإنجاز؛ لكن حركة التأليف المعجمي في المعجم الكبير بطيئة؛ لأن كل الذين يعملون عليه أساتذة جامعات، ويجتمعون كل خميس، وهذه لا تولد حركة. وثمة جهود موجودة؛ لكن تحتاج إلى توحيد، وهنا جاء مشروع صاحب السمو حاكم الشارقة، بدعم المجامع، وأنشأ مجمع اللغة العربية في الشارقة، ومن أهدافه التنسيق بين المجامع، والجبر بين المتعثر منها، وصاحب السمو حاكم الشارقة، قال: «المجامع المهيضة نحن ندعمها ونجبرها».
وبالتالي يمكن القول: إن المجامع اللغوية لها جهود معجمية متفاوتة، وأنتجت الكثير، غير أنها لم تنتقل من التنظير إلى الواقع، والحال أن تتواصل المجامع اللغوية مع المصانع والأطباء والجامعات المتخصصة حتى تتطور المعاجم. وأبشر الجميع بأن هناك عملاً معجمياً حاسوبياً قام به الدكتور صلاح جرار من جامعة بيرزيت جمع فيه 150 معجماً وهو موجود الآن على الشبكة. وبالنسبة للمعجم التاريخي هو مشروع الأمة العربية الأكبر، ويتتبع تاريخ الكلمة العربية. والسؤال هل عجز العرب عن إنجاز المعجم التاريخي لعدم ذكائهم؟ نقول لا، والفرق بين المعجم التاريخي العربي وجميع المعاجم أن تراثنا أوسع بكثير، ونواجه 17 قرناً على الأقل، ومن الجاهلية لدينا أكثر من 500 شاعر، وورقياً كيف تستطيع أن تجمع كلام كل هؤلاء وتؤرخ له؟ والانفجار الإلكتروني سهّل العملية، ويشارك معنا الآن 12 مجمعاً، وانتهينا من المنصة الرقمية التي تضم المدونة الحاسوبية، وفي مدونتنا 12 ألف مجلد من عيون كتب اللغة.
والعرب لم يعجزوا عن المشروع؛ لأنهم مقصرين لغوياً؛ لكنهم يحتاجون إلى دعم وتنسيق فيما بينهم. والمعجم التاريخي سيكون في حوالي 40 مجلداً، يجد فيه الجميع بغيتهم، وبالتالي سترون في السنوات الخمس المقبلة معجماً تحدث عنه العرب.


200 سنة


وقال بلال ربيع البدور رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم ورئيس جمعية حماية اللغة العربية، علينا أن نكون متفائلين دائماً، وحين نتحدث عن المعاجم القديمة سنلحظ أن بين كل معجم ومعجم حوالي 200 سنة، العين عام 170 هجرية والخصائص 395 ولسان العرب 911 وكل معجم كان يتناول ما هو دائم وقائم في عصره، وهذا يعني أن اللغة التي تتطور تدريجياً تدرج في هذه المعاجم؛ لكن الأعمال المعجمية توقفت إلى فترة طويلة، إلى أن جاء المعجم الوسيط، والآن نشهد حركة معجمية متخصصة، وينبغي التفريق بين ما نريده من معجم للغة ومعجم متخصص للطالب؛ لأن ما نخاطب به الطالب يحتاج إلى قدر معين من المفردات؛ لكن من المهم أن تكون في المكتبة معاجم بمقام معاجم اللغة السابقة، واللغة تتطور وتقل بعض المفردات والتي لا تستعمل يجب أن تخرج، وأما المصطلحات والتراكيب الجديدة من المهم تضمينها في معاجمنا.
ولدي قناعة أن ما لم ننتجه نحن نستعمله اسماً وكما جاءنا، وحينما ننتج نفرض الاسم الذي نريده. ثم إن أي معجم يحتاج إلى مدونة تضم كل المفردات، وخاصة التي استجدت على اللغة، وفي تركيزنا على معجم معاصر للغة العربية، نلحظ صعوبة في إصداره، لكن بطبيعة الحال ثمة اهتمام كبير بالتحول إلى المعاجم الإلكترونية.


الحضارة العربية


وربط د. أحمد عفيفي أستاذ بقسم اللغة العربية في جامعة الإمارات بين صناعة المعجم والحضارة العربية في ثقافتها وتاريخها، وقال: عندما توجد الحضارة تنمو المعاجم وتتطور، وحينما تهبط تقل المعجم، وصحيح أن لدينا مشكلات؛ لكن هل نخدم لغتنا بالمعاجم مثلما تخدمها اللغات الأخرى؟ لا نفعل ذلك، والمشكلة أننا لا نطور معاجمنا، فضلاً عن مشكلة تسويقها، وهناك الكثير من المعاجم المتخصصة لا نراها من كثرة التراب الذي هال عليها وهي مخزنة؛ حيث وجدت معجماً في التشريح والطب وفروعه وفروع علم النفس والفلسفة؛ لكن هل سمع أحد عن هذه المعاجم؟ وعليه أقول إن هناك معاجم، لكن ينبغي أن تخرج إلى النور، وهذا يستلزم توحيد عمل مجامع اللغة العربية، وفرز التراث اللغوي العربي وتنمية وتطوير ما ينفعنا، مع أهمية توفير دراسات معمقة؛ لكي نبعد العامية وننقي الفصحى، وتوحيد المصطلح العربي وتوفير المعاجم السريعة، مثل معجم «الجيب».
بخصوص المعجم الإلكتروني أجده في غاية الأهمية، ولو نفذ بشكل دقيق سيكون أكثر فاعلية من المعجم الورقي؛ لسهولة الوصول إلى المعلومة وسهولة حمله، ويمكن للباحث القيام بعمليات معرفية عن تصريف الكلمة وجذورها بشكل سريع، ويتسم بسعة التخزين وسهولة تنميته وتطويره، ويوفر التدقيق الإملائي الذي قد لا يكون متوفراً في المعجم الورقي. ويحمل بعض التصويرات بالفيديو والمعاني الصوتية للكلمة المنطوقة.


أول معجم


ولفت د. إدريس ولد عتية أستاذ اللغة العربية في الجامعة القاسمية، إلى أن العرب كانوا من السبّاقين إلى المعاجم العامة، بمعنى أن العديد من الشعوب طرقوا المعاجم الخاصة، لكن الخليل بن أحمد الفراهيدي كان أول من ألف معجماً عاماً، والمدارس المعجمية متعددة، إنما المطلوب أن نستثمر الزاد المعجمي الوفير الموجود؛ لأنه يزيد على 2000 معجم، وهذه الثروة الهائلة نستطيع أن نستثمرها في إعادة صياغتها، والانفتاح على الصناعة المعجمية الجديدة وعلى اللسانيات والتداوليات والعلوم التي توفرها صناعة المعجم العربي. وأريد أن أشير إلى أن المعجميين يحملون دائماً الهم الإنهاضي ليس للغة العربية وحدها، وإنما للمعاجم العربية أيضاً، والمشروع التاريخي الذي يتبناه صاحب السمو حاكم الشارقة للمعجم التاريخي مهم جداً، وتنتظره الأجيال واللغة العربية تحتاج إليه؛ لأن أي لغة لا تاريخ لها هي فاقدة للذاكرة.
وأجد أن من الضروري التفكير في معاجم تلتفت إلى التراث المعجمي، وتترجم من أمهات المعاجم العربية، وبالتالي علينا أن نفكر في معاجم عربية - صينية، وعربية - ألمانية.. إلخ، وعلينا أن نفكر بمعجم لقواعد اللغة العربية يجمع شتاتها؛ لأنها تبدو بالنسبة إلى كثير من الطلبة المبتدئين كما لو كانت البلاغة لا تعنيهم إطلاقاً؛ ولذلك علينا أن نقدم لهم معجماً لعلوم اللغة العربية المعروفة إضافة إلى معجم للأطفال.
وفي ظني أنه لا فرق بين التصفح الورقي والإلكتروني، لكن ما تحتاج إليه العربية هو معجم معانٍ دلالية يكشف الطاقات الهائلة لهذه اللغة، وأن يكون التصفح الإلكتروني تصفح موضوعات، وليس تصفحاً عاماً.


عشرة مفاهيم يومياً


كما تحدث د. لعبيدي بوعبد الله أستاذ مشارك بالجامعة القاسمية عن ربط الفعل المعجمي بالحضارة، غير أنه قال في سياق آخر، إن هناك جهوداً بحثية يقوم بها أكاديميون وهي كثيرة، لكن لا يؤخذ بها ولا نجدها، وهذا يدخل في عدم التنسيق بين المؤسسات البحثية والجهود المعجمية. ثم هناك بطء في وضع المصطلحات؛ حيث تثبت بعض الدراسات ظهور عشرة مفاهيم يومياً في مختلف العلوم، ونجد مقابل ذلك اختلافاً واضحاً بين المجمعيين والعلميين الذين يريدون وضع مصطلحات جديدة، ولو فتحنا المجال للمقابلات الأعجمية فإن الجهاز المصطلحي العربي سيتشوه، وستصبح الكلمات أعجمية، ويمكن اللجوء إلى المقابلات الأجنبية حينما لا نجد العربية؛ بحيث نقدم الأصيل على الدخيل، وأيضاً هناك بطؤ في إنجاز المعاجم، والمعجم الكبير الذي شرع في إنجازه عام 1970 حتى الآن لم ينجز وإلى غاية 2008 وصلوا إلى حرف الذال، مع أنه جمع لما هو متوافر في المعاجم العربية القديمة، وكذلك هناك مشكلة تتصل ببطء حركة الترجمة.
وبرأيي أن مشروع المعجم التاريخي استكمل العناصر العلمية والمنهجية، لأنه يعد مشروعاً حضارياً يرقي العربية، ويحفظ بنيتها ونظامها، وهذا المشروع ينبني على ثلاثة عناصر؛ هي الزمن وهو مهم وربما بعد عام ستظهر الثمار، والثاني التراب تقابله المنصة التي استكمل وضعها، والإنسان وهو المعجمي بما يملكه من كفاءة، وما يستوجبه من تعزيز وتحفيز.


أهداف مختلفة


وقال أحمد الصادق بوغنبو مختص مناهج لغة عربية، إن لكل معجم غرض وأهداف مختلفة عن المعجم الآخر، ومن أراد أن يبحث عن لفظة فإنه يقصد المعاجم التي تتعلق بالألفاظ، ثم هناك معاجم متخصصة في المصطلحات، وهذه كلها تدخل ضمن مجال المعاجم العلمية؛ لكن المشكلة تكمن في نقل المادة العلمية إلى التعليمية في المجال التربوي وأدعو في هذا الإطار إلى إنشاء معجم تربوي شامل، وهذه هي الصعوبة التي نواجهها في العلمية التربوية والتعليمية.
وموضوع التخصص في المعاجم قديم حديث؛ لكن حينما نتحدث عن التعريب أظن أن العمل خجول في هذا الموضوع، إضافة إلى إغفالنا الجانب المعرفي والحاجات النفسية التي تسبق صناعة المعاجم. وثمة مشروعات معجمية حاسوبية؛ لكنها تحتاج إلى دعم لإنجاحها.


تراجع الصناعة


د. أحمد معوض أستاذ مساعد أصول اللغة بالجامعة القاسمية، اتفق مع عدد من المشاركين بشأن تراجع صناعة المعجم العربي، غير أنه أكد إحياء هذه الصناعة من قبل صاحب السمو حاكم الشارقة، الذي يدعم المشروع التاريخي المسمى ب«المعجم التاريخي»، والرهان على الأساتذة والطلبة، وتمكنهم من الذخيرة اللغوية؛ ولذلك قبل الحديث عن صناعة المعجم العربي ينبغي أن نتحدث في استعمال المعجم العربي أو في غياب ثقافة المعجم العربي، إضافة إلى تغير ثقافة استخدام المعاجم، وسهولة الحصول على المادة العلمية، وبالنسبة للتعريب لا يمكن إدخال مصطلحات وإقحامها في اللغة العربية إلا بتعريبها.


توثيق التراث


ودعت فاطمة المغني خبيرة في التراث وكتاباته إلى معجم عربي يتضمن اللهجات المحلية؛ لأنه سيسهل على الباحثين توثيق التراث، وأقصد بذلك معجم للألفاظ العامية في الدول العربية؛ بحيث نرجع الكلمات إلى أصولها في اللغة، وأجد أن الكثير من الأسر والتربويين لا يهتمون باللغة العربية في تربية الناشئة والأبناء، كما أتمنى أن تتوسع جهودنا في اللغة العربية؛ لأن أغلب الأسر تشجع على لغات أخرى على حساب العربية.


المشاركون في الندوة


1- بلال ربيع البدور: رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم ورئيس جمعية حماية اللغة العربية.
2- د. أمحمد صافي المستغانمي: الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة.
3- صالحة غابش: رئيس المكتب الثقافي والإعلامي في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة.
4- د. عيسى صالح الحمادي: مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج بالشارقة.
5- د. ماهر أحمد المبيضين: رئيس قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشارقة.
6- د. عبد الفتاح أبو السيدة: أستاذ اللغويات في جامعة الشارقة.
7- د. إدريس ولد عتية: أستاذ اللغة العربية في الجامعة القاسمية.
8- د. لعبيدي بوعبد الله: أستاذ مشارك بالجامعة القاسمية.
9- د. أحمد عبد الموجود معوض: أستاذ مساعد أصول اللغة بالجامعة القاسمية.
10- د. أحمد عفيفي: أستاذ بقسم اللغة العربية في جامعة الإمارات.
11- د. خالد توكال: أستاذ بجامعة الوصل.
12- فهد علي المعمري: مدير قسم الكتابة والنقد بهيئة دبي للثقافة والفنون.
13- فاطمة المغني: خبيرة في التراث وكتاباته.
14- أحمد الصادق بوغنبو: مختص مناهج لغة عربية.
15- أمل فرح عوض: كاتبة أطفال وناشرة.


توصيات الندوة


دعت ندوة «المعاجم اللغوية العربية... سبل النهوض» التي نظمها «مركز الخليج للدراسات» إلى جمع الجهود المؤسسية والفردية؛ لصناعة معاجم تراعي حركة المجتمع وتطوره، والرقابة على المعاجم الورقية والإلكترونية، والتنسيق مع دور النشر؛ لتلافي صناعة معجمية ضعيفة.
ووجهت الدعوة إلى اتحاد المجامع العربية؛ للعمل على نشر ما أنجز من معاجم، كما وجهت دعوة إلى الجامعة العربية؛ لتقديم الدعم لاتحاد المجامع العربية؛ لإصدار المعجم الكبير المنشود، وأكدت أهمية التفرغ الكامل للعلماء العاملين في إعداد المعاجم، وتوحيد المفردات المعربة بين دول المشرق والمغرب العربي، وتعريب المصطلحات الأجنبية التي تستجيب للقواعد العربية.
فيما دعت إلى إعادة صياغة العلاقة بين المعجم والمجتمع، ووضع آلية داعمة لثقافة استعماله، وإصدار معجم تربوي شامل ومعاجم متخصصة وعلمية، ومعاجم تيسيرية وأخرى سريعة «معجم الجيب»، والتنسيق بين المؤسسات البحثية والجهود المعجمية،
واستدامة دعم الجهود المعجمية المؤسسية والفردية.
وطالبت بإعادة النظر في المعاجم اللغوية الحالية، وتطويرها بشكل شامل عبر الاستخدامات اللغوية الواقعية؛ لتكون المعاجم مواكبة لروح العصر، ودراسة إعداد معايير اعتماد المعاجم وجهة معنية تعتمد المعاجم، وتحرص على سلامتها لغةً ومضموناً، ومنصة للمعاجم العربية تكون قاعدة بيانات للمختصين في مجال المعاجم، ومدونات وأدوات تخدم حركة إنتاج المعاجم متوفرة ورقياً وإلكترونياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"