«كورونا» يستنزف أدوات البنوك المركزية

00:48 صباحا
قراءة 4 دقائق
تيم فوكس *

أهمية الاحتياطي الفيدرالي تكمن في الخطوات الأخرى التي اتخذها لإنعاش السيولة، وتوسع نطاق مبادلتها بالدولار الأمريكي من 9 إلى 15 بنكاً مركزياً، يفوق في أهميته تخفيض الفائدة.

ضاعفت البنوك المركزية في الأسبوع المنصرم، إجراءاتها لاحتواء تداعيات تفشي فيروس «كورونا» المستجد، حتى استنزفت جميع أدوات سياساتها الرسمية. ولكن على الرغم من كل تلك الجهود، فإن الأسواق المالية لا تزال غير حصينة تجاه هذه الأزمة، حيث إنه لا توجد في المدى المنظور نهاية لهذا الانتشار الفيروسي المريع الذي يعيث خراباً في الاقتصاد العالمي. ومع سيطرة حالة من انعدام اليقين على العالم، تمثلت في إيقاف جميع أنواع الأنشطة وتطبيق التباعد الاجتماعي، تصبح السيولة النقدية الشغل الشاغل للأسواق، وهو ما تجلى في ارتفاع الدولار الأسبوع الماضي.

وعلى الرغم من تخفيض أسعار الفائدة الرسمية إلى الصفر أو ما دونه في أغلب الدول المتطورة، لجأ الاحتياطي الفيدرالي وبنوك مركزية أخرى، إلى التدابير التي اتبعتها خلال الأزمة المالية الكبرى، حيث ارتكزت إليها لإيجاد حلول أكثر ابتكاراً تحافظ على عمل الأسواق، وتقدم شبكات أمان للشركات والأفراد على الرغم من استمرار الأزمة. وتعتبر هذه التدابير من نواح عديدة أقوى بكثير من تخفيض أسعار الفائدة التي ظلت منخفضة وغير فعالة معظم العقد الماضي.

وكان التهافت على شراء الدولار الأمريكي من قبل المستثمرين الباحثين عن السيولة، العنوان الأبرز للأسواق خلال الأسبوع الماضي. ويساعد هذا الطلب على الدولار الأمريكي في تفسير ما قد يبدو أحياناً على أنه انتقال غير منطقي بين فئات الأصول. وعلى سبيل المثال، أسفر اللجوء إلى بيع الأسهم عن ارتفاع في عمليات التداول بالهامش التي تحتاج إلى دولار أمريكي، مما أدى إلى إغلاق مراكز مربحة في فئات الأصول الأخرى، كالذهب وسندات الخزانة. كما أسهمت الاستدانة الحكومية الزائدة، كنوع من التدابير التحفيزية، في تفاقم هذا الوضع، وكذلك انخفاض أسعار النفط وانخفاض حجم العائدات النفطية المتداولة في السوق.

ومن النتائج الثانوية الأخرى، الضغط المتزايد على أسعار الفائدة بين المصارف الأمريكية (الليبور)، حيث يزايد المستثمرون على اقتراض الدولار لفترة قصيرة بمعدلات تزيد على 1,0%، وهذا حتى بعد تخفيض معدل التمويل من الاحتياطي الفيدرالي إلى 0,0-0,25%، بداية الأسبوع الماضي.

وبناء على ما سبق، فإن أهمية الاحتياطي الفيدرالي تكمن في الخطوات الأخرى التي اتخذها مؤخراً لإنعاش السيولة في سوق إعادة الشراء (الريبو)، عبر كامل منحنى الخزينة، وفي سوق الأوراق التجارية، وسوق الوسطاء الرئيسيين، وأيضاً في أسواق سندات البلدية.

وعلى الأرجح، فإن هذه الخطوات مجتمعة تفوق في أهميتها تخفيض أسعار الفائدة الرسمية، وربما كان الأهم من هذا كله، هو توسع نطاق مبادلة السيولة بالدولار الأمريكي من 9 إلى 15 بنكاً مركزياً.

وإضافة إلى 700 مليار دولار أمريكي من مشتريات الأصول التي أعلن عنها الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي، بادر البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا إلى إطلاق برامج شراء الأصول الخاصة بهما، والتي بلغت 750 مليار يورو، و200 مليار جنيه إسترليني، لإصلاح الضرر الذي يتسبب فيه «كورونا»، والتي أعلنت عنها كريستين لاجارد خلال أول مؤتمر صحفي لها كرئيسة للبنك المركزي الأوروبي، حيث أوضحت أنه لم يكن أمامهم سوى خيارات محدودة بخصوص خفض أسعار الفائدة الرسمية.

وكان الجنيه الإسترليني أكثر المتضررين من ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، حيث هبط بنسبة 6% الأسبوع الماضي.

وإلى جانب قلق الأسواق من نقص الدولار في السوق، يتوقع أيضاً أن تواجه لندن إغلاقاً لأسواقها ومحلاتها، وذلك ما سيخفض السيولة أكثر في سوق العملات الأجنبية العالمية. كما تأثر الجنيه بسبب النهج الذي اتبعته المملكة المتحدة مع الأزمة برمتها، حيث واجهت انتقادات كثيرة لتقاعسها عن معالجة المشكلة، فلم تتخذ تدابير الطوارئ التي فرضتها العديد من دول العالم حتى الأسبوع الماضي.

ومجدداً، رسخ الدولار الأمريكي دوره كملاذ استثماري آمن خلال هذه الأزمة، مستفيداً إلى حد ما من نظرة أمريكا إلى الأزمة في البداية على أنها مشكلة خارجية لن تمسها. ومن ثم فقد قوته عندما بدأ فيروس «كورونا» بالانتشار في الولايات المتحدة، وأيضاً عندما تم تخفيض أسعار الفائدة إلى ما يقارب الصفر.

وعلى الرغم من هذا، عرف الدولار مطلباً كبيراً، باعتباره عملة التمويل الأساسية في العالم، وأنه صمام الأمان للنظام المالي العالمي، مع توجه أسواق الأصول العالمية نحو الهبوط. وبتطبيق هذه التدابير الأخيرة، فقد أظهر الدولار الأمريكي بعض علامات الاستقرار المبدئية، ولكن من السابق لأوانه أن نستنتج أن هذه الضغوط ذهبت دون عودة.

وفي نهاية الأسبوع، بدا أن التزام البنوك المركزية والحكومات بدعم الأسواق المالية والعناصر الرئيسية في اقتصادها من الشركات إلى الموظفين قد حقق بعض الثقل في الأسواق. وكان تراجع اليورو والجنيه الإسترليني عن أدنى مستوياتهما، وانخفاض الدولار قليلاً، بمثابة إشارة على ذلك، إضافة إلى مزيد من التحركات المدروسة في حركة الأسهم، وتحسن في أسعار النفط. وكما ندرك جميعاً، فإن المشكلة تكمن في أن مشوار هذه الأزمة سيكون طويلاً جداً على الأرجح.

* رئيس قسم الأبحاث وكبير الاقتصاديين لدى مجموعة «بنك الإمارات دبي الوطني»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"