بالعائلات نثق

01:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
دكتور بي. آر شيتي *

اعتمدت الإمارات في نموّها وتقدمها الاقتصادي بشكل أساسي على المؤسسات العائلية قبل وقت طويل من إنشاء المناطق الحرة، وواجهات الأبنية الفاخرة.
وقد تمّ هنا توارث الحرف القديمة وأسرار التجارة من جيل إلى جيل، والتي لا يمكن تعليمها في كليات إدارة الأعمال.
ففي وقت شهدت فيه الدولة تحولاً هائلاً خلال العقدين الماضيين تبنّت خلالهما رؤية متجددة، وأهداف تنمية واعدة، يلاحظ المرء عند التمعّن قليلاً في الوضع بأنه لم يتغير كثيراً.
في الواقع، بحسب دراسة «مؤشر إيدلمان للثقة 2019- دلالات للشركات العائلية»، يثق 69% من الشعب في الشركات العائلية، أي بارتفاع بمعدل 13 نقطة، مقارنة بالشركات بشكل عام. وأشارت الدراسة إلى أنّ الإمارات من بين أكثر الدول التي يثق فيها الشعب بالشركات العائلية أكثر من الشركات الأخرى الكبيرة الحجم. ولا تدعو هذه النتائج للمفاجأة بما أنّ أهمّ الشركات في المنطقة هي عائلية، وتساهم في 60 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وتوظف أكثر من 80 في المئة من القوة العاملة.
وساعدت القيم المتجذّرة والثقة واحترام أفراد العائلة الأكبر سناً الشركات على بلوغ مستويات أعلى، والمحافظة على استقرارها في الأزمنة المتغيرة. وساهم في هذا الأمر أيضاً العمل الدؤوب والاندفاع المستمر وروح المبادرة.
وتشكّل الشركات العائلية اليوم جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد المزدهر. فهي قادرة بفضل إدارتها القوية على التوسّع في السوق والمحافظة على ربحيّتها والنفاذ إلى الأسهم الخاصة بسرعة أكبر من نظيرتها. وتبرز الحاجة حالياً في عالم الأعمال إلى بقاء الشركات العائلية التي تشكّل دعامة الاقتصاد متكيّفة مع التغيير، لا سيما حين يتعلق الأمر بالمواهب والتكنولوجيا وقيادة المجتمع وبناء الدولة.
فالمواهب الشابة تأتي بالطاقة والأفكار الجديدة، وتعد بمستقبل لامع. وتؤدي القيادة الأكبر سناً دوراً محورياً في هذا التغيير؛ حيث يجدر بأهدافها طويلة الأمد أن تركز على كيفية دعم الجيل المقبل، وتمكينه من النجاح في تطبيق الرؤية والقيم التي قامت عليها الشركة. فمن شأن شغف الجيل الشاب وخبرة القادة الأكبر سناً والممتدة على سنين عدة أن تضمن استمرارية المؤسسة ونموّها.
وتشكّل التكنولوجيا أو التحوّل الرقميّ عائقاً آخر أمام تقدم الشركات التقليدية. وبالتالي، تتطلّب موازنة نماذج الأعمال التقليدية في عالم تسوده الرقمنة؛ بعد نظر ومثابرة وقدرة على اعتناق ما هو جديد. لقد ذلّلت التكنولوجيا العوائق، ولا يمكن تحقيق تقدم في الأعمال إلا من خلال التكيّف مع هذه التغييرات.
وتبرز حاجة ملحّة إلى الاعتماد على قادة المؤسسات العائلية كقوة محرّكة ومساهمة في الاقتصاد؛ نظراً إلى التقلّب الذي نشهده في البيئة الاقتصادية والاجتماعية والتحديات التي تتضمنها. في هذا الإطار، يتعين على القادة الحرص على تشجيع المجتمعات المحلية وجهودها؛ الهادفة إلى بناء الدولة.
وكشفت دراسة أجرتها «إرنست ويونغ»، أنّ 81% تقريباً من أكبر الشركات العائلية في العالم تنخرط في الأعمال الخيرية، وتُبدي التزاماً شخصياً بالمسائل المهمة داخل المؤسسة وخارجها. وتشكّل خدمة المجتمع طريقة للتعبير عن القيم الأساسية للعائلة وعن التزامها تجاه المجتمعات التي تعمل فيها.
تشكّل الشركات العائلية دعامة الاقتصاد العالمي؛ ولكنّ استمراريتها اليوم مرتبطة من نواحٍ كثيرة بقدرتها على البقاء ضرورية وذات أهمية.
ومع تغيّر ديناميكيات الأعمال حول العالم، تنتظر الشرق الأوسط الذي يحتضن عدداً كبيراً من المؤسسات العائلية، فرص كبيرة؛ لناحية الترويج لهذه المنطقة من العالم ولمساهمتها في الاقتصاد العالمي وتأثيرها عليه. فمن شأن استثمارات الشركات الحالية في تمكين المواهب والابتكار؛ المساهمة مباشرةً في قوة المجتمعات المستقبلية والدولة ككلّ. وتعد ثقافة ريادة الأعمال والشركات الناشئة المتنامية على سبيل المثال خطوة في الاتجاه الصحيح، وهي تمنح المنطقة الزخم اللازم؛ لبناء مستقبل مستدام. ومع توفّر مرافق من الدرجة الأولى، لا بدّ لنا من التعبير عن امتناننا للعائلة الملكية التي ترحّب بالجميع والتي أثبتت مجدداً أنّ الإمارات هي فعلاً أرض الفرص.
لقد تمكّنت الشركات العائلية؛ مثل: «فورد موتور» و«كوكا كولا» و«أيكيا» من تجاوز كل الصعوبات والنجاح، وهي تعد حالياً من أكبر الشركات في العالم. وفيما تخطّ هذه الشركات طريقها نحو المستقبل، وتبقى ملتزمة بالتراث العائلي وبرؤية آبائها المؤسسين، لا بدّ من الاستمرار في تناقل هذه المسؤولية عبر الأجيال؛ من أجل تنمية الشركة والمساهمة أيضاً في البشرية. فقد قال بي تي بارنوم، أهمّ منظّم عروض، في الماضي: «لا بدّ للعرض أن يستمرّ»، ولا يزال هذا القول صحيحاً في أيامنا هذه.

* مؤسس ورئيس «إن أم سي» و«فينابلر» و«بي آر إس فنتشورز» و«نيوفارما»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"