عادي

«أمومة اختيارية»...حكاية قلب شغوف بالعطاء

02:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
الشارقة: «الخليج»

تعيش رحلة تَوَد أن لا تنتهي. فالذي أمامك ليس مجرد كلمات وسطور وأحداث، بل توتر، وتردد، وحيرة، وخوف، ورجاء ولكنها سعادة وسكينة في آخر المطاف. ينتابك سؤال كبير: هل أنت أمام حلم يتكون أم حلم يتحقق؟ والحقيقة أنت قبالة الحالتين، كأنك تجلس القرفصاء لتستمع لقصة تأخذ كل كيانك صوب شغف يتلألأ كضوء خافت في ليلة ريفية باردة، لكنه بهيج وبديع وغريب ومدهش وأنت تقرأ لامرأة لا تحكي عن أمومة عادية؛ امرأة لا تتحسس بطنها لتنجب الأمومة بل تتلمّس كيانها لتلدها الأمومة ففازت بلقب «أُم» لكن من مخاض أطل عليها من حنين قلب، خاصة أنها تؤمن أن الأم ليست بالضرورة التي تلد، وأن الأمومة فن وموهبة قبل أن تكون والدة.
هذا ما يقودنا إليه ونحن نطالع كتاب «أمومة اختيارية» للكاتبة والأديبة والشاعرة الدكتورة عائشة البوسميط، التي استطاعت أن تنتزع فرحتها من وسط انشغالات الحياة تارة ومنغصاتها تارة أخرى. وليس بوسعنا أن ننسب هذا الكتاب لأدب السيرة الذاتية فقط، بل لحدوتة قلب تقدم صفوف كل الحواس ليعلن عن نشيجه ونشيده، عن فيضه وغيظه، عن ترحه وفرحه.
يسرد الكتاب رحلة المؤلفة نحو «الاحتضان»، حين بحثت عن أمومة خاصة فعثرت على ضوء شمعة يتراقص لهبها في آخر النفق، فأعدت عدتها لترسو على شاطئ «الاحتضان». وقد حرصت الكاتبة على إزالة الالتباس بين الاحتضان والتبني، وبينت الفرق بينهما وهو أن طفل التبني يُنسب لاسم للأسرة المُتبنية ويورّث وهو ما يحرمه الدين الإسلامي، بينما الاحتضان هو ضمن كفالة اليتيم في أعلى مراتبه، حيث يتم تربية الطفل ورعايته وتعليمه في كنف أسرة حاضنة، وأنه في حالة ظهور أحد من أفراد عائلة الطفل المحضون الحقيقيين يحق له استرداده في أي وقت، وهو أمر يجب الامتثال إليه رغم ألمه.
تُقر الدكتورة عائشة أن الموضوع لم يكن سهلاً، حيث تشاورت مع صديقاتها وأهلها، فتراوحت الآراء بين مؤيد ومعارض، لكنها قررت في نهاية الأمر خوض التجربة تحت وقع دقات فؤادها وإحساسها كامرأة ذات تكوين شاعري مرهف، وحماستها لترويض انشغالاتها الحياتية لتخفف من وطأتها أحلامها البسيطة. وقد استخدمت المؤلفة أدواتها وإمكاناتها الأدبية لتصف لنا مشهد أول زيارة للمكان الذي تقيم فيه الطفلة «ريم» في دار تابعة لهيئة تنمية المجتمع، لنجد أنفسنا بصدد كرنفال من الكلمات المؤثرة والوصف الذي يشبه رائحة عطر عتيق حتى كأنها تحكي عن مخاض حقيقي، فتقول: «سمعتُ صوتها.. صوت من الجنة، نقاء الأطفال سمتُها، حين صدحت بحبالها الصوتية بأجمل لحن سمعته في حياتي ليغيرَ مجراها». وفي موضع آخر«سمعتها تسأل: هل ستشتري لي حقيبة مدرسية؟ فسمعتها بقلبي وتوسطت قلبي، فوقع الاختيار عليها لتكون ابنتي التي لم أنجبها».
وبعد أن أتمّت الإجراءات المتبعة لاحتضان طفلتها المفضلة، تأخذنا الكاتبة إلى الصعوبات التي تخوفت منها في نقل «ريم» إلى بيئة مختلفة عن التي تعودت عليها خاصة أن عمرها 3 سنوات وبمقدورها أن تشعر بالفرق المكاني وما يحيط به. لذلك استعانت المؤلفة بذوي الاختصاص في علم النفس وعلم الاجتماع والتربية وبحثت وقرأت الكثير كي تتسلّح بمقومات التعامل مع طفلتها «ريم»، بل ألحقتها بدورات تدريبية وتأهيلية خاصة بالأطفال، وعلى المستوى الشخصي بذلت كل مساعيها وجهوداً قصوى كي تقترب منها أكثر وأكثر، وكان لها ما أرادت.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"