لماذا يشتري الجميع الذهب؟

01:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

روتشير شارما *


سجل الذهب هذا العام أفضل مستويات الأداء بين الأصول التقليدية في العالم. وتجاوز سعر الأونصة 2000 دولار للمرة الأولى. وصار المعدن البراق حديث قوى السوق.

لطالما كان يُنظر إلى المهووسين بالذهب - وهم المستثمرون المتفائلون دائماً حول أدائه - على أنهم الأشد حذراً في أسواق المال، حيث يتمسكون بحيازته كتحوط ضد كارثة يعتقدون دائماً أنها وشيكة.

لكن في الآونة الأخيرة، صار موقفهم أكثر إقناعاً، فقد سجل الذهب هذا العام، أفضل مستويات الأداء بين الأصول التقليدية في العالم. وتجاوز سعر الأونصة 2000 دولار للمرة الأولى. وصار المعدن البراق حديث قوى السوق من المستثمرين الجادين والمتداولين الباحثين عن المكاسب على أساس يومي.

وكشف استطلاع للرأي أجري الأسبوع الماضي، وشارك فيه نحو ألف شخص، أن واحداً من كل ستة أمريكيين اشترى الذهب أو معادن ثمينة أخرى في الأشهر الثلاثة الماضية، ونحو واحد من كل أربعة كان يفكر بجدية في ذلك. وتضاعف عدد متداولي الذهب على منصة «روبين هود» الشهيرة عبر الإنترنت، ثلاث مرات منذ يناير.

كان يكون مغرياً أن نعزو رواج الذهب إلى الرغبة في الحصول على ملاذ آمن أثناء الوباء - وهو نوع من رد الفعل المرتبط بالذعر المالي الذي سوف يتبدد مع انحسار الأزمة، لكن جنون الذهب مدفوع أيضاً بحدس مفاده أن الأموال السهلة المتدفقة من البنوك المركزية وبرامج التحفيز الحكومية يمكن أن تؤدي إلى التضخم، وهو ما يثير القلق حول الأداء الاقتصادي.

وتجنب المستثمرون الجادون الذهب في الماضي لضعف عائداته. وهو يشبه النفط أو الحديد أو أي سلعة أخرى تستخرج من باطن الأرض، من عدة جوانب. فالسلع الأساسية تعلو وتهبط مع دورات الاقتصاد ولا تحقق مكاسب مجزية مع مرور الوقت.

ونظراً لصورته الراسخة كمخزن ثابت للقيمة عندما تهتز الأصول الأخرى، فقد صمد الذهب بشكل أفضل من صمود غيره من السلع الأساسية، لكنه لم يكن استثماراً ديناميكياً. فعلى مدار القرن الماضي ارتفع سعر الذهب، بعد احتساب التضخم، بمعدل 1.1 في المئة فقط سنوياً، مقارنة مع الأسهم الأمريكية التي حققت 6.5 في المئة. وحتى سندات الخزانة الأمريكية فئة العشر سنوات، والتي تعتبر من الأصول الخالية من المخاطر، حققت عوائد سنوية أعلى.

وعلى صعيد التجارب التاريخية تألق الذهب بشكل رئيسي في مواسم الأزمات. فقد ارتفع سعره وسط الركود التضخمي في السبعينيات أكثر من سبعة أضعاف على مدار ذلك العقد، ليصل إلى ذروته عند 850 دولاراً في أوائل عام 1980. وارتفع مرة أخرى بعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008، وبلغ ذروته عند 1900 دولار في عام 2011، لكنه تراجع بعد ذلك معظم سنوات العقد اللاحقة.

وفي عام 2019، عندما علق مجلس الاحتياطي الفيدرالي خططاً لرفع أسعار الفائدة، صعد الذهب مرة أخرى. وغالباً ما يكون أداء الذهب أفضل عندما تنخفض أسعار الفائدة إلى ما دون معدل التضخم. ومع هبوط معدلات العائد على السندات إلى النطاق السلبي، يشعر المستثمرون بالارتياح لامتلاك الذهب كمخزن للقيمة، حتى لو لم ينتج عنه أي مكاسب.

وهذا ما حدث خلال الأشهر القليلة الماضية. فمع اقتراب معدلات العائد على السندات من الصفر في الولايات المتحدة ومن النطاق السلبي في أوروبا واليابان، دفع المستثمرون سعر الذهب للارتفاع أكثر من 30 في المئة هذا العام بعد مكاسب بنحو 20 في المئة العام الماضي. وفي الأسابيع الأخيرة، كانت تلك الزيادة مدفوعة بالتوقعات المتزايدة بأن كل الأموال التي تضخها الحكومات في اقتصاداتها ستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم.

ومع تجاوز تقييمات الأسهم المعدل الوسطي لأسعارها على المدى الطويل، بدا سعر الذهب رخيصاً نسبياً. وفي ظل ضخ البنوك المركزية مزيداً من العملات الورقية، ما يؤثر في استقرار العملات الرئيسية، خاصة الدولار، يرى البعض في الذهب بديلاً مستقراً للدولار والعملات الرئيسية الأخرى.

لكي يستمر الذهب في الارتفاع، يجب أن تستمر توقعات التضخم في الارتفاع، لكن الرهان على ارتفاع التضخم كان خاسراً خلال سنوات عدة من العقود الأربعة الماضية، وتبدو الاحتمالات أفضل الآن. وبينما تضخ الحكومات مستويات قياسية من أموال التحفيز في وقت تضعف فيه قوى مثل العولمة، قد يفلت التضخم من السيطرة.

وإذا استمرت هذه الظروف غير الطبيعية، ولم يتوفر لقاح لكوفيد-19 على وجه السرعة، وتتوقف البنوك المركزية عن طباعة النقود بلا قيود، وتبدأ أسعار الفائدة الحقيقية في الارتفاع مرة أخرى، فمن الصعب كبح الهوس بالذهب.

* ذي نيويورك تايمز

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"