عمالقة التقنية في مصيدة تغيير صنعوها بأيديهم

01:56 صباحا
قراءة 4 دقائق

ديفيد جولدمان *

توصلت هيئة المنافسة في المملكة المتحدة إلى أن هيمنة عمالقة التقنية قد أصبحت كبيرة جداً، وأعلنت عزمها التحقيق في مكافحة الاحتكار في إعلانات الإنترنت.

هناك موجة عارمة على مستوى دول العالم، هدفها مواجهة طغيان عمالقة التقنية وتجاوزاتهم، وما ينتج عن ذلك من تبعات. فقد وضع الاتحاد الأوروبي قوانين خصوصية شاملة على مدار السنوات القليلة الماضية، وأطلق تحقيقات متعددة لمكافحة الاحتكار في شركات عمالقة التقنية، بما في ذلك «ألفابيت» و«فيسبوك». وفرض الاتحاد الأوروبي مؤخراً غرامة على شركة «جوجل» بقيمة 1.7 مليار دولار، بسبب سوء استغلال موقعها المهيمن في الإعلان على شبكة الإنترنت. ويحقق مجلس المنافسة في تركيا في هيمنة «جوجل» على سوق البحث عبر الشبكة.

وتوصلت هيئة المنافسة في المملكة المتحدة إلى أن هيمنة عمالقة التقنية قد أصبحت كبيرة جداً، وأعلنت عزمها التحقيق في مكافحة الاحتكار في سوق الإعلانات عبر الإنترنت.

وفي عالم شديد التنافسية، يفرض توفير محتوى جديد على تلك الشركات، أن تكون في المكان المناسب لاغتنام اللحظات الحاسمة والفرص السانحة.

وتسعى إليزابيث وارين، المرشحة لانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة عن الحزب الديمقراطي، إلى تفكيك «جوجل» و«فيسبوك» و«أمازون». كما أن النيابة العامة الأمريكية تجري تحقيقاً جنائياً في صفقات مشاركة البيانات على موقع «فيسبوك». ويصر الرئيس دونالد ترامب على أنه ينبغي التحقيق في أنشطة شبكات التواصل الاجتماعي المتحيزة ضد المحافظين.

ويخضع التزام الجمهور بمنصات عمالقة التقنية لاختبار حقيقي، حيث يتساءل كثيرون عما إذا كانت هذه الشركات قوى تدعم الأنشطة الإيجابية، أم تقف في وجهها. ويحجم الناس عن التعامل مع «فيسبوك» بسبب قناعات بأنها عاجزة عن وضع حد لخروقات البيانات، وحملات المعلومات المضللة الروسية، والإساءات المتفشية، وخطاب الكراهية على «تويتر»، ومقاطع الفيديو الخاصة بتجنيد الإرهاب على «يوتيوب»، وأدبيات المؤامرة على مواقع «أمازون». فقد تم بث الهجوم الإرهابي على مسجدين في نيوزيلندا على «فيسبوك» وتم إعادة نشره على «يوتيوب».

ويواجه نموذج عمل شركات التقنية تهديدات خطيرة. فقد يتم تفكيك الشركات، وربما تعرضت لمقاطعة جمهورها الذي يستغني عن خدماتها. وقد أفلتت شركات وادي السيليكون من مواجهات سابقة مع هيئات مكافحة الاحتكار في الماضي. لكن سلوكها السيئ، وعدم قدرتها على التحكم في المحتوى على منصاتها المختلفة، قد بلغ نقطة اللاعودة. وهناك فرق كبير بين مجرد تحديد خيارات البحث في «جوجل» مثلاً، وهو ما رفعت الحكومات دعاوى ضد «جوجل» و«مايكروسوفت» بشأنه، وبين توفير منصات التواصل الاجتماعي ملاذاً مفتوحاً للشبكات الإرهابية.

ولن يكون تغيير قطاع التقنية من الداخل أمراً سهلاً. والمشكلة أن التنفيذيين، من أمثال مارك زوكربيرج ومؤسس «جوجل» لاري بيج، يسيطرون على شركاتهم من خلال حقوق التصويت التي يمنحهم إياها القانون بحكم حصة الأغلبية. ويتكرر النموذج أيضاً في شركات منها «سناب» و«ليفت» التي تم طرح أسهمها على الاكتتاب العام مؤخراً.

وإذا كانت شركات التقنية حريصة على الاحتفاظ بالبيانات والصور والعلامات التجارية البراقة وحصتها من سوق الإعلان الرقمي، فلا بد من إجراء التغييرات الفعلية.

وقد اتخذت منصة «تويتر» ما يمكن أن يصبح إحدى الخطوات الأكثر ابتكاراً في القطاع، حيث كشفت الشركة عن تطبيق اختبارات جديدة من أجل إجراء التجارب على ميزات جديدة. وحتى الآن، لم تسفر التجارب عن حلول جذرية بعد أن أعيد تصميم خيوط التغريدات والألوان والأزرار. والتطبيق مخصص لمشتركي هواتف «آي فون» فقط، ويتم توجيه الدعوات لهم حصرياً.

لكن التطبيق الجديد، يمكن أن يصبح المكان الذي تختبر فيه «تويتر» طرقاً لحل مشكلاتها العديدة. فقد عجزت الشركة عن التغلب على سوء الاستخدام على نظامها الأساسي، كما أن تغيير الطريقة التي يعمل بها تطبيقها قد يثبت أنه الحل الوحيد لتجاوز المشكلة.

وينبغي على «فيسبوك» أن تعتمد نفس النهج، وقد أعلنت مؤخراً أنها سوف تعيد ترتيب أوضاعها كمنصة «تركز على الخصوصية». وقال المدير التنفيذي مارك زوكربيرج في واحدة من تدويناته إن «فيسبوك» تريد بناء «المكافئ الرقمي لغرفة المعيشة» من خلال زيادة كمية الرسائل المشفرة والخاصة على منصتها.

هذا النوع من إعادة التفكير الاستراتيجي الجذري هو ما يحتاجه وادي السيليكون. إلا أن مدى التزام شركات التقنية بتنفيذ وعودها لا يزال قيد المتابعة على قوائم الانتظار. وقد لعبت التقنية دوراً تاريخياً في إحداث التغيير الجذري في مختلف القطاعات، لكن الشركات التي نجحت في إعادة صياغة نفسها والبقاء على قيد الحياة كانت قليلة العدد.

ومن المؤكد أن الزمن ليس في صالح تلك الشركات، لأن التسارع الذي يشهده عالم اليوم لا يتيح لأحد فرصة التردد. وإذا كان قطاع التقنية جاداً في التغلب على هذه الموجة من هجمات هيئات التنظيم، وتجنب الغضب العام، فلا بد لشركاته من اتخاذ إجراءات جريئة لإصلاح أخطائها.

* سي إن إن

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"