مدخل أوروبا الحيادي إلى العالم الرقمي

01:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

جون ثورنهيل*

تضم أوروبا أكثر من 2000 شركة ناشئة في قطاع التقنية تبتكر طرقاً جديدة لتقديم الخدمات العامة. قوانين تشجيع التمويل والقوة المتزايدة للحوسبة السحابية، والقدرات الرقمية المتطورة لجيل الشباب تعزز قوة القطاع.

مصطلح «العالم الثالث»، الذي شاع في عالم السياسة؛ كان يعني السير في طريق وسط بين تجاوزات الرأسماليين، وتزمت الاشتراكيين.

وهناك اليوم مفهوم مماثل في مجال التكنولوجيا؛ حيث يحاول الساسة الأوروبيون رسم مسار بين الحرية التكنولوجية ل«وادي السيليكون» في كاليفورنيا، والاستبداد الرقمي للصين.

ففي خطاب ألقاه مؤخراً، رفض رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، الفكرة القائلة: إن النموذجين الكاليفورني والصيني وحيدان لا ثالث لهما، وأصر على أنه من الممكن إنشاء شبكة إنترنت أكثر تنظيماً وديموقراطية، ولبلوغ ذلك الهدف يعتقد ماكرون أن كل من يروج ويحمي وينظم خدمات الإنترنت، يجب أن يكون مبدعاً مثل الذين اخترعوا شبكتها. وقال في كلمة له أمام منتدى حوكمة الإنترنت: «نحن بحاجة إلى الابتكار في المجال التكنولوجي؛ لكننا نحتاج إليه أيضاً في مجالات الأخلاق والدبلوماسية والسياسة والمجتمع».

رؤية ماكرون هذه تبدو رؤية جذابة في عالمنا المعاصر، ونحن ننادي بشفافية الرأسمالية، ونشكو من نشاز وسائل التواصل الاجتماعي. لا شك في أن هناك فرصة لأوروبا للمساعدة في إعادة تصميم الطريقة، التي يعمل بها عالمنا الرقمي؛ لكن على مر السنين، طورت أوروبا موقفاً سلبياً بالوقوف على الهامش، والتربص بالفرص السانحة. وطبقاً لتصريحات ماريا غابرييل، المفوضة الرقمية للاتحاد الأوروبي، حاولت أوروبا اللحاق بالولايات المتحدة والصين؛ لكن لا يوجد لدى الاتحاد الأوروبي شركات رقمية ضمن قائمة ال15 الكبار في العالم؛ من حيث القيمة السوقية، ولا تزيد حصتها على 4 في المئة من قائمة أكبر 200 منصة على الإنترنت.

أضف إلى ذلك أن هناك اعتقاداً راسخاً بأن البنية الأساسية للإنترنت تجاوزت نقطة اللاعودة؛ حيث إن مسارها الراهن ترسمه شركات التكنولوجيا العملاقة؛ مثل: «جوجل» و«أمازون» و«فيسبوك» و«أبل»، التي جمعت بيانات مليارات المستخدمين. ولكي يتمكن المنافسون المحتملون من شق طريقهم إلى شركات الصف الأول عالمياً وليس أوروبياً؛ فلا بد من ضخ كميات هائلة من الاستثمارات.

وربما يكون ضخ الأموال في منصة رقمية أفضل وسيلة لتعزيز النمو فيها. وهنا يفيد النظر في تجربة شركة «أوبر»، التي تأسست عام 2009، وبلغت قيمتها السوقية أكثر من 100 مليار دولار، رغم أنها لم تحقق الربحية حتى الآن، للبرهنة على أن المهم في عالم الرقميات؛ هو ضخ الاستثمارات، وليس تاريخ التأسيس. واستمرار هذا النموذج في عالم الشركات، يعد مصدر سعادة لكل من الأمريكيين والصينيين، أما بالنسبة للأوروبيين فيتمسكون بفكرة رأس المال الكفؤ؛ وهي فكرة فقدت بريقها.

وهناك سببان مهمان لنجاح المسعى الأوروبي لشق «طريق ثالث».

أولاً، يبدو أن الجدل السياسي العالمي حول شبكة الإنترنت في وضعها الراهن، مستمر دون تغيير في المسار. ومما يثير الدهشة أن مديري شركات «مايكروسوفت» و«أبل»، اللذين زارا أوروبا مؤخراً، أيدا قانون حماية الخصوصية والبيانات في الاتحاد الأوروبي، الذي دخل حيز التنفيذ في مايو/أيار الماضي. ورغم حساسية شركات التكنولوجيا الأمريكية حيال القوانين والقيود التنظيمية، فإن بعضها يقر بالحاجة إلى قدر أكبر من الرقابة، إذا ما أرادوا المحافظة على ثقة المستخدم. والمفوضية الأوروبية هي الجهة التنظيمية الوحيدة ذات الصلاحية والحرص على حماية المستخدمين.

ثانياً: تتركز استخدامات التقنية في قطاعات عالية بدرجات التنظيم؛ مثل الرعاية الصحية والتعليم والطاقة والنقل. وإذا تمكنت أوروبا من تطوير علاقة منفعة متبادلة بين المبتكرين من القطاع العام ورجال الأعمال والهيئات التنظيمية، التي تجمع بين تشجيع الابتكارات وحماية المواطنين، فعند ذلك تكون قد حققت القفزة المطلوبة.

وكانت هذه المعادلة موضع تركيز في كلمات المشاركين في مؤتمر«حوكمة التقنية» في باريس مؤخراً. ووفقاً لتقرير شركة «أكسنتشر» تضم أوروبا أكثر من 2000 شركة ناشئة في قطاع التقنية تبتكر طرقاً جديدة؛ لتقديم الخدمات العامة، وأفاد التقرير، أن قوانين تشجيع التمويل والقوة المتزايدة للحوسبة السحابية، والقدرات الرقمية المتطورة لجيل الشباب والموظفين الحكوميين؛ سوف تعزز قوة هذا القطاع.

إذا كانت أوروبا تريد المحافظة على نموذج حياة شعوبها الفاره والباهظ الكُلفة؛ فقد لا يكون لديها أي بديل سوى تطوير «طريق ثالث» لنشر التكنولوجيا؛ من أجل الصالح العام. وربما تطرق الفرصة أبواب أوروبا حالياً؛ لكن هل من مجيب؟

*فايننشيال تايمز

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"