أسباب تدفعنا لوضع معايير جديدة لجودة الهواء

02:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
عبد الرحمن عبد العزيز خانصاحب *

نحن نقضي أكثر من 90% من وقتنا في الداخل، وهي نسبة تتزايد حالياً مع اضطرار الكثير منا للعمل والتعلم من المنزل. ومع بقائنا في منازلنا وتجنب الأماكن المفتوحة، سنُعرض أنفسنا إلى مستويات أعلى من تلوث الهواء المنزلي. وقد بدأت الأوساط الأكاديمية، بمن فيهم باحثون من جامعة هارفارد بالربط بين ارتفاع مستويات تلوث الهواء ومعدلات الوفاة بسبب فيروس كورونا. وتناول البحث رغم محدوديته أعداد الوفيات الناجمة عن الفيروس والمستويات السابقة للجسيمات الخطرة المعروفة باسم «بي إم 2.5» وهي ملوثات تخترق الرئة وتؤدي إلى انخفاض سعتها وتسبب مشكلات في البشرة والعينين.
كما برز تحسين معايير جودة الهواء الداخلي كضرورة ملحة مع ظهور متلازمة المباني المغلقة منذ سنوات عديدة بما يثبت الدور الأساسي الذي تلعبه في نشر الأمراض والأمثلة على ذلك كثيرة، منها وباء السارس والحصبة.
واليوم، باتت الحاجة إلى الهواء الداخلي النظيف أكثر إلحاحاً مع بحثنا عن سبل الصمود أمام الجائحة العالمية التي سببها فيروس كورونا. أما في دولة الإمارات، فقد احتل بند تحسين جودة الهواء مكانة مهمة في جدول أعمال الحكومة منذ فترة طويلة. إذ تهدف رؤية الإمارات 2021 إلى رفع معدلات جودة الهواء في الدولة إلى 90% بحلول عام 2021. ولتحقيق هذا الهدف، تتعاون وزارة التغير المناخي والبيئة مع شركائها في القطاعين الحكومي والخاص في سبيل تحسين المعايير الوطنية الخاصة بتلوث الهواء ومراقبة الامتثال بها.
كما يخضع الهواء الخارجي للمراقبة المنتظمة من خلال مؤشر جودة هواء الإمارات. ويكمن الهدف في تسجيل 90% من الأيام باللون الأخضر بحلول عام 2021 ونحن نسير في الاتجاه الصحيح مع وصول المعدل إلى 76% عام 2016. وبينما ندرس بالتفصيل جودة الهواء الخارجي، من الضروري أن نتفحص جودة الهواء الداخلي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
تشترط معايير بلدية دبي لجودة الهواء الداخلي وجود أقل من 0.08 جزء في المليون من مادة الفورمالديهايد وأقل من 300 ميكروجرام من إجمالي المركبات العضوية المتطايرة وأقل من 150 ميكروجرام من الجسيمات المعلقة في الهواء، وذلك في إطار ثماني ساعات من المراقبة المستمرة قبل إشغال المباني.
إننا بحاجة للفرض الصارم والمستمر لهذه المعايير وتضمين شروط خاصة بالجسيمات الدقيقة الخطرة «بي إم 2.5» نظراً لارتباطها بالوفيات التي يسببها فيروس كورونا. ومن المهم أيضاً المضي قدماً في هذا المجال ورفع مستوى جودة الهواء الداخلي في دولة الإمارات العربية المتحدة لتلبية المعيار (EN16798-3 Sup 2) الذي أوصى به الاتحاد الدولي لمصنعي مستلزمات المناخ الداخلي «يوروفنت» ويشترط وجود تركيزات أقل من الجسيمات الدقيقة الخطرة «بي إم» في الهواء. وينبغي أن يكون الالتزام بهذا المعيار إلزامياً لا اختيارياً يتحقق عن طريق تركيب أنظمة التهوية ومجاري الهواء المناسبة في المباني.
يؤثر تنفس الهواء الملوث بالعفن لفترات طويلة من الزمن في المناعة وزيادة قابلية التعرض للعدوى الفيروسية ومشكلات الجهاز التنفسي والربو وفرط التحسس وأمراض الحساسية، بل ويمكن أن يؤثر سلبًا في الصحة العقلية للأطفال. وهنا يبرز الدور الحاسم لأنظمة التهوية في تعزيز جودة الهواء الداخلي. حيث يسهم تركيب نظام التهوية المناسب مثل مجاري الهواء Spiralite في تقليل تجمع الجسيمات الدقيقة عبر منع نمو كل من الفطريات والفطر والعفن التي يمكن أن تنتقل داخل المبنى.
نظراً للعواقب الوخيمة للهواء منخفض الجودة على المدى الطويل، يحق للجميع معرفة المزيد حول جودة الهواء الداخلي للمباني التي يعيشون ويعملون فيها ولا سيما المدارس والمستشفيات. لهذا السبب وبهدف رفع مستوى معايير جودة الهواء في الأماكن المغلقة، نوصي بإنشاء نظام تصنيف وطني تقر بموجبه شركات التطوير العقاري ومالكي العقار بامتثال جودة الهواء الداخلي في مبانيها لهذا المعيار، وبالتالي تمكين الأجيال القادمة من العيش والعمل والدراسة واللعب في مبانٍ تحافظ على صحتهم.
لقد أجبرت الجائحة العالمية التي يمر بها العالم إلى النظر والتفحص المطول والدقيق لجميع القضايا التي أوصلتنا لما نحن عليه اليوم. ولا شك أن السنوات المقبلة ستختلف عما مضى وعلينا جميعاً التأقلم مع واقع جديد نمضي فيه وقتاً أكبر داخل المباني. واستجابةً لهذه التغيرات، ينبغي أن يتصدر تحسين جودة الهواء قائمة أولوياتنا الهادفة، لإرساء أسس المستقبل الصحي لمجتمعاتنا.

* مدير عام شركة خانصاحب للصناعات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"